الألم (pain ) ..
د.علي أحمد جديد
(الألم) هو شعور يُشير إلى وجود أذيّة فيزيولوجية أو نفسية حقيقية أو محتملة . كما يُعتبَر الألم تجربة حسية و عاطفية بغيضة متعلقة في الإحساس سلبي بفقدان السعادة أو بالإحتياج إليها .
وعلى هذا الأساس يمكن وصف الألم بأنه شعور غير سار يحدُّ من قدرة الفرد على متابعة حياته اليومية . وفيزيولوجياً ، غالباً ما يكون الألم كجهاز إنذار مبكر يدل على وجود خلل عضوي في الجسم .
وهناك ألم لا يرتبط بأي سبب فيزيولوجي (بدني) ، وهو الألم النفسي لدى الإنسان الذي ينشأ بسبب الخذلان من الآخرين ، أو بسبب الشعور بالندم على حالة أو موقف ، وكذلك بسبب الفقد والخسارة ، أو قد يكون ناتجاً بسبب الاكتئاب والقلق .
وبغض النظر عن أسباب الألم النفسي ، فإن الألم يؤثر في حياة الإنسان بشكل سلبي قد يمتد لأيام طويلة دون أن تخفَّ حِدَّتُه أو ينتهي ، ويمكن أن يؤدي إلى الحزن الشديد و الاكتئاب . لأن شعور الإنسان بالألم العاطفي يكون شديداً ويترافق بأفكار سلبية ترتبط بآلام فيزيولوجية يشعر بها الإنسان في جسده بدون وجود أي عارض فيزيولوجي .
ولأن الألم مرتبط بقدرة الإنسان على القيام بأعماله الفيزيولوجية فقد يَحولُ الألمُ دون مقدرة الإنسان على إدارة أموره في حياته العملية .
ومن أسباب الألم النفسي المعروفة التي يمكن تلخيصها في :
1. الفقد : يُصاب الإنسان بالألم النفسي نتيجة فقده لشخص عزيز على قلبه أو لعمل يحبه أو فقد أيٍّ من الأشياء التي يحبها .
ولا يجب الاستهتار بشعور الألم الناتج من الفقد ، لأنه يسبب العديد من التغييرات النفسية وحتى الفيزيولوجية أيضاً .
2. الاكتئاب : قد يكون الألم النفسي الذي يشعر به الإنسان ناتجاً عن الاكتئاب ، ولكن لا يمكن الجزم بهذا الأمر دون مراجعة طبيب يقوم بتشخيصه الدقيق .
3. الحزن : يُسبب الحزن نتيجة أمر تعرّض له الإنسان الألم النفسي الشديد ، والحزن لايزول عادةً ، لكنه يتحول إلى ألمٍ نفسي شديد في حال استمراره لفترات طويلة .
4. الأرق : قد ينتهي الأمر بالأشخاص الذين يعانون من الأرق المزمن بالشعور بالألم النفسي الحاد ، لأن المعاناة من أعراض الألم النفسي عند إهمال مشكلة الأرق لفترات طويلة وتجاهل علاجها .
5. الشعور بالذنب : إذْ يُعَدّ الشعور بالذنب أخطر الأحاسيس التي قد يشعر بها الإنسان بعد قيامه بالأمور الخاطئة ، الأمر الذي ينتهي به إلى الإحساس بالخزي والعار وبالألم النفسي الشديد .
والتعايش الذي يتميز به الإنسان يدفعه إلى تَقبّل الألم النفسي وآثاره السلبية التي يخلّفها في حياته على جميع الأصعدة ، إذ تُعدّ خطوة التقبّل من أهم الخطوات التي تساعد على البدء بعلاج الألم النفسي . وللتخلص من الألم لابد من اتباع خطوات في العلاج السلوكي المعرفي ، ويتم ذلك من قِبَل أخصائيين يساعدون على تغيير الأفكار والتصرفات المرتبطة بالألم النفسي ، لأن هذا النوع من العلاج يتيح التحدث مع المريض ومساعدته على استخلاص الألم والتخفيف منه كما يساعد على التحكم به .
إن البحث في الألم غوص إلى أعماق الوجود لإدراك حقيقة الخير وانعدامه . ويطرح واقع العالم الذي نعيش فيه .
وكل ما في الوجود يمكن ان يكون ألماً ، كما يمكن أن يكون غبطة ، أو أنه يجمع الإثنين معاً ليكون ألم الغبطة.
وإذا كان واقع الإنسان يشير إلى الألم ، فإن وجود الألم يثير موضوع غاية وجود الإنسان في تحمل الألم وفي غبطة وجوده . لأن غاية الإنسانوتشبر إلى تحقيق الغبطة من خلال الألم لأن ضآلة فاعلية الإنسان في نطاق الفهم والوعي يعني انفعال أناه (الأنا) على نحو غبطة. وعندما تنعدم السكينة الداخلية تبرز (الأنا) وتسيطر من خلال الفوضى .
وكثيراً مايندم الإنسان على غبطته عندما يكتشف عيوبه وأخطاءه لأنه يُقدِم على لحظة الغبطة بعد أن فَقَدَ السيطرة فيها على أناه الراغبة ، وفي لحظة ضعف استسلم فيها لانفعال ، أوعلى طمع أبداه في مسألة ما وتورط في مشكلة، أو على انتصار أحرزه وعلم أنه فشلٌ واندحار ، أو على أمنية حققها وعلم أنها كانت من فعل الخيال والوهم ، وكذلك على مجد ناله وعلم أنه كان زائفاً ، أو على متعة عابرة نتجت عنها مصيبة حلَّت بغيره . ويندم الإنسان على تصرفاته في اللحظات التي فقد وعيه فيها ، فيتألم .
وواقعياً تعتبر حياة الإنسان سلسلة من الآلام المتتابعة . ولما كانت كل غبطة أو متعة تحمل نقيضها ، أي تحمل الألم لأنها آنية وغير واعية ، تكون الأنا مصدر كل ألم وشقاء لأنها مصدر كل متعة . وتصدر المتعة عن تلقائية الذات ولاوعيها . ولأن هذه التلقائية لا تعبّر عن الحقيقة فإنها لا تتصل بالوعي وتحمل الشقاء والتعاسة بعد انقضاء لحظتها . ففي كل متعة تعاسة وألم ، لأن التفكير يعقب المتعة دائماً وعندما يسلط الإنسان ضوء العقل على ملذاته يجدها تافهة فيتألم . ويصدر ألم الإنسان عن هذا التأرجح الذي لا يستقر ولا يخضع للقوة المدرِكة فيه . وكل متعة في نهايتها ألم لأنها تصدر عن أحاسيس الإنسان التي لا يعمل على تطويرها ، وذلك ما يؤدي إلى إغفال العقل الواعي والوجدان . . وكلما واجه الإنسان ضوء إدراكه نحو متعته ، اكتشف ضعفه وسقوطه . وكلما بقي في نطاق الأنا ، فإنه يعمل على إبقاء إنسانيته في حالة السقوط – سقوط العقل الواعي والحكمة إلى هاوية الأنا .
وينشأ الألم أيضاً من التعلق والرغبة. ولا يزول ألم الإنسان إذا ظل متمسكاً بالرغبة وبالتعلق . ومن التعلق ينشأ الألم ، ومن الرغبة يتولد الألم ، وينشأ الندم المترافق بالحسرة والأسى . لأن الإنسان يتعلق بالأشياء ، وبزوال هذه الأشياء أو فقدها يتألم . ويرغب أيضاً في تحقيق الغايات (الأشياء) ، ومن عدم تحقيقها يتولد الألم . إن فقدان الأشياء أو عدم تحقيقها وفق ما تفرضه (الأنا) يؤديان حتماً إلى الألم .
ولقد شدد الحكماء على التجرد من الأنانية وعلى تجاوز الإنسان لكل شيء في عالم (الأنا) . ونصحوا بالزهد في كل شيء لكي لا يكون هناك تعلق بشيء ولكي لا يزداد الحزن والألم . ولما كان الإنسان يتعلق بأمور الدنيا فإن الحرمان منها دائماً ما يؤدي إلى الألم .
يتعلق الإنسان بأبنائه وبأخوته وبأقاربه وغيرهم .. كما يتعلق بالسلع وبالمجد ، ويرغب بالشهرة وبالمال والعظمة ، وينحرف تفكيره إلى الماديات ويبني آمالاً عليها . ولذلك ، فإن ألم الإنسان يتولّد و يستمر نتيجة فقدان الأشياء أو عدم تحقيق الرغبات . لأن الإنسان في طبيعة تكوينه لا يدرك مغزى حياته إلا من خلال تعلُّقاته ورغباته .