في مثل هذا اليوم 15 اغسطس1918م..
قطع العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وروسيا وذلك في أعقاب الثورة البلشفية.
بدأ التجار الروس منذ اواسط القرن السابع عشر بممارسة التجارة بنشاط في اراضي امريكا الشمالية وفي جزر المحيط الهادئ وشبه جزيرة الاسكا وفي اراضي ولايات كاليفورنيا واوريغون وواشنطن الحالية ، واسسوا مراكز سكنية ومدنا خاصة بهم اطلقت عليها تسمية ” امريكا الروسية”. وفي عام 1799 شيد الكسندر بارانوف رئيس الجاليات الروسية في امريكا حصنا على جزيرة ارخبيل الكسندر وبنى الى جانبه مدينة نوفوارخانغلسك ( مدينة سيتكا حاليا) التي اصبحت في عام 1808 عاصمة المستوطنات الروسية في القارة الامريكية.
جرى اول اتصال روسي – امريكي على ارفع مستوى حين التقى القيصر بطرس الاكبر مع وليام بين مؤسس المستوطنة البريطانية بنسلفانيا في امريكا في عام 1698 والذي يعتبر في الواقع احد مؤسسي الدولة التي اصبحت فيما بعد الولايات المتحدة الامريكية. وناقش الارستقراطي البريطاني مع القيصر الروسي فكرة نظام الدولة العادل.
وفي الواقع ساعدت روسيا على ان تكسب الولايات المتحدة الاستقلال حين رفضت تقديم المعونة العسكرية الى بريطانيا من اجل اخماد الانتفاضة التي اندلعت في عام 1775 في 13 مستعمرة بريطانية في امريكا واعلنت روسيا حيادها لاحقا.
وجرى تبادل السفراء بين الدولتين في عام 1809 . وكان الشاغل الرئيسي للسفراء هو معالجة القضايا المتعلقة بالاساكا والممتلكات الروسية الاخرى في امريكا والتي تم بيعها في عام 1867 الى الولايات المتحدة. وفي الفترة من 1842 الى 1851 كان المهندسون الامريكيون المستشارين الرئيسيين لمد طريق السكك الحديدية بين موسكو وبطرسبورغ . وشارك الخبراء الامريكيون في مد اولى خطوط التلغراف في روسيا.
وفي عام 1900 افتتحت الشركة الشرقية-الآسيوية الروسية خط الملاحة لنقل الركاب المنتظم مع القارة الامريكية ، وكانت بواخر هذه الشركة تقوم برحلات في كل 10 ايام في ” خط الملاحة الروسي – الامريكي”.
وفي اثناء الحرب العالمية الاولى التي بدأت في عام 1914 دعمت الولايات المتحدة بلدان انتانتا – تكتل البلدان الذي ضم روسيا ايضا. وبعد قيام ثورة عام 1917 في روسيا رفضت الدولة الامريكية الشمالية الاعتراف بحكومة البلاشفة التي استولت على السلطة وقدمت الدعم الى الجيش الابيض الذي حارب السلطة الجديدة بتزويده بالمال والمواد الغذائية. وفي اعوام 1918 – 1920 شاركت القوات الامريكية سوية مع قوات بريطانيا وفرنسا واليابان في التدخل العسكري في شرق وشمال روسيا.
كانت الولايات المتحدة في مطلع الثلاثينيات من القرن العشرين الدولة الكبرى الوحيدة التي لم تعترف بالاتحاد السوفيتي حيث كانت تطلب كشرط مسبق لذلك تسديد جميع الديون وتعويض ارباب الاعمال الامريكيين عن الاضرار التي لحقتهم بنتيجة مصادرة ممتلكاتهم بعد الثورة.ومع ذلك فأن الاهتمام المتبادل في تنسيق افعال البلدين بسبب توسع العدوان الياباني في الشرق الاقصى قد أدى الى اقامة العلاقات الدبلوماسية بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة في عام 1933.
لكن التعاون الاقتصادي السوفيتي – الامريكي بدأ تطوره منذ عام 1920 بالرغم من عدم وجود علاقات دبلوماسية بين البلدين.
وقام بوظائف المبعوث السوفيتي والممثل التجاري الفعلي في امريكا لودفيغ مارتينس الذي أسس ” شركة المساعدات الفنية الى روسيا السوفيتية “. وفي عام 1923 اصبحت الشركة الامريكية المتحدة “الاميريكو” الممثل التجاري الرئيسي للاتحاد السوفيتي في الولايات المتحدة الامريكية.
وقام رجل الاعمال الامريكي ارمان هامر بتوريد القمح الى الاتحاد السوفيتي مقابل الفرو والكافيار الاسود والنفائس الفنية والمجوهرات. وفي عام 1926 جرى بمبادرة منه بناء معمل لصنع الاقلام الرصاص في الاتحاد السوفيتي. وفي الفترة اللاحقة جرى في الاتحاد السوفيتي بمشاركته شخصيا بناء مصنع لأنتاج الامونيا (عام 1979) وكذلك مد خط انابيب نقل الامونيا” تولياتي- اوديسا”. وفي عام 1922 قام هامر بدور ممثل شركة ” فورد” في موسكو . علما ان الشركات التي كانت تتعاطى تسويق سيارات الشركة كانت موجودة في روسيا قبل الثورة. واشترت الحكومة السوفيتية كمية كبيرة من شاحنات وجرارات الشركة وتلقى الاختصاصيون السوفيت التدريب في مصنع هنري فورد. وشيد بمساعدة خبراء مصنع ” فورد” في ضواحي مدينة نيجني – نوفغورود اول مصنع للسيارات في الاتحاد السوفيتي وهو مصنع تجميع السيارات رقم 1 الذي تحول فيما بعد الى المصنع العملاق “غاز”.
وفي عام 1930 احتل الاتحاد السوفيتي المرتبة الاولى ومن ثم في عام 1931 المرتبة الاولى في استيراد السيارت والمعدات من الولايات المتحدة. لكن واشنطن فرضت القيود المجحفة على الصادرات الى الاتحاد السوفيتي بعد ان اتهمته بالتدخل في شئونها الداخلية. وجرى في الولايات المتحدة ايضا شن حملة ضد الحركة الشيوعية والاشتراكية وفرض الحظر على نشاط المنظمات اليسارية وابعد من البلاد الاشخاص الذين اعتبرتهم السلطات من ذوي الخطر عليها.
نضم الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة في اثناء الحرب العالمية الثانية الى الائتلاف المعادي لهتلر.
وفور الغزو الالماني للاتحاد السوفيتي في يونيو/حزيران عام 1941 اعلنت الولايات المتحدة وبريطانيا عن دعمهما للأتحاد السوفيتي واخذتا تقدمان المساعدات الاقتصادية اليه. واعد في الولايات المتحدة البرنامج الحكومي ” ليند – ليز” الذي قدمت الولايات المتحدة بموجبه المساعدات من ذخيرة ومعدات ومواد غذائية وخامات استراتيجية ومنها مشتقات النفط الى حليفاتها . وكانت قوافل السفن الامريكية والبريطانية تتعرض الى اخطار كبيرة لأن البوارج والغواصات الالمانية كانت تتابعها بنشاط في البحار والمحيطات. وارسلت من موانئ انجلترا واسكتلندا وايسلندا اجمالا الى ميناء مورمانسك وغيره من الموانئ الشمالية السوفيتية 42 قافلة (722 شحنة نقل) وايابا 36 قافلة. ووصلت الى هناك 682 سفينة بينما اغرق الالمان 85 سفينة.وعادت 31 سفينة الى ميناء المنشأ دون تحقيق هدفها. وبقيت طي الكتمان حتى وقت قريب الخطوط الاخرى لنقل المساعدات مثل تحليق اسراب الطائرات من الاسكا الى تشوكوتكا ومنها الى كراسنويارسك والقوافل البحرية في المحيط الهادئ والبرية عبر ايران التي احتلت في اعوام الحرب كليا او جزئيا من قبل القوات البريطانية والسوفيتية. وحصل الاتحاد السوفيتي عبر هذه المسارات على ما يربو على 70 بالمائة من حمولات برنامج ” ليند-ليز”.
وبلغت قيمة الحمولات عبر ” ليند-ليز” اجمالا حوالي 1ر50 مليار دولار ، قدم 3ر11 مليار دولار منها الى الاتحاد السوفيتي. وجرت مرارا اعادة جدولة حساب الديون عن المساعدات الامريكية اليه ، وبعد تفكك الاتحاد السوفيتي تم تحويلها الى روسيا وقدرت في عام 2003 بحوالي 100 مليون دولار.
في 11 يونيو عام 1942 وقعت بواشنطن الاتفاقية السوفيتية –الامريكية حول المبادئ المعتمدة لدى المساعدة المتبادلة في اثناء الحرب ضد العدوان. وقد أصر الاتحاد السوفيتي على افتتاح “الجبهة الثانية” اي دخول القوات الانجلو-امريكية في الحرب ضد المانيا في اوروبا الغربية ، وتم الاتفاق في اثناء المفاوضات بين الاتحاد السوفيتي وبريطانيا والولايات المتحدة على ان يتم افتتاحها في اوروبا في عام 1942. اما في الواقع فان حلفاء الاتحاد السوفيتي قاموا بتأجيل العمليات القتالية في اوروبا الى اقصى أجل ممكن في البداية في عام 1943 ومن ثم في عام 1944 . وتم الاتفاق النهائي على افتتاح الجبهة الثانية في مايو /أيار عام 1944 في مؤتمر طهران الذي عقد في عام 1943 وشارك فيه زعماء الاتحاد السوفيتي وبريطانيا والولايات المتحدة. حقا ان الجبهة الثانية افتتحت فقط في 6 يونيو/حزيران عام 1944 حين جرى انزال القوات الانجلو-بريطانية في نورماندي بشمال فرنسا والقوات الامريكية في جنوب فرنسا في 15 أغسطس/آب.
واستمرت الاتصالات على ارفع مستوى بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة في مؤتمر يالطا( 4 – 11 فبراير/شباط عام 1945) ومؤتمر بوتسدام (17 يوليو/تموز – 2 أغسطس/آب عام 1945)، حيث ثبتت أسس النظام العالمي بعد الحرب.!!