في مثل هذا اليوم 19 اكتوبر1917م..
البريطانيون بقيادة الجنرال إدموند ألنبي يحتلون القدس.
إدموند هنري هاينمان ألنبي (بالإنجليزية: Edmund Henry Hynman Allenby)، الفايكونت الأول اللنبي (23 ابريل 1861 – 14 مايو 1936) ضابط وإداري بريطاني، اشتهر بدوره في الحرب العالمية الأولى حيث قاد قوة التجريدة المصرية في الاستيلاء على فلسطين وسوريا عامي 1917 و1918.
وفاته
بعد تقاعده 1925 عن العمل كمندوب سامي في مصر عاد إلى إنجلترا ممارساً هواياته وقضى فترة وجيزة كرئيس جامعة أدنبرة وتوفي في 14 مايو 1936 عن عمر يناهز 75 سنة ودُفن في كنيسة وستمنستر
عندما تولى لويد جورج رئاسة وزراء بريطانيا في نهاية 1916، بدأ طالع بريطانيا في الشرق يتجه نحو التحسّن، فقد تلقى البريطانيون خطأ حكومة الهند البريطانية في زحفها الفاشل على بغداد سنة 1915 والذي انتهى في ربيع 1916 بهزيمة واستسلام الجيش الهندي البريطاني في كوت العمارة.
وتسببت هذه الهزيمة في عملية تطهير شاملة في جسد الإدارة البريطانية العسكرية والمدنية، وتعيين قائد جديد للجيش الهندي هو الجنرال ستانلي مود، الذي استولى في نهاية المطاف على بغداد يوم 11 مارس/آذار 1917.
فتح هذا النجاح في بلاد الرافدين شهية رئيس الوزراء البريطاني الجديد، فقرر تعيين قائد عسكري في مصر مشهود له بالكفاءة هو الجنرال إدموند ألنبي، وكلفه بمهمة محددة هي غزو فلسطين واحتلال القدس قبل عيد الميلاد في نهاية سنة 1917.
اعتمد ألنبي على الكولونيل ريتشارد ماينرتزهاغن الذي عيّنه رئيسا للمخابرات العسكرية، وراح يستقصي أخبار الجيوش العثمانية في فلسطين وسوريا التي كانت تحت إمرة جمال باشا المعروف بالسفّاح.
كما اعتمد ألنبي على القبائل العربية الثائرة ضد حكم العثمانيين بقيادة الشريف حسين وولده الأمير فيصل ومعهما الضابط البريطاني الشهير توماس إدوارد لورنس المشهور باسم “لورنس العرب”، الذي أثبت أهمية العرب في مساعدة البريطانيين، لا سيما بعد الاستيلاء على ميناء العقبة، وإمكانية رسو الأسطول البريطاني في هذا الميناء ليكون منطلقا للحملة البريطانية المقبلة لغزو فلسطين وسوريا.
حملة تركية
كان الأتراك يراقبون تلك الأحداث، وفي خضم الحرب العالمية الأولى (1914- 1918)، وبإيعاز من الألمان الذين طالبوا حلفاءهم الأتراك بالدخول إلى مصر انطلاقا من فلسطين لإشغال الإنجليز وإبعادهم عن مضيق الدرنديل، انطلقت هذه الحملة التركية الأولى بالفعل في يناير/كانون الثاني 1915، لكن تمركز الإنجليز خلف قناة السويس ودفاعاتهم القوية ألحقت بالأتراك هزيمة ثقيلة خلفت 1300 قتيلا، فضلا عن الجرحى وخسائر الإبل التي نفقت بسبب الحر والتعب.
وحين فشل الأتراك في حملتهم الأولى، أخذوا يستكملون نقائص جيشهم ويتأهبون للقيام بحملة ثانية، فأصلحوا منازلهم على طول الطريق، ومدوا السكك الحديدية، واستخدموا عددا كبيرا من الجنود عمالا لهذه الغاية، وعهدوا بهذه الأعمال كلها إلى قيادة الصحراء التي وضعت كلها تحت إمرة القائد الألماني ألميرلاي فون كرس بك. وعلى الجانب الآخر، كان الإنجليز بفضل مخابراتهم وجواسيسهم على علم ودراية تامة بما يقوم به الأتراك والألمان.
انطلقت الحملة التركية الثانية في أبريل/نيسان 1916، لكنها للمرة الثانية لاقت هزيمة كبيرة بفضل مدفعية الإنجليز وتمركزهم القوي خلف خطوط القناة، وخسر الأتراك ألف قتيل وأسر ثلاثة آلاف من جندهم، وكانت هذه الهزيمة التالية سببا وجيها لتشجع الإنجليز على بدء الهجوم وإصدار الأوامر باحتلال فلسطين.
القوات البريطانية دخلت بقيادة الجنرال ألنبي مدينة القدس يوم 11 ديسمبر/كانون الأول 1917 (مواقع التواصل)
حين علم الأتراك والألمان بنية البريطانيين بالزحف صوب فلسطين، قرروا المواجهة والدفاع لآخر نفس، وبدأت أولى معارك فلسطين يوم 27 مارس/آذار 1917، والثانية في 19 أبريل/نيسان من العام نفسه حين هاجم الإنجليز غزة، لكنهم فشلوا فشلا ذريعا في الهجومين مما اضطرهم إلى الانسحاب.
القدس في يد الإنجليز
في تلك الأثناء، كان الجنرال ألنبي قد تولى القيادة خلفا للجنرال موري، فقام بإصلاحات كبيرة في بنية الجيش البريطاني في مصر، بدءا من تحسين نشاط جهاز المخابرات العسكرية، مرورا بتسلمه مدافع وآلات ميكانيكية جديدة وذخائر وعتاد أقوى وأفضل من ذي قبل.
وشرع في تنسيق القيادة، وضاعف الجهود التي سبقت لمد الأنابيب وجر مياه النيل في صحراء سيناء، ومد السكك الحديد حتى وصلت بالفعل إلى دير البلح في غزة، واتخذ من مدينة القنطرة في بورسعيد مركزا لتموين جيشه بدلا من الإسكندرية الأبعد.
في المقابل، عقد الأتراك مجلس حرب بقيادة القائد العام أنور باشا، وقادة جيوش القفقاس والجيش الثاني والرابع بقيادة جمال باشا والسادس وغيرهم، ولم ينته هذا المجلس إلى قرار حاسم.
وبسبب هذا التخبط والتبدلات في القيادة، كانت أحوال الجيش التركي تسير من سيئ إلى أسوأ، وكان الجوع يلازم الكثير من الجنود في تلك الأحيان، وبسبب ذلك كان جيش جمال باشا يصادر حيوانات الأهالي لسد رمقهم دون ترك ما يصلح للولادة والتناسل، فضلا عن مصادرة الحبوب. كان الأتراك في حالة فوضى عارمة.
زحف صوب القدس
إزاء هذه الفوضى من جانب الأتراك، والتنظيم المحكم والقوي من قبل البريطانيين، بدأ الإنجليز في زحفهم صوب القدس، فاحتلوا بسهولة بئر السبع يوم 31 أكتوبر/تشرين الأول 1917، وفي 17 نوفمبر/تشرين الثاني من العام ذاته احتلوا غزة، ثم انطلقوا صوب يافا والرملة واحتلوهما بسهولة أيضا، بعد ذلك قرر الجنرال ألنبي الزحف صوب القدس.
حاول الأتراك مقاومة تقدم الجيش البريطاني وقطع الطريق بكل السبل الممكنة، فأفلحوا في بداية الأمر، أمر ألنبي جنوده بالثبات حتى تأتيهم الكتائب الجديدة والمدافع الجديدة التي طلبها.
وفي الأول من ديسمبر/كانون الأول 1917 وقعت معركة صغيرة بين الفريقين في قرية شلتا هزم فيها الأتراك، وكانت هذه الهزيمة ذات تأثير معنوي ثقيل مكّن البريطانيين بعد ذلك من التقدم صوب القدس بسهولة.
كان الجوع قد استولى على الأتراك، كما خسروا كل مواقعهم الحصينة في جنوب فلسطين، وحين أيقن المتصرف التركي عزت بك أن القدس لا محالة واقعة لانهيار المقاومة، طلب الاجتماع بمفتي القدس كامل أفندي الحسيني ورئيس البلدية حسين سليم أفندي الحسيني، واتفق الجميع على الاستسلام حفاظا على الأماكن المقدسة في المدينة، شريطة احترام الإنجليز الذين قبلوا هذا الأمر.
ألنبي أعلن بيانه الأول الشهير الذي فرض فيه الأحكام العرفية (مواقع التواصل)
وفي النهاية دخلت القوات البريطانية بقيادة الجنرال ألنبي مدينة القدس يوم 11 ديسمبر/كانون الأول 1917 محتلةً المدينة التي ظل العثمانيون يسيطرون عليها مدة 400 سنة كاملة (1517- 1917)، وهناك أعلن ألنبي بيانه الأول الشهير الذي فرض فيه الأحكام العرفية، وطالب الناس بمباشرة أعمالهم دون أي إضراب واحترام الخصوصية الدينية لمدينة القدس وأماكنها المقدسة.
أوضح ألنبي لممثل فرنسا فرنسوا جورج بيكو أن المدينة واقعة ضمن المنطقة العسكرية، وأن السلطة فيها محصورة في القائد العسكري، وقال إنه بصفته القائد العسكري سيُقرر مدة بقاء المنطقة تحت الإدارة العسكرية حصرا. وأضاف ألنبي أنه لن يسمح بإقامة إدارة مدنية إلا عندما يسمح الوضع العسكري بذلك، وحتى ذلك الحين تبقى مسألة اتفاقية سايكس بيكو والتصرف النهائي بشأن فلسطين مؤجلةً.
فرح رئيس الوزراء البريطاني فرحا كبيرا بسقوط القدس في مناسبة عيد الميلاد، وكتب في مذكراته أنه استطاع تحرير أقدس مدينة في العالم، و”أنه بتحريرها تمكن العالم المسيحي من استرداد أماكنه المقدسة”.
وهكذا كان احتلال بريطانيا للقدس في نظر رئيس وزرائها مهمة صليبية مقدسة أعاد تكرارها في الربع الأول من القرن العشرين، بعد انقضاء زمن الحروب الصليبية في العصور الوسطى بأكثر من ثمانية قرون.!!!!!!!!