كم أتمنى أن تختفي من المرآة
ا………..&……….ا
مِنْ جديدٍ أَرْتَطِمُ بِهذَا الأرَقِ
أَتَمَسَّكُ كَيْ لا أَهْوِيَ كَطَائِرٍ فاقِدِ الوَعْيِ
أو كطائرةٍ ورقيّةٍ تحطَّمَتْ أَجْنِحَتُها.
مِثْلَ أيِّ وقتٍ مُنْهَكٍ
أسْتَرِقُ السَّمْعَ لِوَشْوَشَةِ جَارِنَا المُتَصَابِي
في تِلْكَ الغُرْفَةِ الواقِفَةِ على سَطْحِ العمارةِ
وهْوَ يُمارِسُ حَقَّهُ في العِشْقِ الحرامِ.
مِنْ جَدِيدٍ أَحْتَضِنُ صَمْتِي
أُقَبِّلُ وَجْهِي في المِرآةِ
يُرَاوِدُنِي طَيْفُكَ
كُلَّما أطَلّتِ الشَّهْوَةُ مِنْ عيْنَيْكَ
وَأَطْلَقَتْ صَفَّاراتِ جُنُونِها
أُدْرِكُ جَيِّدًا حينها
انًّكَ لن تتوقّفَ في فاصِلٍ ولا نُقْطَةٍ
عُبُورُكَ يَسْحَبُني للغَرَقِ
إلى شَغَفِ الاحْتِرَاقِ.
كَأنَّناَ نَعْصِرُ عِنَبَا
نَرْتَشِفُ كُؤُوسَها بِبُطءٍ لذيذٍ
ونحنُ نُلَملِمُ ما وَقَعَ مِنّا مِنْ تَوّهَاتٍ…
أُدْرِكُ أنّي بِجانِبِ ضَيَاعِي
أتَمَعَّنُ في وجهي المتورّدِ
بينما تَنْهمِرُ القُبُلاتُ مِنَ المرآةِ.
وَجْهِي الَّذِي يُشْبِهُ هذا السُّكُونَ
وتلك العُزْلَةَ الّتي تَمُدُّ ألْسِنَتَها
كلّما اشْتاقَني جُنوني
وانكَمَشَتْ أُنُوثَتي
كصبيَّةٍ مُنْكَسَرَةٍ في وحدتِها…
كَشُرْفَةٍ وحيدةٍ دون حِيطَان.
سألتُني
وأنا أتسمّعُ إلى جارِنا النّحيلِ
وقد برَزَتْ عِظامُه ُمن تحتِ القَميصِ
(من أين يأتي بالفصاحةِ كُلِّها)؟
أُلامِسُ جَسَدِي الصّارخَ بالأُنوثةِ
أَلْمَحُ طَيْفكَ في هواجِسِي
عَبْرَ المرآةِ
يَتَحَوَّلُ فَجْأَةً إلى طائرةٍ ورقيّةٍ
عبثاً أُحَاوِلُ أنْ أُمْسِكَ الخَيْطَ الوحيدَ
الّذي يَشُدُّنِي إليكَ.
أنْزَلِقُ داخِلَ ارتِعاشاتي
الغرفةُ تَطِيرُ خَلْفَكَ
التفاصيلُ الصّغيرةُ تطيرُ أيضا…
الولاّعةُ الذّهَبيّةُ الّتي نسِيتَها
وربطةُ العُنُقِ المنقّطَةُ الّتي أحبُّها
الأشياء التي اقترفناها،
أعلنت كسرَ قوانينِ القبيلةِ
وطارتْ كَسرْبِ العصافيرِ.
لكنّك كنتَ بعيداً
بعيدا جدّا
تحاورُ حورياتِ السَّواقِي
وهُنَّ يُهَرْوِلْنَ تحت أَشْجارِ التُّوتِ.
دونك انا ألثُمُ الغيابَ الكَالحَ والسّرابَ.
مجرّدٌ هذا الهُراءُ المثقوبُ
من الرَّقصِ والنِّثارِ…
ولحظةُ اغرائي مسكونةٌ بقسوةِ الفقدِ
ووحشةِ الفراغِ.
ماذا أنا بعدك؟
كتلةُ أشواقٍ في غُرْفةٍ خاويةٍ؟
وِسادةٌ صارخةٌ بلذّةِ سياطِ البُعدِ
تُذرِفُ دُموعَها في المسافةِ الفاصلةِ؟
مواكبُ الفوضى التي أقمتَها بداخلي
تصدّ عنك صهيلَ الرِّياحِ…
قوافلُ توسّلاتي، تصرخ:
رجاء لا ترحل…
والآنَ،
الآنَ فقط، كم أشتهي غِيابَك…
لم أعُدْ أنتظرك على ضفافِ شَهْوَتي
لقد أغلقتُ ميناءَ الوصولِ إليَّ
وأطلقتُ زوابعَ أمواجي الجارحةِ…
الرِّيحُ عاتيةٌ هذا المساءَ
السَّاعةُ الكبيرةُ توقَّفت دقّاتُ نواقيسِها…
فساتيني الشّفّافةُ تمرّدَت
أخرجت أكمامَها من الخزانةِ
كأنّها تُلوّحُ لِهذياني.
هي، وأناَ، انتظرناك طويلا… طويلا…
انفرَطْنا كعِقْدٍ
وتَدَحْرجْنَا كحبّاتِ خِرَزٍ
كم أتمنّى ألا تأتِيَ هذه الليلةَ!!!
وكم أتمنّى أن يَختفيَ طيفُكَ منَ المِرْآةِ!!!
—-&—-
الشاعرة والكاتبة التونسية سليمى السرايري