في مثل هذا اليوم 16 اكتوبر1948م..
16 دولة أوروبية توقع على مشروع مارشال القاضي بتقديم مساعدة اقتصادية أمريكية كبيرة لإعادة إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية.
مشروع مارشال هو المشروع الاقتصادي لإعادة تعمير أوروبا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية الذي وضعه الجنرال جورج مارشال رئيس هيئة أركان الجيش الأميركي أثناء الحرب العالمية الثانية ووزير الخارجية الأميركي منذ يناير 1947 والذي اعلنه بنفسه في 5 يونيو من ذلك عام (1947) في خطاب امام جامعة هارفارد وكانت الهيئة التي اقامتها حكومات غرب أوروبا للإشراف على إنفاق 12.9925 مليار دولار أميركي قد سميت «منظمة التعاون والاقتصادي الأوربي» وقد ساهمت هذه الأموال في إعادة اعمار وتشغيل الاقتصاد والمصانع الاوربية.
فلقد ترتب على الحرب العالمية الثانية تدمير الاقتصاد الأوربي وانهياره وكساده إلى حدٍ كبير وعميق مما أدى إلى انتشار الفقر والبطالة بشكل واسع، مما خلق تربة خصبة لانتشار الشيوعية كما كان هذا واضحاً من الخطط السوفيتية آنذاك، فكان لابد من الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة اقوى اقتصاد آنذاك والتي لم تتضرر كثيراً جراء الحرب ان تتصرف بسرعة وان تهتم بمحور الاقتصاد كأهم عامل مؤثر، فكان مشروع مارشال بادرة أولية لإنعاش اقتصاديات غرب أوروبا .
التطوير والنشر
نفقات مشروع مارشال في أوروبا حسب البلد
صيغ مشروع إعادة الإعمار الذي طُوّر في اجتماع للدول الأوروبية المشاركة بتاريخ 5 يونيو من عام 1947. عرض المشروع المساعدة ذاتها للاتّحاد السوفياتي وحلفائه، لكنّهم رفضوا قبول العرض، وذلك لأنّه سيسمح بالسيطرة الأمريكية على الاقتصادات الشيوعية إلى حدّ ما. في الواقع، حظر الاتّحاد السوفياتي على دوله التابعة (أي ألمانيا الشرقية وبولندا وغيرهم) قبول العرض. أصبح الوزير مارشال متيقّنًا من عدم اهتمام ستالين بالمساعدة الهادفة إلى استعادة الصحّة الاقتصادية في أوروبا الغربية.
وقّع الرئيس هاري ترومان على مشروع مارشال في 3 أبريل من عام 1948، مانحًا 5 مليارات دولار باعتبارها مساعدات لستّة عشر دولة أوروبية. تبرّعت الولايات المتّحدة بمبلغ قدره 17 مليار دولار (أي ما يعادل 202.18 مليار دولار في عام 2019) خلال السنوات الأربع التي كانت الخطّة فيها سارية المفعول، إذ اعتُبرت هذه الأموال مساعدات اقتصادية وتقنية بهدف مساعدة الدول الأوروبية المنضمّة إلى منظّمة التعاون الاقتصادي الأوروبي في التعافي. شكّل مبلغ 17 مليار دولار جزءًا من الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي البالغ 258 مليار دولار في عام 1948، بالإضافة إلى الـ 17 مليار دولار التي قدّمتها أمريكا كمساعدات لأوروبا بين نهاية الحرب وبداية المشروع، إذ حُسبت بشكل منفصل عن مشروع مارشال. استُبدل بمشروع مارشال مشروع الأمن المتبادل في نهاية عام 1951؛ إذ وهب المشروع الجديد نحو 7.5 مليار دولار سنويًا حتّى عام 1961 قبل أن يُستبدل بمشروع الأمن المتبادل برنامج آخر.
تعامل مشروع مارشال (برنامج التعافي الأوروبي) مع جميع العقبات التي وقفت في وجه التعافي بعد الحرب. تطلّع المشروع إلى المستقبل ولم يركّز على الدمار الذي نجم عن الحرب. أمّا الأمر الأكثر أهميّة فهو الجهود المبذولة في سبيل تحديث الممارسات الصناعية والتجارية الأوروبية وفقًا للنماذج الأمريكية عالية الكفاءة، إضافةً إلى الحدّ من العوائق التجارية الاصطناعية وبثّ الشعور بالأمل والاعتماد على الذات.
تجاوز اقتصاد كلّ دولة مشاركة مستوياته قبيل الحرب مع حلول عام 1952 وانتهاء التمويل؛ إذ ارتفع الإنتاج في كلّ دولة مستفيدة من مشروع مارشال بنسبة 35% على الأقل في عام 1951 عن الحالة التي كان عليها في عام 1938. وعلى مرّ العقدين القادمين، تمتّعت أوروبا الغربية بنمو وازدهار لم يسبق لهما مثيل، لكنّ الاقتصاديون لم يتأكّدوا من حجم الدور المباشر وغير المباشر الذي لعبه برنامج التعافي الأوروبي في هذا النمو، ولم يعرفوا ما كان سيحدث لولا هذا البرنامج. أعرب رئيس إدارة التعاون الاقتصادي بول هوفمان في عام 1949 عن دور البرنامج في التعافي الأوروبي من وجهة نظر التفسير الأمريكي الشائع، إذ أخبر الكونغرس أن مساعدات مارشال قد قدّمت «الإطار الحاسم» الذي اعتمدت عليه الاستثمارات الأخرى اللازمة للتعافي الأوروبي. اعتُبر مشروع مارشال واحدًا من العناصر الأولى المساهمة في التكامل الأوروبي، إذ استطاع إلغاء العوائق التجارية وإنشاء مؤسسات هادفة إلى تنظيم الاقتصاد على المستوى القارّي، وبالتالي شجّع على عملية إعادة الإعمار السياسي الكامل لأوروبا الغربية.
استنتج المؤرّخ الاقتصادي البلجيكي هيرمان فان دير وي أنّ مشروع مارشال حقّق «نجاحًا باهرًا»:
لقد أعطى زخمًا جديدًا لإعادة الإعمار في أوروبا الغربية، وقدّم إسهامًا حاسمًا في عملية إعادة تجديد نظام النقل وتحديث المعدّات الصناعية والزراعية، إضافةً إلى استئناف الإنتاج الطبيعي وزيادة الإنتاجية وتسهيل التجارة البينية الأوروبية.
الدمار أثناء الحرب
أنقاض سوق مدمر في نورنبرغ في شهر أكتوبر عام 1946
دُمّرت معظم أوروبا بحلول نهاية الحرب العالمية الثانية. ألحق القصف الجوّي المستمر خلال الحرب أضرارًا بالغةً في معظم المدن الكبرى، إذ تضرّرت المنشآت الصناعية بشكل خاص. توقّفت التدفّقات التجارية في المنطقة بشكل كامل؛ عاش الملايين من الناس في مخيمات اللاجئين معتمدين على المساعدات الأمريكية، التي قُدّمت تحت غطاء إدارة الأمم المتّحدة للإغاثة والتأهيل وغيرها من الوكالات. اعتُمدت الأمم المتّحدة بموجب المؤتمر الذي استمرّ لثلاثة أشهر وأعلن النصر في أوروبا. انتشرت حالات نقص الغذاء بشكل شديد وخصوصاُ في فصل الشتاء القاسي في الفترة بين عامي 1946-1947. شحنت الولايات المتّحدة 16.5 مليون طنًّا من المواد الغذائية -القمح خصوصًا- إلى أوروبا واليابان بين شهر يوليو من عام 1945 وشهر يونيو من عام 1946. شكّلت هذه الإمدادات سدس الإمدادات الغذائية الأمريكية، إذ وفّرت 35 تريليون سعرة حرارية، الذي يُعتبر كافيًا لتوفير 400 سعرة حرارية في اليوم لمدّة عام كامل لنحو 300 مليون شخص.
تضرّرت البنية التحتية للنقل بشكل خاص، إذ استُهدفت السكك الحديدية والجسور والأرصفة بالغارات الجوّية على وجه التحديد، بينما غرقت الكثير من الشحن التجارية. أسفر تدمير وسائل النقل عن عزل معظم البلدات والقرى الصغيرة اقتصاديًا، على الرغم من أنّها لم تتعرض لأضرار كبيرة. لم تكن معالجة هذه المشاكل بالأمر السهل، إذ استنفدت معظم الدول المنخرطة في الحرب خزائنها في هذه العملية.
لم تتضرر البنية التحتية في الولايات المتّحدة وكندا -بوصفها قوىً عظمى- بشكل كبير خلال الحرب العالمية الثانية، إذ أصبحت أكثر ازدهارًا مما كانت عليه قبل الحرب على الرغم من لعب الصادرات دورًا هامشيًا في بنية اقتصادها. استخدم الأوروبيون العديد من المساعدات المقدّمة عن طريق مشروع مارشال بهدف شراء السلع المصنّعة والمواد الخام من الولايات المتّحدة الأمريكية وكندا.
الأحداث الأوّلية اللاحقة للحرب
انتشرت العديد من الأفكار الإنسانية خلال فترة الخمس سنوات التي تلت تشكيل الأمم المتّحدة. يعود تشكيل كلّ من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي إلى تلك الفترة أيضًا. اعتُبرت منظّمة التجارة الدولية واحدةً من الأفكار المقترحة في عام 1947 خلال مؤتمر الأمم المتّحدة للتجارة والتوظيف. بدأ التخطيط لتأسيس الاتفاقية العامة للتعريفة الجمركية والتجارة (جات) في تلك الفترة أيضًا.
التعافي البطيء
تعافت معظم اقتصادات أوروبا ببطء، إذ أسفرت البطالة ونقص الغذاء عن إضرابات واضطرابات في العديد من الدول. شكّل الإنتاج الزراعي 83% من مستوياته في عام 1938، بينما شكّل الإنتاج الصناعي 88% والصادرات 59%. يُستثنى من هذا الأمر كلّ من المملكة المتّحدة وهولندا وفرنسا، حيث استُعيد مستوى الإنتاج إلى مستويات ما قبل الحرب أي قبل مشروع مارشال، وذلك بحلول نهاية عام 1947. أمّا إيطاليا وبلجيكا فلحقتهم بحلول نهاية عام 1948.
خطاب مارشال
خلصت الولايات المتحدة إلى أن الحل لا يمكن أن ينتظر أكثر من ذلك، وذلك بعد تأجيل مؤتمر موسكو بعد ستة أسابيع من المناقشات الفاشلة مع السوفييت فيما يتعلق بإعادة إعمار ألمانيا المحتملة. خُطِّط لخطاب كبير لوزير الخارجية جورج مارشال لتوضيح الموقف الأمريكي. ألقى مارشال الخطاب في جامعة هارفرد في 5 يونيو عام 1947، وعرض المساعدة الأمريكية لتعزيز الانتعاش الأوروبي وإعادة الإعمار. وصف الخطاب الخلل في الاقتصاد الأوروبي وقدم سببًا للمساعدة الأمريكية.
إن النظام الحديث لتقسيم العمل الذي يعتمد عليه تبادل المنتجات معرض لخطر الانهيار. يجب أن تكون العواقب على اقتصاد الولايات المتحدة واضحة للجميع؛ وذلك بغض النظر عن التأثير المحبط على العالم بأسره واحتمالات الاضطرابات التي تنشأ نتيجة يأس الأشخاص المعنيين. يُعتبر تقديم الولايات المتحدة كل ما تستطيع فعله للمساعدة في عودة الصحة الاقتصادية الطبيعية إلى العالم، والتي بدونها لا يمكن أن يكون هناك استقرار سياسي ولا سلام مضمون، منطقيًا. إن سياستنا ليست موجهة ضد أي بلد، بل ضد الجوع والفقر واليأس والفوضى. ستجد أي حكومة ترغب في المساعدة في الإنعاش التعاون الكامل من جانب الولايات المتحدة. يجب أن يكون الغرض من ذلك إحياء الاقتصاد العامل في العالم؛ وذلك للسماح بظهور الظروف السياسية والاجتماعية التي يمكن أن تتواجد فيها المؤسسات الحرة.
كان مارشال مقتنعًا بأن الاستقرار الاقتصادي سيوفر الاستقرار السياسي في أوروبا. عرض المساعدة، ولكن الدول الأوروبية كان عليها أن تنظم البرنامج بنفسها.
لا يتضمن الخطاب، الذي كُتب بناءً على طلب مارشال وتوجيهات تشارلز بوهلين، فعليًا على أي تفاصيل ولا أرقام. كان الخطاب اقتراحًا أكثر من مشروع، فكان تحديًا للقادة الأوروبيين للتعاون والتنسيق. طلب الخطاب من الأوروبيين وضع مشروعهم الخاص لإعادة بناء أوروبا، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة ستمول هذا المشروع بعد ذلك. شعرت الإدارة أن الخطة لن تحظى على الأرجح بشعبية بين العديد من الأمريكيين، وكان الخطاب موجهًا بشكل أساسي إلى جمهور أوروبي. لم يتواصل أحد مع الصحفيين، وذلك في محاولة لإبقاء الخطاب خارج الصحف الأمريكية، ودعا ترومان في نفس اليوم إلى مؤتمر صحفي لإزالة العناوين الرئيسية. أُرسِل دين آتشيسون، وكيل وزارة الخارجية، للتواصل مع وسائل الإعلام الأوروبية، وخاصة وسائل الإعلام البريطانية، وعُرِض الخطاب بالكامل على بي بي سي.
رفض ستالين
استمع وزير الخارجية البريطاني إرنست بيفين إلى خطاب مارشال الإذاعي؛ واتصل على الفور بوزير الخارجية الفرنسي جورج بيدول لبدء إعداد رد أوروبي سريع على العرض (وقبوله)، فأدى ذلك إلى إنشاء لجنة التعاون الاقتصادي الأوروبي. اتفق الاثنان على أنه سيكون من الضروري دعوة السوفييت كقوة حليفة رئيسية أخرى. تضمن خطاب مارشال دعوة إلى السوفييت بشكل صريح، إذ شعروا أن استبعادهم كان سيظهر على أنه إشارة على عدم الثقة. عرف مسؤولو وزارة الخارجية أن ستالين لن يشارك بشكل شبه مؤكد، وأن أي خطة من شأنها إرسال كميات كبيرة من المساعدات إلى السوفييت من غير المرجح أن تحصل على موافقة الكونغرس.
تمويل جبهات وكالة المخابرات المركزية
تلقت وكالة المخابرات المركزية 5% من أموال مشروع مارشال (حوالي 685 مليون دولار موزعة على ست سنوات)، والتي استخدمتها لتمويل العمليات السرية في الخارج. وُجِّهت الأموال من خلال مكتب تنسيق السياسات نحو دعم النقابات العمالية، والصحف، والمجموعات الطلابية، والفنانين، والمثقفين، الذين كانوا يواجهون نظرائهم المناهضين للولايات المتحدة الذين يدعمهم الشيوعيون. ذهب أكبر مبلغ إلى المؤتمر من أجل الحرية الثقافية. لم يكن هناك عملاء يعملون بين السوفييت أو الدول التابعة لهم. عُقد المؤتمر التأسيسي لمؤتمر الحرية الثقافية في برلين في يونيو عام 1950. تضمن المؤتمر كبار المفكرين من الولايات المتحدة وأوروبا الغربية من الكتاب والفلاسفة والنقاد والمؤرخين، ومنهم: فرانز بوركينو، وكارل ياسبرس، وجون ديوي، وإينياتسيو سيلونه، وجيمس بيرنهام، وهيو تريفور روبر، وآرثر شليزنجر جونيور، وبيرتراند راسل، وإرنست رويتر، وريموند آرون، وألفرد آير، وبينيديتو كروتشه، وآرثر كوستلر، وريتشارد لوينثال، وميلفين جيه لاسكي، وتينيسي وليامز، وإيرفنغ براون، وسيدني هووك. كان هناك محافظون من بين المشاركين، ولكن اليساريين غير الشيوعيين (أو الشيوعيين السابقين) كانوا أكثر عددًا.!!