قراءة نقدية مزدوجة :
“القصيدة وجدلية الحبيبة والقصيدة”
فقرة جمع بصيغة المفرد(مبدع /مشاكس/ ناقدة)
الشاعرحمد حاجي(تونس)
القصيدة:” امرأة.. شبه حلم في قصيدة”
المشاكس عمر دغرير (تونس)
القصيدة :”فقدت المرأة وفقدت الكلام”
الناقدة جليلة المازني(تونس)
القراءة النقدية :”القصيدة وجدلية الحبيبة والقصيدة”
أ- المشترك بين المبدع والمشاكس:
-التناص المعجمي.
– الحلم.
– المعاناة.
ب- المختلف بين المبدع والمشاكس:
1- المبدع حمد حاجي وجدلية الحبيبة والقصيدة
اسند الشاعر حمد حاجي عنوانا لقصيدته” امرأة ..شبه حلم في قصيدة”
يحمل العنوان مفارقة بين الواقع والحلم فامرأة تحيل على الواقع لكنها شبه حلم يحلمه الشاعر بقصيدة.
– هل أن هذه المرأة هي ملهمة له في ابداعه؟
– هل ان الشاعر يعيش معاناة بين الواقع والحلم وبين الحبيبة والقصيدة ؟
استهل الشاعر قصيدته بظرف زمان تداخل فيه زمنان متوازيان :”ساعة.. ساعة..”
فالزمن الأول مُبْهم والثاني هو زمن انقطا ع الوحي بالقصيدة فيقول:
وساعة.. ساعة..
ينقطع الوحي عن أنبياء القصيدة
كما يوم أمس.. تماما..
وقد يتدخل القارئ وقد يعتبر الزمن الأول هو زمن غياب الحبيبة والزمن الثاني هو انقطاع الوحي بالقصيدة:
– هل ان زمن غياب الحبيبة هو حتما زمن انقطاع الوحي بالقصيدة؟
– هل ان الحبيبة هي ملهمته لكتابة القصيدة؟
ويدعم ذلك بخيبته السابقة بقوله” كما يوم أمس…تماما..
لذلك عزم المبدع على القاء القصيدة بوجه الحبيبة في يوم مغيم وبارد أوْهمه
بقدوم امرأة شابة قادمة فيقول:
عزمت الى البرج ألقي القصيد بوجه الحبيبة
وكان سحاب يجر بأفراسه عربات غمامة
ونسمة برد تلهو بأثواب امرأة.. شابة قادمة..
ويستفيق الشاعر من وهْمه ليقرّ أن نهاره تماما كما يوم أمس.
وكأن المبدع قد سخّر هذا الجوّ من الغيوم لتعكس غيوم نفسيته التي تعاني
الخيبة تلو الخيبة .
ويعود ليذكرنا بمواعدته لها في شوارع ممطرة حالمة .
انه يتحوّل بنا من الغيوم وضبابيتها الى المطر وخيره ليفوز فوزيْن:
– كتابة القصيدة لان حضورها سيُلهمُه القصيدة.
– الفوز بالحبيبة التي سيكسوها معطفه في هذا الجو الماطر.
وقد يكون المعطف رمزا لجسده الذي يلتحم بها التحام المعطف للجسد ليبعث فيها الدفء والحرارة .يقول:
وقد كنت واعدتها في شوارع ممطرة حالمة
لاكتب أروع نص وأكسوها معطفي.
وأشق بها برك الضوء
محمولة سالمه
ويتوهم أنها تأتي لينعم معها بالحديث غير عابئيْن بعين الرقيب ووحده يُدوزن خطوتها ويغار عليها بل ويتناسى ذلك تسامحا معها فيقول:
ووحدي أدوزن خطوتها في الفراغ
أغار عليها وأنسى..
كأن بقلبي مخازن ذاكرة نائمه
يعود الى ثنائية الزمان بتلك اللازمة ” وساعة ..ساعة..”
إنه يلعب على ثنائية الزمان :
لئن كانت الثنائية الأولى وَازتْ بين غياب الحبيبة وانقطاع الوحي بالقصيدة فان هذه الثنائية تخرجُه من الواقع المرير ومن المعاناة الى حلم حضور الحبيبة والاستمتاع بحضورها وجدانيا وجسديا فيقول:
وساعة ..ساعة..
بالركن أسندها خافقي فتحرّك أوتار قلبي ..
تحل قميصي
وآخر أقفال صدري على مهل.
وساعة ..ساعة..تهوى..
تدسّ أناملها في ثيابي
تنام بتنور صدري على عجل
انها استسلمت اليه مطمئنة تنعم معه بالصبابة والغزل:
وكانت كما كرة الثلج هادئة
مثلما طفلة بين نتف الدمى ولهيب الهوى
في سرير الصبابة والغزل.
ويحلم أنه يريد تقبيلها لكن خوفه من استفاقتها على رنة القبل تمنعه من ذلك:
– هل هذا يعني أن حبّه لها يفوق الظن فيفوق الجسدي؟
– هل أن حبه لها جعله يتعفّفَ عن الجسدي رغم أنها في متناوله وهي مستسلمة اليه وارتقى الى الروحي وهي بجواره فيقول:
أقرب ثغري أريد أقبلها
أتراجع مستحيا..
وأخاف تفيق على رنة القبل..
انه حلم بلقاء الحبيبة وهو المشتاق اليها والمتيّم بها.
بيد أنه يستفيق مرة أخرى من هذا الحلم ليصطدم بواقع اجتاحه اليأس بعدم اللقاء
ويعود ليعيش الخيبة التي تتكرّر وتجتاح قلبه فيقول:
أجوْحي..ويا جوح قلببي..
كما يوم أمسي..كما اليوم..لم تأت…
قد كنت كذّبت قلبي وصدقت حلمي
حلمت بها قادمة.
لقد استخدم الشاعر عبارة “يا جوحي..ويا جوْح قلبي” وهي عبارة غالبا ما تستخدم عند الموت اوخسارة كبيرة.
وكأني بالشاعر ينْعَى قلبه الذي اجتاحه اليأس من لقاء الحبيبة.
ويعود الى تلك الترديدة الحزينة وهو يُسرّ الوجع والألم والحسرة فيذكرنا بخيباته المتكررة “كما يوم أمس.. كما اليوم ..لم تأت..”
انه يُسرّ الوجع لأن وجَعَه وجعان ومعاناته مزدوجة وخيبته خيبتان:
– خيبة ومعاناة من غياب الحبيبة .
– خيبة ومعاناة من فرار القصيدة.
ان غياب الحبيبة انجرّ عنه غياب القصيدة. فكانت معاناته مزدوجة.
لعل الشاعر هنا يثير جدلية الحبيبة والقصيدة فالحبيبة هي المُلهمة لكتابة القصيدة
والقصيدة هي التي تجسّد حبه للحبيبة.
انهما مثنى بصيغة المفرد:
مثنّى (الحبيبة+ القصيدة)= المفرد(المبدع)
ان المبدع أرفق قصيدته بتلك اللوحة التي تجسّد تلك الحبيبة الجميلة التي لم تأت
وهي حزينة ومفكرة وبين يديها آلة عزف ولعلّها تفكر في معزوفة معاناة هذا الحبيب الذي يعاني بدل المعاناة معاناة مزدوجة.
في هذا الاطار من ازدواجية معاناة المبدع ما رأي المشاكس في ذلك ؟؟؟
=== يتبع ===
=== يتبع ===
2- المشاكس عمر دغرير وجدلية العلاقة بين سعدى والقصيدة:
أسند المشاكس عنوانا لقصيدته “فقدت المرأة وفقدت الكلام” وهو عنوان مشحون بثنائية فقدان الحبيبة وفقدان القصيدة.
يستهل المشاكس بتذكير المبدع بالكوابيس التي يعيشها ليلا وتؤثر فيه وفي شاعريته .إنها كوابيس تتكرّر فتتكرر معاناته فيقول:
كما دائما
تزورك الكوابيس ليلا
وتترك في عينيك علامة..
كما حدث بالأمس
وقد يحدث غدا وبعد غد
تحاول أن تكون شاعرا عبقريا هُماما..
لقد استخدم المشاكس نفس معنى العبارة التي تتكرر فيها خيبات المبدع(كما حدث بالأمس/وقد يحدث غدا وبعد غد- كما يوم أمس.. تماما…يجيء نهاري..).
لئن كانت خيبات المبدع بسبب غياب الحبيبة الملهمة له والذي عقد لسانه عن كل قصيدة فان المشاكس قد جعل السبب في غياب سعدى التي استبدلها بالنساء فانتصر المشاكس لكرامتها وجعلها تظهر في الحلم بدل الواقع .
والمشاكس يلتقي هنا مع المبدع ليجعله يُوهم نفسه بعودة سعدى في رحلة شعرية
ولكن المشاكس جعلها وهي في الحلم تترفع عنه وعن القصيدة فيقول:
لكنك في حضور النساء
يحمرّ وجهك خجلا ويتلعثم لسانك
وتفقد النطق والكلام..
وفي الحلم بانت سعاد
على زورق يتمايل فوق مياه النهر
تحت سماء تغطيها غمامة..
وكنت فوق الجسر تنتظر قدومها
لتدعوها الى رحلة شعرية
وتقاسمك الصبابة والغرام..
ولكن سعدى على زورقها
عبرت نحو الضفة الاخرى
وما انتبهت ليدك المرفوعة وهي تبلغها السلام
وكأني بالمشاكس هنا يَهْمسُ في أذن سعاد لتتجاهل المبدع وتكون خيبته خيبتين:
– خيبة ترفّع سعاد عليه وتجاهلها له.
– خيبة خسارة “الرحلة الشعرية” وبالتالي خسارة القصيدة.
وفي هذا الاطار كأني بالمشاكس يُسرّ التشفي والشماتة في المبدع الذي تجاهلته سعاد وانتقلت الى الضفة الأخرى لتلتقي بمن احترم أنوثتها وحرك أنامل قلبها
وروى عطشها بجميل الكلام والقبل التي حُرمَتْ منها معه.
والمشاكس لم يعْمدْ للتشفي والشماتة من المبدع فحسب بل كأني به يترصّد استياءه من ترفّع سعاد ومن تجاهلها له بل واستبداله بمن يحترمها فيقول:
وساء ك ما رأيت في ذاك المساء
وكم وددت أن تبتلعك الأرض
قبل أن تهجرك سعدى وتأخذ معها قلبك والأحلام
لتلتقي مع من احترم أنوثتها
وحرّك أنامل قلبها
وروى عطشها بجميل الكلام والقبل…
و”جميل الكلام والقبل” يشي بجدلية العلاقة بين الحبيبة والقصيدة فسعاد التي اختارت غيره ستكون ملهمة له بالقصيدة دونه.
والمشاكس في ذلك وانتصارا لسعدى يُغيظ المبدع لأنه خسر من ستلهمه القصيدة.
ولئن كان غياب الحبيبة قد اجتاح قلب المبدع فان المشاكس قد جعل المبدع
يجتاح سعدى بأبشع النعوت ليتخلص منها فيقول:
وكل ما بقي لديها من الذكريات
صورتك وانت في قمة الغضب
وقد نعتها بالجائحات والعلل..
وكل ما بقي لديك منها
ورودها التي كانت تجففها بين صفحات الكتب
وأساورها الذهبية وخزانة الحلل..
والمشاكس يقابل بين ذكرياتها وذكرياته ليجعل ذكرياتها لديه أرقى من ذكرياته لديها التي اتسمت بالغضب بما فيه من عنف .
ويَخْتم المشاكس بحكمة يتناص فيها مع النص القرآني من سورة آعمران(159)
” ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضّوا من حولك”
والمشاكس لا ينفك عن وصف المبدع بأنه سيّئ الكلام قاسي القلب لذلك انفضت من حوله سعدى ولن تكون ملهمة له فيقول:
وان كنت نسيت أذكرك
بأنك كنت جافيا فظا غليظ القلب
فانفضت من حولك بلا أمل…
ولعل المشاكس تعمّد أن يُشعر المبدع بالذنب ليبقى نادما على فظاظته وهو بذلك خسر الحبيبة التي ستلهمه القصيدة.
وخلاصة القول فان كلا من المبدع حمد حاجي والمشاكس عمر دغرير قد وقف على ازدواجية المعاناة وعلى جدلية العلاقة بين الحبيبة والقصيدة وكل واحد منهما من وجهة نظره
وكأني بهما ومن وجهة نظر ميتاشعرية يتحدّثان عن هاجس القصيدة والتفكير في نفسها في علاقتها بالحبيبة.
سلم القلمان ابداعا ومشاكسة واقعا وحلما حبيبة وقصيدة.
بتاريخ 24/ 10/2024