قراءة نقدية مزدوجة:
“الرباعية بين لوعة الفراق وجميل الصبر”
فقرة جمع بصيغة المفرد(مبدع / مشاكس / ناقدة)
المبدع : حمد حاجي (تونس)
القصيدة:”هات قميص يوسف ”
المشاكس:عمر دغرير(تونس)
القصيدة :”لست بحاجة للقميص”
الناقدة جليلة المازني (تونس)
القراءة النقدية المزدوجة:” الرباعية بين لوعة الفراق وجميل الصبر”
ان الابداع والمشاكسة متكاملان فلئن اشتكى المبدع لوعة البعد ووجع الفراق
فان المشاكس كان السكينة والطمانينة له حين دعاه الى التحلي بالصبر.
1- المبدع حمد حاجي ولوعة فراق ابنه الى ديار الغربة:
أسند المبدع لقصيدته عنوان “هات قميص يوسف”
وقميص يوسف كما ورد في النص القرآني هو القميص الذي أعاد للنبي يعقوب بصره بعد فقده لنعمة البصرأثناء غياب يوسف(سورة يوسف الاية 93)”اذهبوا بقميصي هذا فالقوه على وجه أبي يات بصيرا”
وفي هذا الاطار هل مبدعنا في حاجة الى قميص يوسف ليستعيد هو أيضا بصره؟ ستخبرنا الرباعية عن سرّ طلب المبدع قميص يوسف.
استهل المبدع الرباعية بمفارقة مشحونة بالمدح والذم يقول في البيت الاول:
ولم يُبْق يوسفُ
من حسن يوسفَ لي
بالحشا والصبا ما أقول..
استخدم المبدع أسلوبا بديعيا قائما على التورية:
فيوسف يوسفان:
– يوسف النبي والمبدع لا يقصده.
– يوسف ابنه والمبدع يقصده.
والمعنى معنيان:
– معنى الذمٌ لنفسه لان ابنه يوسف استحوذ على حسن يوسف النبي ولم يبق له منه شيئا وهذا المعنى لا يقصده المبدع.
– معنى المدح لابنه يوسف الذي استحوذ على حسن يوسف ولم يُبْق له منه شيئا وهذا المدح يقصده المبدع.
وبالتالي فالمبدع يمدح ابنه على حساب نفسه.
وهو في ذلك يجعل المقولة السائدة “هذا الشبل من ذاك الأسد” محل نظر ومراجعة لينتصر الى القولة المنسوبة للامام علي بن أبي طالب :
“ان الفتى من يقول ها أنا ذا// ليس الفتى من يقول كان أبي
فنعم الأب الذي يُؤثرُ ابنه على نفسه ونعم الابن الذي يَنْحتُ ملامح شخصيته الايجابية بنفسه.
وبالتالي فهذا البيت الأول من الرباعية مشحون بمفارقة ذمٌ بما يُفيد المدح.
ان مدح المبدع لابنه على حساب نفسه يشي بمدى حبه الكبير والاستثنائي لابنه
ولعل المبدع هنا يتناصّ مع الشاعر بشارة الخوري وما قاله في حب ابنه:
يا قطعة من كبدي فداك يومي وغدي
وداد يا أنشودتي البكر ويا شعري الندي.
كأني بالمبدع حمد حاجي وهو يستهل الرباعية بهذا المدح الاستثنائي يُؤسّسُ لنمط
من القصيدة في لوعة الفراق والبعد والغربة والتي يسْتهلها بالمدح.
وهذا المدح الذي جعله في الاستهلال كأنه يبرّر به معاناة الفراق لكل منهما الى ديار الغربة فيقول:
دموعي وعيناه
حين افترقنا
كما غصنة برذاذ الغمام تميل..
انها دموع الفراق والافتراق فشبه دموعه وعيني ابنه بغصنة برذاذ الغمام تميل ووجه الشبه في الاضطراب والضبابية في الرؤية بسبب البكاء.
وكأن هذا الابن يوسف يختبر أباه في صبره حين يفارقه ولكن الاب لا يطيق صبرا على فراقه وماتلك الدموع الا تعبير عن عدم صبره.
يقول المبدع :
يريد يفارقني
كي يرى في فراقه صبري
وما كل صبر جميل..
كاني بالابن يوسف يدعو أباه للصبر للاطمئنان عليه ولطمانته بان صبره مؤقت. بيْد ان هذا الاب الذي تركه ابنه وحيدا وسافر يستثني من الصبر الجميل صبره غير الجميل وكأني به يتناص مع ابن القيم في كتابه “مدارج السالكين” حين قال: “الصبر كالصّبر(بكسرالصاد) مُرّ في مذاقته”
والصبر الجميل في القرآن” هو الصبر الذي لا شكوى فيه ولا معه” (ابن تيمية)
يقول الشاعر ابراهيم اليازجي:
كم بين صَبْر غدا للذل مُجتلبا// وبين صبر غدا للعز يجتلبُ
ويقول ابن خفاجة :
فيا لشجا قلب من الصبر فارغ // ويا لقذا طرف من الدمع ملآن
ويقول البحتري:عوّل على الصبر واتخذ سببا// الى الليالي فانها دول
وكل هذ الاشعار التي تمجّد الصبر تدعم دعوة الابن يوسف أباه الى صبر جميل.
انها حكمة يوسف النبي الذي صبر على مكر اخوته ومكر امرأة عزيز مصر ومكر المساجين .
والمبدع كان على صواب حين اعتبر ابنه يوسف قد حاز كل حسن يوسف ولم يبق له شيئا والابن استطاع بحكمة يوسف النبي ما لم يستطعه أبوه وهو الصبر على فراقه.
واكثر من ذلك فالمبدع يضرب مثلا في عدم صبره والدموع التي قطعت مهجته وروحه بنسوة يوسف اللائي قطعن أيديهن حين رأين جمال يوسف ولعل العبرة من ضرب هذا المثل تكمن في عدم الصبر على ما لا يمكن الصبر عليه.
يقول المبدع: وان كان نسوة يوسف قطعن ايديهن
انا مهجتي
قطعتها الدموع النزول.
والمهجة هي الروح التي بها الحياة للجسد .
وتقطيع المهجة هو موت بطيء بما فيه من عذاب وألم.
=== يتبع ===
=== يتبع ===
وفي هذه الشدة التي يعيشها المبدع من موت بطيء بسبب فراق ابنه نراه يسْتنجدُ بقميص يوسف الذي أعاد البصر للنبي يعقوب حين ابيضت عيناه لفراق ابنه يوسف النبي.
لئن كان قميص يوسف قد ردّ ليعقوب جزءا من جسده وهو البصر فان المبدع يطلب قميص يوسف ليعيد له روحه التي افتقدها بفراق ابنه وبالتالي أن يعيد له الحياة التي سُلبتْ منه بسبب هذا الفراق الذي لم يطق له صبرا.
ان المبدع لا يخفي عنا مرجعيته الدينية فهو يتبرّك بقميص يوسف النبي لعله يُعيدُ له الحياة ويتحلّى بجميل الصبر.
في هذا الاطار من معاناة المبدع لفراق ابنه يوسف بديار الغربة
ماذا سيكون رأي المشاكس عمر دغرير؟
2- المشاكس عمر دغرير وجميل الصبر:
في هذا الاطار توزّع رأي المشاكس الى مدح ودعوةالى الصبر:
أ- مدح المشاكس ليوسف:
لئن طلب المبدع قميص يوسف ليعيد له مهجته وحياته االمسلوبة بسبب البكاء على فراق ابنه فان المشاكس يسند عنوانا لمشاكسته “لست في حاجة للقميص”
وكأني بالمشاكس يريد طمأنة المبدع وانه ليس في حاجة الى قميص يوسف لاستعادة الحياة لان ابنه بكل ثيابه ساكن قلبه وبالتالي فلا داعي لهذ ه الدموع مع ابن أصيل.
والابن الاصيل هو ابن بارّ بوالده برّ النبي يوسف بوالده يعقوب .
وكأني بالمشاكس قد لخّص بصفة الأصيل ما مدح به المبدع ابنه يوسف الذي حاز حسن يوسف واستحوذ عليه وأكثر من ذلك آثره على نفسه.
يقول المشاكس:
أظنك لست في حاجة للقميص
فيوسف في القلب بكل ثيابه
وهو حبيبك الولد الأصيل..
وبالتالي فان المشاكس يتعاطف مع المبدع ويستهل رباعيته بمدح يوسف تماما كما استهل المبدع بمدح ابنه يوسف.
مدح المشاكس يوسف بكونه ساكنا بقلب أبيه وولدا أصيلا. وهذا المدح سينزل بردا وسلاما على قلب المبدع لطمأنته.
ب- الدعوة للصبر:
أما عن عدم صبرالمبدع على فراق ابنه فالمشاكس عمد الى بعث الصبر في قلب المبدع
بان جعل غياب ابنه مرحلة مؤقتة وستمرّ فخاطبه بلغة الطموح وطلب العلم ولكي يخفف عنه عمّم تجربة غربة ابنه يوسف على كل طالب علم يريد تحقيق طموحه ببلاد الغربة فيقول:
لبعض الوقت كان قد غاب عنك
فطالب العلم في الغربة
طموحه المستحيل.
وهنا يثير المشاكس قضية طموح شباب اليوم الذين يرون طموحهم لن يتحقق الا في بلاد الغربة دون اكتراث بما تسببه الغربة من حنين وشوق ووجع يعيشه الابن والوالد فالوطن أصبح غير قادر على تلبية طموحات مواطنيه .
وهل أكثر من ان المشاكس لكي ينسي المبدع” الدموع النزول التي قطعت مهجته” فهو يحرّك فيه نخوة النجاح والشعور بالفخر بابنه يوسف الذي هو اسم على مسمّى بما سيحققه من نجاح مقابل التضحية بالصبر الجميل على فراقه.
“وتفخر بالدكتور يوسف”
ويختم المشاكس بقفلة تعيدنا الى قول المبدع في البيت الاول بان يوسف قد حاز كل حسن يوسف ولم يبق له ما يقول عن نفسه.
والمشاكس جعل للمبدع ما يقول لكل الناس في البلد
فيقول: وتفخر بالدكتور يوسف
ويصير لديك
لكل الناس ما تقول
وكأني بالمشاكس يرى ان يوسف سيمْلأ البلدة وبغمر الناس بنجاحه والمشاكس يدعم بذلك مرة اخرى مدح المبدع لابنه يوسف.
وفي هذا الاطار لئن كانت قفلة المبدع بكاء ودموعا ووجعا وتشاؤما فان قفلة المشاكس مليئة بالمدح والفخر والتفاؤل .
ولعل هذا التفاؤل يجعل المبدع يتحلّى بالصبر الجميل ليكفكف دموعه فتزول أحزان لوعة الفراق ويستعيد مهجته المتقطعة وتعود له الحياة.
ولعل المشاكس هنا يتم البيت المذكور صدْرُه أعلاه لابن القيم ويقول:
الصبر كالصّبر مرّ في مذاقته // لكن عواقبه أحلى من العسل.
ولعل القارئ يدعم رأي المشاكس في هذه الجرعة من الصبر التي يقدمها للمبدع كدواء لوجعه بسبب فراق ابنه فيستحضر أبياتا للشاعر ناصيف اليازجي في الصبر الجميل حين يقول:
يا بائع الصبر لاتشفق على الشاري// فدرهم الصبر يسوى ألف دينار
لا شيء كالصبر يشفي جرح صاحبه// ولا حوى مثله حانوت عطّار
هذا الذي تـخمدُ الاحزانَ جُرعتُه// كبارد الماء يَطفي حدّة النار
ويحفظ القلب باق في سلامته// حتى يُبدّل اعْسارا بايسار
سلم القلمان ابداعا ومشاكسة دموعا وصبرا تشاؤما وتفاؤلا.
بتاريخ 02/09/2024
هات قميص يوسف”) ” رباعية المبدع حمد حاجي(
ولم يُبقِ يوسفُ
من حسنِ يوسفَ لي
بالحشا والصبا ما أقولُ..
“”””””””””””””””””””””””””
دموعي وعيناه
حين افترقنا
كما غُصْنةٌ برذاذ الغمام تميلُ..
“”””””””””””””””””””””””””””
يريد يفارقني
كي يرى في فراقه صبري
وما كل صبر جميلُ…
“”””””””””””””””””””””””””””””
وان كان نسوة يوسف قطّعن أيديهنّ
أنا مهجتي
قطعتها الدّموع النزولُ..
( أ. حمد حاجي)
“”””””””””””””””””””””””””””””””
)”لست في حاجة للقميص”رباعية المشاكس عمر دغرير(
أظنك لست في حاجة للقميص
فيوسف في القلب بكل ثيابه
وهو حبيبك الولد الأصيلُ …
“”””””””””””””””””””””””””
لبعض الوقت كان قد غاب عنكَ
فطالبُ العلم في الغربة
طموحه المستحيلُ
“””””””””””””””””””””””””
غدا سيعود ومعه النجاح
فتفرح بقدومه
وكلّ الأحزان من عينيك تزولُ
“””””””””””””””””””””””””
وتفخرُ بالدكتور يوسف ,
ويصير لديك ,
لكلّ الناس في البلد ماتقولُ …