قراءة نقدية مزدوجة :
“وللشعراء فيما يعشقون نساء”
فقرة جمع بصيغة المفرد(مبدع /مشاكس/ ناقدة)
المبدع:حمد حاجي(تونس)
القصيدة: “سيدة قلبي الرجراجة”
المشاكس عمر دغرير(تونس)
المشاكسة: “سعاد قد تسخر منك بلا حرج”
الناقدة جليلة المازني(تونس)
أ- المشترك بين الابداع والمشاكسة:
– عيوب الرجراجة.
ب- المختلف بين الابداع والمشاكسة:
1- المبدع حمد حاجي والحبيبة الرجراجة:
إن جمال المرأة مسألة نسبية تختلف من شعب لآخر ومن زمن لآخر ومن شخص لآخر.
وقد كانت البدانة من أهم مقاييس الجمال العربي حتى أنهم كانوا يستعيذون بالله من المرأة الزلاء أي خفيفة الشحم وقد قال فيها الشاعر:
أعوذ بالله من زلاء ضاوية// كأن ثوبيها عُلقَا على عود
ويقول طرفة بن العبد في البهكنة وهي المرأة السمينة:
وتقصير يوم الدجن والدجن معجب// ببهكنة تحت الخباء المعمّد
ويقول الأعشى:
غراء فرعاء مصقول عوارضها// تمشي الهوينا كما يمشي الوجى الوحل
وفي هذا الاطار فان شاعرنا حمد حاجي لا يَشذُّ عن هؤلاء الشعراء فيطالعنا اليوم بقصيدته التي جعل فيها الرجراجة سيدة قلبه(الرجراجة هي المرأة السمينة).
لقد انْبَنتْ القصيدة على موقفين :
وفق مقاربة ميتاشعْرية فان الشاعر حمد حاجي سيقوّض موقف الحاسدين له
ليبْنيَ موقفه الدفاعي عن سيدة قلبه الرجراجة:
– هدم موقف “الحاسدين” له على حبيبته الرجراجة.
– بناء موقف الشاعر للدفاع عن حبيبته الرجراجة.
1- موقف الحاسدين:
يرى الشاعر أن الحاسدين له يُظهرون عيوب حبيبته الرجراجة التي هي:
*الجانب الجمالي:
– انعدام الرشاقة :
تعرج فاخذة الفحج وهذا يتنافى ورشاقة سير الحبيبة فيقول:
يعيرني الحاسدون بسمنتها
فواقفة وتسير…
وتعرج فاخذة العرج.
* الجانب الصحي:
– تقطع أنفاسه حين تحضنه بثقلها الضاغط عليه وقد يكتم أنفاسه
– أو يموت برائحة السمج..والرائحة الكريهة تنفّر الحبيب من حبيبته.
يقول المبدع:
يقولون
تقطع أنفاسه حين تحضنه
أو يموت برائحة السمج.
* الجانب التوازني:
كأنه..
تحمل كيسا ثقيلا
وتسقط من شرفة البيت والسطح والدرج
ان هذه السمنة تفقدها التوازن فتجعلها مهدّدة بالسقوط وما يتبعه من عواقب وخيمة .
2- موقف المبدع الدفاعي عن حبيبته الرجراجة:
ازاء هذه العيوب لحبيبته الرجراجة فان الشاعر يقوّض موقف الحاسدين له ليبني موقفه الدفاعي عنها وعن نفسه:
انه سيردّ عليهم ايمانا منه بمذهبه في الحب مقدما حججا ذات مرجعيات مختلفة:
– المرجعية الدينية:
يعتبر المبدع حبيبته الرجراجة هي من خلق الله ولا تكبّر على خلق الله ويضرب
للحاسدين مثل النهر الذي” ينساب ماؤه باللجج” لاقناعهم برأيه فيقول:
فأول باب هي خلقة الله..
والنهر يصفو
وينساب ماؤه باللجج..
ولعله يشير بقوله “هي خلقة الله”الى آدم الذي خُلق من أديم الأرض الذي تختلف تضاريسه وتضاريس الرجراجة هي من التضاريس الكثيبة المعترف بهاجغرافيا.
– المرجعية العربية الجاهلية :
فذائقة الشاعر جاهلية تتغزل بالمرأة الناقة والمرأة البهكنة (طرفة بن العبد..):
يقول المبدع:
وثانية هي ليست قطارا سريعا
ويعجبني ناقة
كيف تسرع عدْلا على عوج.
وأكثر من ذلك فهو يستشهد بآية قرآنية نزلت في الكافرين .
فهل وصلت قناعة الشاعر بحبيبته الرجراجة الى درجة اعتبار الحاسدين له
كافرين ليدْعُوَ عليهم بالشرّ ليقول لهم” فموتوا بغيظكمو”(سورة آل عمران119). انهم كافرون بقناعته في حب الرجراجة.يقول المبدع:
فموتوا بغيظكمو
أنا أعشقها
. ما عليّ اذا ما تعشقت عرجاء من حرج..
– المرجعية الفكرية:
لاقناع حاسديه يخرج الشاعر بحكمة ليبيّن أفضلية العقل على الجسد فيردّ على الحاسدين بنفس بضاعتهم ليعيّرهم بعيب رأيهم وعيب عقولهم وعقليتهم فيقول:
انما العيب في الرأي أدهى
من العيب في العرج.
من خلال هذا الأسلوب الشيّق الذي اعتمده الشاعر هذا الاسلوب القائم على الهجوم والدفاع والقائم على ثنائية الهدم والبناء :
– هدم هجوم الحاسدين عليه بذكر عيوب الرجراجة.
– بناء دفاع الشاعر المستميت على حبيبته الرجراجة.
كأني بالشاعر قد جعل القصيدة في اطار محكمة.
ترى في هذه المحكمة بما سيحكم القاضي الذي هو القارئ الذي استمع الى الطرفين؟؟؟
– ان القارئ قد يعتبر أن الشاعر بذكر عيوب الرجراجة على لسان حاسديه
هو في قرارة نفسه مقتنع ببشاعة هذه العيوب ولكن ذاته الشاعرة هي التي كانت
فاعلة في القصيدة وهذا من ناحية نفسية.
ولعل اللوحة المصاحبة للقصيدة تدعم ذلك.
– ان القارئ قد يعتبر الشاعر قد تعمّد عدم ذكر محاسن ومفاتن الحبيبة الرجراجة لان عادة من يحبّ يقنع القارئ بجمال مفاتنها.
بيد ان الشاعرلم يجد فيها ما يغري حاسديه أو القارئ وهذا من ناحية جمالية وذوقية.
وعلى أي حال فللشعراء فيما يعشقون نساء
وفي هذا الاطارما يمكن أن يكون حكم القاضي المشاكس باعتباره قارئا؟
2- المشاكس عمر دغرير وسعدى:
يبدأ المشاكس قصيدته منذ العنوان(سعاد قد تسخر منك بلا حرج) بردّ على عنوان قصيدة المبدع مضمرا سخريتة من الرجراجة التي هي سيدة قلبه فيتذرّع بسعاد التي قد تسخر من ذوقه.
ثم يدعم رأيه بالاستغراب من فؤاده الذي يحبّ رجراجة بديلة عن سعدى ويغريه بأتفه الحجج فيقول:
غريب فؤادك
يُحب رجراجة ويترك سعدى
ويُغريك بأتفه الحجج..
هنا يقابل المشاكس بين الرجراجة وسعدى وهي مقابلة ليست مجانية .
لعل سعدى امرأة نحيفة برشاقتها وخفة حركاتها وبالتالي فهو يدعم ما قاله في العنوان بأن سعدى قد تسخر منه ومن ذوقه باستبدالها برجراجة.
وغيرة على سعدى وانتصارا لها فان المشاكس سيشرح صدر أيقونته سعدى ويعمد الى تعداد عيوب الرجراجة وكأني به ينحُو بقصيدته منحى الهجاء للرجراجة.
انه هجاء للرجراجة و كأن لسان حال المشاكس يقول للمبدع “مُتْ بغيظك”
وكأني به لا يتنقم لسعدى فحسب بل ينتقم لكل من قال لهم المبدع “موتوا بغيضكم” مما اعتبرهم حاسدين له.
قدّم المشاكس تماما كاللائمين له على اختيار هذه الرجراجة سيّدة لقلبه عدة عيوب
لها من جوانب مختلفة:
* الجانب الصحّي:
– ان الرجراجة تعتصر المبدع عند احتضانه.يقول المشاكس:
رجراجة اذا حضنتك
بذراعيها العريضين
واعتصرتك بصدرها الانبج
وتخالك مثل اسفنجة
يسيل ماؤها
فوق الرخام
في غرفة النوم وفي الدرج
* المبدع مع الرجراجة في وضع طلب النجدة من الله لانقاذه فيقول:
ولكن اذا انقلبت عليك
وصرت أنت فراشها
فقل ربّي أنقذني من هذا الحرج..
*اختلال التوازن معها :
لئن وصف الحاسدون الرجراجة بقصيدة المبدع باختلال توازنها من فرط السمنة فالمشاكس يجعل المبدع تصيبه العدوى في اختلال التوازن بسببها .فيقول:
رجراجة اذا مشت معك
في الطريق
تدحرجت قدماك وكدت تهوي من التدحرج..
* الاحراج :
ان اختلال توازن المبدع قد يجعل الرجراجة تحمله على كتفيها دون مبالاة بما تسببه له من إحراج أمام المارة بالطريق.
إن المشاكس قد عبّر بامتياز عن الاحراج الذي قد تسببه له أمام المارة باستخدام لوحة تشكيلية كاريكاتورية وهي تحمله على كتفيها بما هى عليه من بدانة وسمنة وما على المبدع من استسلام وارتياح على كتفيها العريضين ومطاوعة لها في حملها له…فيقول:
وتحملك على كتفيها
ثم تمشي غير مبالية
وقد وضعتك في موقف محرج..
إنه مشهد محرج وضعته فيه سيدة قلبه الرجراجة.
انه مشهد يُجسّد بامتياز هجاء المشاكس للرجراجة ومبدعها معا.
ان المشاكس عمد الى هجائهما معا بهذا المشهد الكاريكاتوري الساخر والمضحك والمذلّ ولعله يلتقي مع من سمّاهم المبدع بالحاسدين لأنهم كفروا بسيدة قلبه الرجراجة .
وبالتالي بين الحاسدين وبين المشاكس شبه إجماع على عيوب هذه الرجراجة التي نزّلها منزلة الهجاء اللاذع رفعًا لمعنويات سعدى التي انتهك المبدع كرامتها حين استبدلها برجراجة وسعْيًا من المشاكس لاقناع المحكمة الموقرة التي ستتواصل
لتحْضُرها المتضرّرة الأولى باستبدال المبدع لها برجراجة.
انها سعدى أيقونة المشاكس ومثله الأعْلى في الحب الصادق للمبدع.
وأكثرمن ذلك فان المشاكس لم يجعل سعدى الخصم للرجراجة فحسب بل جعلها الحكم.
انها الخصم والحكم الذي سيقضي بين إجماع الحاسدين والمشاكس على عيوب الرجراجة ودفاع المشاكس عنها.
يقول المشاكس:
وتأتي سعاد لتسخر منك
ومن جسد يتحرك موجانا
من كثرة الرجج..
ان سعدى حكمت بالسخرية منهما.
وهل أكثر من السخرية عقابا؟
سلم القلمان ابداعا ومشاكسة رجراجة وسعدى.
بتاريخ 19/09/2024
(المبدع حمد حاجي)”سيدة قلبي الرجراجة”
يُعيرني الحاسدون بسمنتها
فواقفةٌ وتسير…!
وتعرج فاخِذَة الفَحَجِ..
**********************************
يقولون:
تَقْطع أنفاسه حين تحضنه
أو يموت برائحة السّمَجِ..
***********************************
كأنه…
تحملُ كيسا ثقيلا
وتسقط من شرفة البيت والسطح والدَرَجِ…
**************************************
فأوّل بابٍ هي خلقة الله ..
والنهرُ يصفو
وينساب ماؤه باللجج…
************************************
وثانية هي ليست قطارا سريعا
ويعجبني ناقَةٌ
كيف تُسرعُ عدلا على عَوَج..
********************************
فموتوا بغيضِكُمو
أنا أعشقها..
ما عليّ إذا ما تعشقتُ عرجاء من حَرَج…
**********************************
وآخرُ قولي لكم:
“إنما العيب في الرأي أدهى
من العيب في العَرَجِ..”
( أ. حمد حاجي )
“”””””””””””””””””””””””””””””””
(المشاكس عمر دغرير)”سعاد قد تسخر منك بلا حرج”
غريبً فؤادكَ
يحبّ رجراجة ,ويتركُ سعدى,
ويغريكَ بأتفه الحُججِ …
“””””””””””””””””””””””””””
رجراجة إذا حضنتكَ
بذراعيها العريضين ,
واعتصرتكَ بصدرها الأثبجِ ,
“”””””””””””””””””””””””
وتخالكَ مثل اسفنجة
يسيل ماؤها فوق الرخام
في غرفة النوم وفي الدرجِ
“””””””””””””””””””””””””””
رجراجة كلما افترشت الأرض
وجدت لجسمك فرشا من حرير
تنسيك وطأة الجرجِ …
“””””””””””””””””””””””””””
ولكن إذا انقلبتْ عليكَ,
وصرتَ أنتَ فراشَها ,
فقلْ ربي أنقذني منْ هذا الحرجِ …
“””””””””””””””””””””””””””
رجراجة إذا مشتْ معكَ
في الطريق
تدحرجتْ قدماك ,وكدت تهوي من التدحرجِ …
“””””””””””””””””””””””””””””””
وتحملكَ على كتفيها ,
ثمّ تمشي غير مبالية ,
وقد وضعتكَ في موقفٍ مُحرجِ …
“””””””””””””””””””””””””””””””
وتأتي سعاد لتسخر منكَ,
ومنْ جسد يتحركُ موجانا ,
منْ كثرة الرججِ …