القصيدة بين الكر والفر والمد والجزر في الحب

قراءة نقدية مزدوجة:
“القصيدة بين الكرّ والفرّ والمدّ والجزر في الحبّ”
فقرة جمع بصيغة المفرد(مبدع/مشاكس/ناقدة)
المبدع: حمد حاجي (تونس)
القصيدة “عجبا.. تعانقني كما الحرب”
المشاكس عمر دغرير (تونس)
القصيدة “عجبا ..تحوّل العسل الى دفلى”
الناقدة جليلة المازني (تونس)
أ- المشترك بين الابداع والمشاكسة:
– التناص المعجمي
– استخدام الثنائية.
– انقلاب الأدوار بين الحبيبين.
ب- المختلف بين الابداع والمشاكسة:
1- المبدع حمد حاجي والكرّ والفرّ في الحبّ
اختار الشاعر عنوانا لقصيدته “عجبا ..تعانقني كما الحرب”وقد تضمن تشبيها لعناق الحبيبة والحرب والعناق هو دليل على الحب.
وبالتالي يُشبّه المبدع الحبّ بالحرب وهي مفارقة عجيبة أثارت عجب المبدع حين قال”عجبا..”
وفي هذا الاطار فيما يُشبهُ الحبُّ الحربَ؟
إن وجه الشبه بينهما أن” كل شيء مباح في الحب وفي الحرب “:
“عندما يتعلق الامر بالحب والحرب فلا شيء خارج عن الحدود لذا فان المثل القائل” كل شيء مباح في الحب والحرب ” يعبّر عن فكرة مفادها أنه في هاتين
الحالتين(الحب والحرب)لانلتزم بالقواعد القياسية للسلوك المعقول التي تنطبق
عادة على أيّ ظرف أو موقف آخر.”(1)
والمثل القائل” كل شيء مباح في الحب والحرب يعود الى رواية “جون ليلي”
“الحب تشريح الذكاء” والتي نشرت عام 1578 وينسب أيضا الى قصيدته “يوفيوس”(2) .
استهل المبدع قصيدته بوصف الحبيبة في بداية العلاقة مسالمة ومتودّدة وهادئة ببسمتها.
فيقول: توزع بسمتها كالسلام بضاحية
وتراوح هادئة.
مثل ألوية في الخرائب تختنق..
إن الحبيبة تُضْمرُ من هذه المسالمة والتودّد والهدوء احتلال قلب الحبيب.
والاحتلال هو استيلاء دولة ما على أراضي دولة أخرى أوجزء منها قهْرًا أو بالقوة.
والاحتلال هنا مجازي. …فهل أن الحبيبة اسْتوْلتْ على قلب الحبيب بالقوّة؟
يقول المبدع:
وتحْتلُّ بطحاء قلبي
بلا رحمة وتمزق أضلاعه
مثلما شق ثوب الدجى الشفق

ان المبدع استبشر بهذا الاحتلال الذي أخرجه من الظلام الى النور باستخدام مقابلة معنوية قائمة على طباق لفظي بين الدجى والشفق
وأكثر من ذلك فدمه مُستباح وهو هنا يُعيدنا الى المثل القائل “كل شيء مباح في الحب والحرب”
ولعل المبدع يدعم ذلك بتلك اللوحة المصاحبة للقصيدة للفنان التشكيلي السوري”سعد يكن” والتي طغى عليها اللون الأحمر وهو لون الدماء في الحرب وهو كذلك رمز الحبّ.
وقد عمد الحبيب في استباحة دمه الى ضرْب مثل المسك الذي يزداد طيبه حين يُنتشق والغاية من ضرب المثل أن يشرّع استباحة دمه من طرف الحبيبة وهو قوّة لإقناع القارئ.فيقول:
دمي مستباح
وتهرقه في القرى والمدائن..
فيما هو المسك يزداد في طيبه حين
يُنتشق …
يتدرّج المبدع في نحت ملامح هذه الحبيبة من متودّدة ومسالمة الى محتلة لقلبه الى مستبيحة لدمه الى فاتحة حضنها فيقول:
وتفتح مقبلة حضنها..
وتركض..
في وجنتي أدمعي..
والوجيعة تسرع حينا وتبطئ حينا
وتستبق..
إن الحبيبة تدخل في لعبة الكرّ والفرّ في الحب تماما كما في الحرب لتجعل العذاب يقوّي مشاعر الحب بدلا من تدميرها(3).
لقد استخدم المبدع أفعالا في صيغة المضارع المرفوع الدال على الدوام والاستمرارية (تحتلّ/تمزق/ تفتح/ تركض/ ترمي/ ترتاح/تقمر/ تبعث..)
وهي أفعال تشي بتعدد تحركات هذه الحبيبة بين كرّ وفرّ وهُدنة (ترتاح..) تماما كما في الحرب
وهذا الكرّ والفرّ قد أغضب الحبيب الذي ليس بيده الحل لان الحبيبة هي المحتلة لقلبه وهي التي استباحت دمه فشرّعت لنفسها هذا الاقبال والادبار على مشاعره
حتى “ان الوجيعة تسرع حينا وتبطئ حينا” وهذا نتيجة تلاعبها بمشاعره
فكانت الحبيبة الفاعلة والحبيب المفعول به الذي لا حول ولاقوة له .يقول المبدع: كأن بأنحاء ضلعي فوارس غضبى
وترمي بأعمدة فأحترق
إن المبدع ليدعم هذا الحب الذي شبهه بالحرب قد استخدم معجمية لغوية حربية
( تعانقني كما الحرب/ تحتلّ بطحاءقلبي/بلا رحمة/ تمزّق أضلاع/دمي مستباح/ تهرقه/رمية قنص/ اوجيعة تسرع وتبطئ/ فوارس غضبى/ أعمدة من لهيب فأحترق/ ترتاح (هدنة)/ تعجل في سيرها خببا/ أداعب حبّك بالسلم/لا حرب..)
أمام هذا الكرّ والفرّ والإقبال والإدبار في مشاعرها “يستيقظ” الحبيب ليذكّرها بحبه لها لعلها تتوقف عن هذا الاقبال والادبار في مشاعر الحب له.
بل و يَتمهّلهَا لترفق بروحه وحاله وضوئه فيقول:
أيا بنت قلبي رويدك
رفقا بروحي وحالي وضوئي..
أنا الشمس قد حاز أنوارها الأفق
وكأني بالحبيب يستجدي رفقها بروحه التي أتعبها الكرّ والفرّ في المشاعر وبحاله التي أرهقها إقبالها وإدبارها الذي قد يُخمد ضوءه.
إنه يشبه نفسه بالشمس التي تضيء الأفق(تشبيه بليغ) شعورا منه بقيمته وفاعليته التي داست عليها و طمعا في أن تعيد اليه مكانته ومنزلة الحب بينهما .
– وهل أكثر من أنه يُقرّ بأنهما حبيْبيْن والإقرار سيد الأدلة؟ فيقول: “حبيبان نحن”
– وهل أكثر من أنه يُقسم بأن يرْعى حبّها بسلام دون حرب ؟
ولعل الشاعر هنا يدعو الى السلم في الحب مستخدما اللام النافية للجنس(لا حربَ) لان الحب قد تدمّره الحرب أحيانا بل سيبقى يقظان حارسًا لهذا الحب. فيقول:
فوالله ربي..
سأبقى أداعب بالسلم حبك لا حربَ
ولهان ,يقظان ليس يمسّه سهد ولا أرق
– وهل أكثرمن أنه يقسم أنه يهْواها ويُحبُّها جدّ ما دامت الحياة باقية؟
=== يتبع ===القصيدة

=== يتبع ===
يقول المبدع :
أحبك جدا وأقسم أهواك..
ماناح طير وماست غصون
وغنّت على أوراقها الورق…
– هل أن الحبيب قبل هذه الحرب التي شنّتها عليه يحبها ويتشبث بها؟
– هل أن الحبيب هنا يريد أن يؤكد للحبيبة حبّه لها بالاقرار والاعتراف وبالقسم (والاقرار والقسم وسيلتان للاثبات في القانون )حتى تصدّقه وتكفّ عن كرّها وفرّها وليطمئنّ قلبها وبالمثل يطمئنّ قلبه ليعيشا في سلم بعيدا عن كل حرب.؟
– هل ان الحبيب اضطرّ الى الاعتراف بحبه لها والقسم لها بذلك لأنه من قبلُ لم يقل لها ما يكفي أنه يحبها؟
– هل أن هذا الاعتراف والقسم هو عهد أخذه المبدع على نفسه حتى لا يحبّ غيرها ويكون وفيّا لها ليهدأ بالها وباله؟
كلها أسئلة أتركها للقارئ ليمارس حقّه في التأويل.
وفي هذا الاطار ما رأي المشاكس عمر دغرير في هذا الكرّ والفرّ في الحبّ؟
2- المشاكس عمر دغرير والمدّ والجزر في الحبّ:
اختار المشاكس عمر دغرير عنوانا لمشاكسته “و يبدأ بنفس المفردة التي بدأ بها المبدع عنوانه “عجبا” وتعجّب المشاكس يختلف عن تعجّب المبدع:
لئن تعجّب المبدع من الشبه بين حب الحبيبة والحرب فان المشاكس تعجب من
تحويل العسل الى دفلى .
وهنا قد يعتبر القارئ التناغم بين عنوان المبدع وعنوان المشاكس فقد يعتبر ان العسل يرمز الى الحب والدفلى الى مرارة الحرب.
ولعلنا نقف على تأويل القارئ في غضون التحليل وقد لا نقف عليه.
لئن كان الحبيب في قصيدة المبدع هو المفعول به والحبيبة هي الفاعلة فان
قصيدة المشاكس تقلب الموازين لتجعل الحبيبة (سعاد) هي المفعول بها والحبيب هو الفاعل فيقول المشاكس:
سعاد تلطم وجهها
وتذرف دمعها
ولن تتوقف عن البكاء قبل ان يظهر الشفق
فكم خذلتها وطعنت فؤادها
بلا رحمة
وألقيت بها جثة في الظلام بعدما اختفى الغسق
وكم نهشت جسدها الطريّ
باسم الرجولة
وبعثرت عفتها حتى امتلأت بها الطرق
ان القارئ انطلاقا من هذه المقاطع النصية(البكاء/فكم خذلتها /وطعنت فؤادها بلا رحمة/ وكم نهشت جسدها الطريّ/ وبعثرت عفتها) قد يعتبر أن المشاكس وهو يُسرّ الوجع غيرة على سعاد قد نصّب نفسه مدافعا عنها بتعديد التهم التي ارتكبها
المبدع في حقها .
وفي هذا الاطار لئن كانت حبيبة المبدع جريئة ومتحدّية لتشنّ عليه حربا فان الحبيبة عند المشاكس قد جعلها بكّاءة شكّاءة مظلومة .
ولعل المشاكس هنا يثير قضية استسلام الحبيبة العربية لحبيبها والرضى بقدرها .
ثم يعْمد المشاكس الى تذكير المبدع بالبدايات مع سعاد لطلب يدها دون احترام الأصول وبأمر من أهلها استجاب لكل الأصول للظفر بحب سعاد زوجة له.
يقول المشاكس:
أتذكر يوم جئت تطلب ودّها
فقط معك بعض الصحاب
وفي غياب أهلك,أهلها ما وافقوا
وكان شرطهم الوحيد أن تصحب والديك
كما تقتضي العادات
وتلتقي العائلات وفي بعض المسائل يكونون قد اتفقوا
وبعد مدّ وجزر رضي الطرفان
وتمّ الزواج بنزل المدينة
وفي آخر الليل جميع الحاضرين هبوا وافترقوا
وبتّ ليلتك مع سعدى
في غرفة مهيأة لعروسين
شاء الله لهم من الشهد أن يغرقوا
كأني بالمشاكس هنا قد جعل المد والجزر والاخذ والرد بين أهل سعاد والمبدع نوعا من الحرب على المبدع من طرف أهل سعاد .
هذه الحرب التي انتصر فيها الحب وفاز فيها بحب حياته سعاد.
وهذا يشرّع لتعجّب المشاكس من تحويل المبدع عسل حبّ سعاد الى دفلى حرب شنّتها عنه حبيبته صاحبة الكرّ والفرّ في مشاعرها.
وفي هذا الاطار لعل المشاكس يثير مسألة في طبيعة الرجل العربي الذي يميل الى المرأة القوية والعنيدة والجريئة أكثر من المرأة المسالمة والمتسامحة والمنتظرة لقدرها كسعاد.
ويواصل المشاكس ليذكر المبدع بمدى صبر سعاد على الشدة التي عاشها المبدع بعد الزواج ومدى وقوف سعاد الى جانبه لمساعدته للخروج من أزمته ايمانا منها بأن الحب مدّ وجزروأخذ وعطاء.
لكن تغير مزاجه قد جعله يُسبّب لها جرحا في كرامتها .
انه لم يراع حبها ووفاءها واستبدله بحب من شنت عليه حربا.
يقول المشاكس:
ومرّ شهر العسل
وسعدى ترفل في الحلي والحلل
وهي سعيدة في بيت يفيض فيه العطر والعبق
وفجأة بانت ديونك على السطح
وانتابك الخوف والقلق
وتحوّلت حياتك بعد النعيم الى جحيم
وتغير مزاجك من حمل وديع
الى وحش مفترس لا يسعه الافق
سعاد بكت حظها
وحاولت أن تساعدك بما لديها من ذهب
غير أن ديونك كانت عميقة وأن جرحها أعمق…
وخلاصة القول وباستخدام كل من المبدع والمشاكس تقنية تسريد الشعر فقد عبر كل منهما عن الحبّ وفق ثنا ئية معينة:
لئن كان الحب لدى المبدع كرّا وفرّا واقبالا وإدبارا تماما كما الحرب من طرف الحبيبة التي أقرّبحبها وأقسم على الوفاء لها مابقيت الحياة.
فان الحب لدى المشاكس هو مدّ وجزر وأخذ وعطاء بين الحبيبين.
سلم القلمان إبداعا ومشاكسة كرّا وفرّا وإقبالا وإدبارا ومدّا وجزرا وأخذا وعطاء في الحب.
بتاريخ 10/10/2024
المراجع:
https://www.quora.comwhat-is-t..(1)
ما معنى كل شيء مباح في الحب والحرب؟
https://en.wikipedia.org>wiki>All..(2)
كل شيء مباح في الحب والحرب.
https://www.annahar.com>article(3)
لماذا يقوّي العذاب مشاعرالحب بدلا من تدميرها؟