سحر الفكرة وأثره في المبدع والمتلقي
قراءة تحليلية
بقلم / محمد البنا
لنص * نور *
للأديبة السورية / روزيت حداد
////////////////////
نور
أينما مشيت وفي أي وقت واتجاه يسبقني ظلّي.
لم أجد تفسيراً لهذه المشكلة التي تحدّت الفيزياء.
التفتُّ خلفي؛ عينا أمّي وشفتاها تدعوان لي.
روزيت عفيف حدّاد
Rosette Haddad
%%%%%%%%%%%
القراءة :
_______
بادئ ذي بدء لا أتعجب من إصرار أي مبدع على تشبثه بسلامة نصه ودفاعه المستميت عنه، ببساطة لأنني كمبدع أحدهم هؤلاء المتشبثين، أما وأن يبصرني أحد النقاد أو القراء بخطأ في متن نصي، ويستدل عليه من كلمات نصي، فأصر على تشبثي؛ فذلك ليس من سماتي، وهذا النص أنموذج حي لما سبق وقلته آنفا.
الخداع هنا وهمٌ وقع فيه المبدع وللأسف بعض القراء والنقاد أيضًا، لذا سأتناول النص منتهجًا المدرسة التحليلية حصريًا…
العنوان ” نور ” والنور هداية أو اضاءة لها مصدرها سواء كان المصدر مصباح أو شمس أو قمر، وهذه المصادر الباعثة للضوء ” النور ” ينتج ضوؤها ظلًا إذا ما اعترضه حائل، وهذا الظل هو مركز القصة الذي ابتنيت عليه فكرة النص، أما النور كهداية فظله اعمال خير وصراط مستقيم، وهذا الأخير – النور كهداية- مستبعد طبقًا لما يلحقه – كعنوان- من كلمات وجمل المتن.
والآن نتناول المتن جملة جملة بالتحليل…
الجملة الأولى:
(أينما مشيت وفي أي وقت واتجاه يسبقني ظلّي)… والمعنى الأوحد الذي لا ثانيّ له هو ” أن ظل السارد دائمًا يسبقه أيًّا كان مصدر الضوء وأيًّا كان موضعه ( الاتجاهات الستة ..فوق / تحت / يمين / يسار / أمام / خلف) نسبةً لمكان السارد.
الجملة الثانية :
(لم أجد تفسيراً لهذه المشكلة التي تحدّت الفيزياء.)…وبالفعل هذه قطعًا مشكلة فيزيائية لا تفسير علمي لها، لأن الظل الناتج من اعتراض حائلٍ ما لمصدر الضوء ” النور ” دائمًا ما يكون في الجهة الأخرى له، بمعنى إن أتى الضوء من الأمام كان الظل خلف الحائل، وإن أتى من الخلف كان الظل أمام الحائل، أي سابقٌ له.
الجملة الثالثة :
( التفتُ خلفي؛ عينا أمّي وشفتاها تدعوان لي.)
وهنا تقع الكارثة المتمثلة في ( التفت خلفي)، إذ أنها حددت مصدر الضوء تحديدًا قاطعًا باتًا لا شبهة فيه؛ أن الضوء آتٍ من الخلف، وهذا ما أكده ما تلاها (عينا أمّي وشفتاها تدعوان لي)…المعنى أن مصدر الضوء هو الأم” عينان وشفتان” والضوء/ النور هو ” الدعاء”، وهذا يناقض كليًا وجود مشكلة فيزيائية لأن الدعاء مجازًا يحوط ويحمي وينير طريق المدعو له إينما ذهب وإينما اتجه، لذا وجب حذف الجملة الثانية، أما إن أبقينا عليها فلا مفر من حذف ( التفت خلفي) لانها كما ذكرت سابقًا توجب قانونًا وعقلًا ومنطقًا أن يكون الظل سابق أي أمام الحائل لأن المصدر خلفه تأكيدًا مدوّنًا( التفت خلفي)، وبحذفها تتجلى دهشة النص حقيقة لا مرية فيها؛ أن دعاء الأم لابنها يحوطه ويحميه من كل شر أينما ذهب وإينما اتجه، ويقوده للصراط المستقيم، وهذا حرفيًا ما تفضلت القاصة المبدعة في ردها كتابةً تعقيباً على تعليقي، إذ قالت:
( Mohamed Elbanna أستاذ
شكرًا لحضورك وتعقيبك الهام جدّا، هو منطقي بكلّ تأكيد ولا يتحدّى الفيزياء في حال جاء النّور “الطبيعي ” من الخلف، أمّا هنا فقد سبق وجاء في العبارة الأولى : “أينما مشيت وفي أي وقت وأي اتجاه يسبقني ظلّي”
عندما يخرج الابن من البيت تودّعه أمه بالدعوات الطيبة فيسبقه ظله حتى لو كان يمشي باتجاه شمس الشروق مثلا..
لو حذفت التفتت خلفي أشعر أن القصة ناقصة ومبتورة
ربما كنت على خطأ، يمكن أن أستفيد من آراء الأصدقاء.).
أما إبقاء المتن على ما هو عليه فلا منطقية له ولا قيمة أدبية حيث اتكأ على خدعة وتعرض لحشو، لا يمكن تجاوزه والتغافل عنه في قصة قصيرة جدًا .
محمد البنا / القاهرة في ١٥ أغسطس ٢٠٢٤