قراءة نقدية مزدوجة :
القصيدة وفق مقاربة لوْلبيّة .
فقرة جمع بصيغة المفرد (مبدع/ مشاكس/ ناقدة)
الشاعر حمد حاجي (تونس)
القصيدة:”طائر الكروان هي.. ”
المشاكس عمر دغرير(تونس)
القصيدة:” وبانت سعدى في هيئة سبع”
الناقدة: جليلة المازني (تونس) .
أ- المشترك بين الابداع والمشاكسة:
– التناص المعجمي.
– الأسلوب البلاغي (التشبيه)
ب- المختلف بين الابداع والمشاكسة:
1- المبدع حمد حاجي والأقطاب الثلاثة.
سأبني قراءتي النقدية على ثلاثة أقطاب:
العنوان/ اللوحة/ القفلة ولن تكون قراءتي النقدية خطّية بل ستكون لولبية:
سأنطلق من قفلة القصيدة:
1-القفلة قال فيها الشاعر:
وان أنس لاأنس..كنت تسللت آخذها
بين حضن وحضن
فمالت تدندن مثل الكمنجة والمبدع…
ان هذه المرأة الحبيبة ليست امرأة عادية فقد جمعت بين إغراءين للحبيب:
– الإغراء الجسدي الذي سنقف عليه.
– الإغراء الفكري و الابداعي .
2- اللوحة المصاحبة:
لقد دعم الشاعر قفلة القصيدة بلوحة الخادمة للرسام الفرنسي بيير اوتين(1840/1899).
هذه اللوحة تجعل هذه المرأة الخادمة ذات ملمحيْن :
– ملمح الخادمة الجميلة والأنيقة.
– ملمح الخادمة المبدعة والمثقفة وسط مكان ثقافي وهو المكتبة وهي تراوح بين عملها كخادمة وشغفها بقراءة الكتب.
ولعل الشاعر رمز بهذه الخادمة الراقية والأنيقة الى حبيبته التي جمعت بين شغفها بالعمل وشغفها بالثقافة وشغفها بالحبّ.
وهذا الشغف الثلاثي الأبعاد يعكس حبها لحبيبها ككلّ لا يتجزّأ بين الجسدي والفكري والوجداني.
هذا الملمح المتعدّد ارتقى بهذه المرأة الخادمة الأنيقة جسدا وفكرا الى مرتبة الحبيبة الميثالية لدى الشاعر.
3- عنوان القصيدة:”طائر الكروان هي…”
ان هذه الملامح المنحوتة في هذه المرأة جعلت الشاعر يستخدم كناية بالعنوان ليكنّيَ عنها بطائر الكروان.
وطائر الكروان مشهود له بصوته الجميل وبدعائه المستجاب وبتسبيحه.
وهنا لا ننسى قصة طه حسين “دعاء الكروان” ولا ننسى مؤلف موسيقى هذه القصة اليوناني المصري “اندريه أتاجنستوس”
وأكثر من ذلك فان طائر الكروان قد أصبح أسطورة في بعض الثقافات.
وفي هذا الاطار كأني بالشاعر من خلال هذه الأقطاب الثلاثة للقصيدة يُشرّعُ لحبّ هذه الأيقونة في الحبّ مُستخدما في متن قصيدته أساليب بلاغية أشبعت القصيدة تشابيه:
(كما بسمة/كرشة عطر/كريقة طفل/ كما بقعة الضوء/كما مزنة/ كحلم/كما غيمة/ هي النور/ مثل الكمنجة والمبدع).
وبلاغة التشبيه هو” أن يشبع الخفي غير المعتاد بالظاهر المعتاد وهذا يؤدي الى ايضاح المعنى وبيان المراد فيزيد المعنى وضوحا ويكسبه تأكيدا.
وهو يؤثر في النفس ويحركها ويمكّن المعنى من القلب بنقله من العقل الى الاحساس فيزول الشك والريب…فيكون له موقع لدى المتلقي” (1).
لقد شبّهها بالمحسوس وغير المحسوس ليعكس تكاملها بين الجسد والروح.
في هذا الاطار من الحبّ الجميل مع طائر الكروان ما رأي المشاكس؟
=== يتبع ===
=== يتبع ===
2- المشاكس عمر دغرير والقصيدة ذات القطبين:
سأتناول القصيدة وفق قطبي العنوان والقفلة:
أ- عنوان المشاكسة: “وبانت سعدى في هيئة سبع”
يبدو أن العنوان يحمل مفارقة عجيبة فسعدى التي عرفناها مسالمة ومتسامحة
فهي تظهر الآن في هيئة سبع.
والسبع هو اسم علم مذكر من أصل عربي ومعناه هو المفترس من الحيوان مطلقا.(سبع(اسم) – ويكيبيديا).
وفي هذا الاطار لئن كنّى المبدع عن حبيبته بطائر الكروان لجمال صوته ودعائه وتسبيحه فان المشاكس جعل سعدى تواجهه في هيئة سبع بما يتصف به السبع من شراسة .
ب – القفلة: لقد وردت القفلة متماهية مع العنوان في تناصّ داخلي معه.
يقول المشاكس في قفلة القصيدة:
وان أنس لن أنسى كيف انتفضت
في الفراش مذعورا
وقد بانت سعاد في هيئة سبع.
إن المشاكس جعل المبدع يعيش كابوسا يرى فيه سعدى “على هيئة سبع”
والسبع هو من أسماء الأسد بما للأسد من جمال المنظر والقوة والشراسة
والفتك بعدوه (2).
إن هذه الصفات مجتمعة تمثل القوّة التي وسم بها المشاكس سعدى.
وفي هذا الاطار كأني بالمشاكس يُحيلنا الى المثل القائل: “سبع ولا ضبع” وهو مثل شعبي قديم للتعبير عن الربح والخسارة وذلك لان السبع يفوز بالفريسة ويأكل اللحم أما الضبع فيأكل ما يتبقى من أكل السبع.
لماذا جعل المشاكس المبدع يعيش كابوسا يرى في منامه سعدى تواجهه وهي في هيئة سبع؟
يبدو أن سعدى قد لبست ثوب السبع لأن المبدع أبْكاها وأرْعبها بصُراخه العنيف
يقول المشاكس مستخدما التشابيه كما المبدع:
كما نظرة يأس في العينين..
كصرخة تصاعد من فم طفل
كدمعة أثلجها الخوف في المدمع..
هو صراخك يأتي عنيفا
من كوابيس في الظلام
ويهبّ في الليل كالرياح الزعزع..
لئن استخدم المبدع التشابيه لتقريب معاني جمال الحبيبة “طائر الكروان “من ذهن المتلقي فان المشاكس استخدم التشابيه لتقريب معاني اليأس الذي استبدّ بعيني سعدى من حبيب خانها مع طائر الكروان ولتقريب معنى صراخها البريء ودمعتها الخائفة من صراخه العنيف في كوابيسه.
وبالتالي فالتشابيه التي استخدمها كل من المبدع والمشاكس تعكس مقابلة معنوية
بين ما أسنده المبدع من معاني الجمال لطائر الكروان وبين ما سبّبه في المقابل لسعدى من مشاعر الخوف واليأس لخيانته لها.
وفي هذا الاطار ومن وجهة نظرعلم النفس جعل المشاكس سعدى تردّ الفعل انتقاما من المبدع وانصافا لكرامتها فتخلع ثوب المرأة المسالمة المتسامحة لتلبس ثوب المرأة الشرسة مكشرة عن أنيابها فيقول:
أتذكر يوم تشبثت بالموت والغرق
على أن تتلقى ضربات بشبشبها الخشبي
مصحوبة بكلامها الموجع…
وينشر الرعب في القلب
وفي كامل البدن
قبل أن يستقر ويقيم في الأضلع..
أتذكر كيف صاحت وكنت كفرخ حمام
يرتجف خوفا من الذبح
وصوتك المخنوق بالكاد يصل الى كل مسمع..
وكيف تخلصت من مخالبها
لتهرب على جناح الريح
وعيناك تشتعلان من الرعب والهلع…
ان المشاكس قد عزّ عليه أن تكون سعدى الملاك الطاهر والحب المعتق والمرأة المسالمة أن تلبس قناع السبع الشرس والمفترس في الواقع لذلك حلّل نفسيتها الصاخبة الثائرة و عمد الى الحلم لتظهر للمبدع الذي خان عهدها في هيئة سبع تخيفه وتُرْعبه لعله يثوب الى رشده فيعود اليها غير مكترث بطائر الكروان ومغرياته .
والقاسم المشترك بين طائر الكروان والسبع أن طائر الكروان عندما يُظلم أو تُنتهك كرامته قد يتحوّل الى سبع شرس تماما كما تحوّلت سعدى المظلومة ولو بالمنام.
وخلاصة القول فلئن استطاع الشاعر حمد حاجي باستخدام أسلوب بلاغي قائم على تواتر التشبيه أن يؤثر في نفس القارئ ويحرّكها تعاطفا مع هذا الحب الجسدي والفكري والذي قد يرتقي الى أسطورية طائر الكروان
فان المشاكس وباستخدام نفس الأسلوب البلاغي قد يستطيع أن يؤثر في القارئ ليتعاطف مع سعدى المظلومة والمخدوعة انتقاما لها من المبدع ولو في المنام.
سلم القلمان ابداعا ومشاكسة كروانا وسبعا واقعا وحلما.
بتاريخ 17/10/2024
المرجع:
*https://www.facebook.com>permal(1)..
بلاغة الصور البيانية بلاغة…-استاذ الفلسفة حركات محمد-
https://allghtu-alrbytu.quora.com>…(2)
ما هي أسماء الأسد عند العرب؟- اللغة العربية آداب وعلوم