قراءة نقدية مزدوجة:
“القصيدة بين كابوس الحلم وكابوس الحرقة”
فقرة جمع بصيغة المفرد (مبدع /مشاكس/ ناقدة)
المبدع:حمد حاجي(تونس)
القصيدة:” يقولون بالمارستان.. مريضة”
المشاكس :عمر دغرير(تونس)
القصيدة :” يقولون ركب البحر في حرقة”
الناقدة :جليلة المازني(تونس)
أ- المشترك بين الابداع والمشاكسة:
– التناص المعجمي.
– الكابوس
ب- المختلف بين الابداع والمشاكسة:
1- المبدع حمد حاجي وكابوس الحلم:
تندرج قصيدة المبدع حمد حاجي ضمن أدب الحلم حين قال في آخر القصيدة:
“أفقت من الحلم..”
يبدو أن هذا الحلم كان كابوسا مزعجا انطلاقا من العنوان الذي اختاره المبدع
“يقولون بالمارستان..مريضة” وهو عنوان يتناص مع قول قيس بن الملوح:
“يقولون ليلى بالعراق مريضة ”
ان المبدع اتخذ عنوانه ليبْنيَ عليه قصيدته انطلاقا من ذاك الكابوس الذي أزعجه
فتخيل ان حبيبته بالمارستان مريضة والمارستان هو مستشفى الأمراض العقلية ولعل المبدع يشي لنا بأنها فقدت عقلها بسبب طول بُعْده عنها. يقول المبدع:
وطال بي العهد…
وقالوا: طبيب على بابها..
قد تموت ..وترحل..قيل وقالوا
وأعرفها في جفاف الجنائن تذبل صدقا
ان المبدع تعلل بالقيل والقال عن مرضها ليزورها وهو في ذلك لا يخفي عنا شوقه اليها.
هذا الشوق جعله يسرع اليها وهو يعيش شعورين:
– شعور بالحزن لمرضها(عزمت اليها..ثقيلا بحزني)
– شعور بالفرح للقائها (خفيفا بجنحي فراش كلجة ماء..)
هذه المقابلة في شعور الحزن والفرح عبّر عنها المبدع باستخدام طباق لفظي(ثقيلا/خفيفا) وهو في ذلك يخفي حالة نفسية متأزمة.
وأكثر من ذلك فقد راوده شعوران آخران:
– شعور بالخوف عليها(وأخفيت نفسي بقبضة خوفي/وسرْت الى بيتها عند آخر زنقة)
– شعور بالاضطراب لما يُمْكن أن يجد عليه حالتها(وكان فؤادي يدقّ كبارودة
ألف طلقة ..)
إزاء هذه المشاعر المتعددة التي تشي بحالته النفسية المتأزمة ودّ أن يراها بذبلة العين وإطراقة الوجه أنّى التفت وهو في ذلك يتغزل بحيائها الممدوح عند الشعراء العرب بل هي تملا كيانه في كل مكان(شرقا وغرب).
بيْد أن المبدع يفيق من كابوسه ليجعل القارئ يواكب حالته النفسية في الواقع الذي يعيش فيه لوعة فراق الحبيبة ليصدق القيل والقال ليهرع اليها متعللا بمرضها.
وهل أكثر من أنه استخدم صورة شعرية تجسد أمنيته فتمنّى أن تكون هي الباب وهوالحلقة والباب والحلقة متلازمان.
وما الحلقة الا لطرق الباب وبذلك هويتمنى أن يطرق بابها ليكون مفتوحا أمامه ويعيش متعة اللقاء معها بعيدا عن هذا الفراق الذي يقضّ مضجعه ليعيش هكذا كابوسا.
ولعل حرف التمني (ليت) الذي يفيد طلب المستحيل يدعم شيئا من التشاؤم باللقاء معها.
و كأني بالمبدع يعيش هذا الكابوس ولسان حاله يقول:”لا أستطيع نسيانك,ليس لاني أملك ذاكرة قوية بل لأني أملك قلبا لا يُنكر من اسْتوطنَهُ يوما”(قولة شهيرة).
في هذ الاطار من حالته النفسية التي جعلته يعيش هكذا كابوسا بالحلم هل سيرقّ لحاله المشاكس ويُخفّف عنه أم هو كعادته “سوط عذاب” عليه؟؟؟
=== يتبع ===
=== يتبع ===
2- المشاكس عمر دغرير وكابوس الحرقة:
إختار المشاكس لمشاكسته عنوانا مطابقا في تركيبه اللغوي لعنوان المبدع
“يقولون: ركب البحر في حرقة”
لئن كان كابوس المبدع في الحلم مرض الحبيبة فان المشاكس جعل كابوس المبدع الحرقة فيقول:
تقول : أفقت من الحلم وتخفي كابوسا
كنت فيه مع الحارقين في البحر غرقى..
ويعود المشاكس ليذكّر المبدع بذكرى جمعت بين شعورين:
– شعور الفرح بتقدمه لخطبة سعدى فيقول:
أتذكر يوم تقدمت لخطبة سعدى
ومعك بعض الصحاب
قسمتهم فرقا فرقا..
فواحدة بالهدايا تحملها
وأخرى بالدفّ والطبل والمزمار
تمثل الكورال والجوقة..
وثالثة ترافقك في الطريق
وتحمل شموعا وضاءة
وتنشر على المارين الزهر والعبق..
– شعور بالاحباط لان الأهل رفضوه لأنهم ليسوا على علم بما فعل مصحوبا بثلة من النساء اللائي يزعمن مشاركته فرحة خطبته حتى أن سعاد لم تحرّكْ ساكنا
واكتفت بمتابعة الحدث من نافذة غرفتها وهو ذليل مطرود لحماقته التي نعته بها صبية الحي . فيقول المشاكس:
وحين وصلتَ الى حيّها
تفاجأ الأهل بهذا الحضور الغريب
وقامت الفوضى وعمّ الصراخ في الزنقة..
وطلّت سعاد من شباك غرفتها
لتراك تجري ومن معك
وخلفك صبية الحي وقد نعتوكم بالحمقى..
بقدر ما كان المشاكس واقعيا في نقل موكب الخطوبة بطعم تونسي بقدر ما شعر بالاحباط من خطبة لا تحترم الأصول لتعلم أهل الخطيبة سعدى بمشروع الخطوبة ولعل حتى سعدى لا تعلم بذلك لانها لم تحرّك ساكنا ازاء ما فعل أهلها.
ولعل المشاكس يُسرّ الوجع حين نعته صبية الحيّ ومن معه بالحمقى.
ان المشاكس يدرك تماما “ان لكل داء دواء يستطبّ به//الا الحماقة داء لا دواء له
ولعل هذه الحماقة جعلت المبدع يخرج من كابوس ليدخل في كابوس آخر أدهى وأمرّ.
انه يخرج من كابوس خطبة فاشلة بسبب حماقته الى كابوس الحرقة وما يتبعها
من امكانية مصير محتوم بالغرق وقد عبر عنه المشاكس في مطلع مشاكسته ( وتخفي كابوسا// كنت فيه مع الحارقين في البحرغرقى).
ويقول المشاكس في حماقة تفكير المبدع:
ومن يومها وأنت تفكر في الرحيل
والحرقة الى بلد الطليان
حنينا لامرأة شقراء وشوقا…
من خلال الفجوة النصية التي تعمّد المشاكس تركها للقارئ:
– قد يعتبر القارئ أن المشاكس كان طريفا في جعل المبدع سيحرق من أجل شوقه للحصول على امرأة شقراء بايطاليا.
في حين ان هدف الحرقة اقتصادي وهو البحث عن عمل وليس البحث عن امرأة
شقراء قد يلتقي بها حتى في عقر داره(بلده).
– قد يرى القارئ أن المشاكس كان واقعيا ومنسجما مع تفكيره الذي خرج بملمح سلبي للمبدع على لسان صبية الحي. انه ملمح الحماقة.
ان ملمح الحماقة التي لادواء لها جعلته يرتمي في حماقة أخرى وهي الحرقة والحرقة التي قد يلاقي فيها حتفه ويكون مثله “كالمستجير بالرمضاء من النار”.
وخلاصة القول فان كُلا من المبدع والمشاكس قد سلط الضوء على كابوس معين
فلئن كان كابوس المبدع في اطار الحلم ذاتيا وعاطفيا بسبب البعد عن حبيبته.
فان المشاكس قد جعل المبدع يعيش كابوسا عاطفيا مزدوجا بين خطبة فاشلة وحرقة من أجل امرأة شقراء.
سلم القلمان مبدعا ومشاكسا كابوس حلم أو كابوس حرقة.
بتاريخ 21/09/20224
(المبدع حمد حاجي)”يقولون بالماريستان…. مريضة”
وطال بي العهدُ ..
أذكرُ ..
أوّل ما مَطَرَ اليوم بالصيف.. رعدا وبرقا..
************************************
وقالوا: طبيب على بابها..
قد تموت… وترحل.. قيل وقالوا
وأعرفها في جفاف الجنائن تذبل صدقا
*******************************
عزمتُ إليها.. ثقيلا بحزني
خفيفا بجَنحَيْ فراش كلجّة ماء..
وكان الطريق كما عين بقّه
***********************************
وأخفيت نفسي بقبضة خوفي
وسرتُ إلى بيتها
عند أخر زنقه..
******************************
لجأتُ لناحيةٍ بالسقيفة.. تحت المطر..
وكان فؤادي
يدق كبارودة ألف طلقه…
******************************
وددتُ أرى ذبْلَةَ العين
إطراقة الوجه
أنّى تلفتتُ غربا وشرقا
********************************
أفقتُ من الحلم… جاءت يُداعبها حَنَكُ الدّار..
يا ليتها كانت الباب… !
يا ليتَني كنتُ حلقه..!
(ا.حمد حاجي)
“”””””””””””””””””””””””””””””””””
( المشاكس عمر دغرير)”يقولون: ركب البحر في حرْقة ”
تقولُ : أفقتُ منَ الحلم,
وتُخفي كابوسًا ,
كنتَ فيه مع الحارقين في البحر غرْقى …
“””””””””””””””””””””””””
أتذكرُ يوم تقدمتَ لخطبة سعدى,
ومعكَ بعض الصحاب,
قسّمتهمْ فِرقا فِرقا …
“”””””””””””””””””””””””””
فواحدة بالهدايا تحملها ,
وأخرى بالدفّ و الطبل و المزمار ,
تمثلُ الكورال و الجوقة …
“”””””””””””””””””””””””””””
وثالثة ترافقكَ في الطريق ,
وتحملُ شموعًا وضاءة,
وتنثرُ على المارين الزهرَ و العبقَ …
“””””””””””””””””””””””””””
وحين وصلتَ إلى حيّها,
تفاجأ الأهلُ بهذا الحضور الغريب ,
وقامتْ الفوضى, وعمّ الصراخ في الزنقةْ …
“”””””””””””””””””””””””””””””
وطلتْ سعادُ منْ شباك غرفتها ,
لتراكَ تجري ومنْ معكَ ,
وخلفكَ صبية الحي ,وقد نعتوكمْ بالحمقى …
“”””””””””””””””””””””””
ومنْ يومها وأنتَ تفكر في الرحيل,
والحرقة إلى بلد الطليان,
حنينا لإمرأة شقراء وشوقا …