شكرا أثيلا للناقدة التونسية القديرة الأستاذة جليلة المازني على تفضّلها بهذه القراءة التحليلية العميقة لومضتي من ديواني حين اشتهانا الغرق.
============
قراءة نقدية:” الومضة الشعرية بين الشهوة ونار الحب”
الشاعرة :سليمى السرايري(تونس)
الناقدة :جليلة المازني(تونس)
=== الومضة الشعرية(6)===
لم أكن أشتهي قُبْلتك
حين اشتعلتُ شوْقا
كنت فقط,
أمتطي صهوة الاحتراق.
================
الباب الأول” محطات عاشقة”
الديوان:”حين اشتهانا الغرق”
تستهل الشاعرة ومضتها الشعرية بفعل في صيغة المضارع المجزوم تخاطب فيه الحبيب وتنفي اشتهاءها قبلته فتقول:” لم أكن أشتهي قبلتك”
وهذا الاقرار والاعتراف بعدم اشتهاء قبلة الحبيب قد يثير فضول القارئ ليعرف سببه.
ان هذا الاقرار والاعتراف جمع بين “الاشتهاء والقبلة”.
وهنا قد يتساءل القارئ بفضوله:
– هل ان القبلة من الاشتهاء والشهوة؟
– هل ان الحبيبة ترفض شهوة القبلة؟
– هل ان الحبيبة غير راضية بالشهوة وتتوق الى الحبّ والعشق؟
– ما الفرق بين الشهوة الحبّ؟
– هل القبلة تعبير عن الحب أم عن الجنس؟
كل هذه الأسئلة قد يجد لها القارئ جوابا في غضون التحليل.
في هذا الاطار يقول الطبيب النفساني المغربي أبو بكر حركات المتخصّص في علم الجنس فيما يتعلق بالقبلة ان كانت القبلة تعبيرا عن الحب أم عن الجنس:” القبلة الايروتيكية ليست مرتبطة بالضرورة بالحب ,من الممكن أن تكون هناك قبلة جنسية بين حبيبين كما يمكن أن تكون بين شخصين تربطهما فقط علاقة رغبة جنسية “(1)
“والحب ليس له علاقة بالجنس كذلك الجنس ليس له علاقة بالحب. فالحب هو تقديرك لشخص ما ,تشوّقك لرؤيته والحديث معه .أما الجنس فهي غريزة يُفرغها الانسان وبعد ذلك تنتهي”(2)
ان الشاعرة جعلت الحبيبة ترفض شهوة القبلة في ظرف معين فتقول:
“حين اشتعلت شوقا”
ان الشاعرة تجمع بين الاشتعال والشوق.
انها نار الشوق
ويسألونك عن الشوق ؟؟؟
قل هو نار تشتعل لتحرق فؤاي.
الشوق هو ذاك الاحساس الذي أحسّ بحرارته تحرق جوفي ..هو ذلك “نار نارالشعور الذي لا أملك إلا أن أحياه وأنت بعيد عني ..نار شوقي قد أنهك ضلوعي”.(3)
لقد قيل في نار الشوق:
والله إن الشوق فاق تحمّلي// يا شوق رفقا بالفؤاد ألا تعي؟
و”الشوق حالة من اضْطرَام الحب دائما فأنت دائما في حالة شوق للحبيب
تعدّ الساعات لتكون معه..الشوق هو إحساس في القلب دائم الوجود ناحية حبيبك
سواء أكان قريبا منك أو بعيدا عنك”(4).
أن الشاعرة باسم الحبيبة تشتهي هذا الحب المضطرم المشتعل والذي به تحترق والاحتراق ذوبان واندغام والتحام وتماه في الحبيب بما يسببه من وجع وألم .
ولا طعم لحبّ دون وجع..انه عذاب الحبّ.
استخدمت الشاعرة معجمية لغوية (اشتعلت شوقا/ أمتطي صهوة الاحتراق)لتعبر عن مدى شوقها للحبيب هذا الشوق الذي تجاوز الميل الجسدي (القبلة) له ليصبح ذوبانا في الحبيب وتماهيا به واندغاما وانصهارا فيه ليكون الحبيب والحبيبة مثنى في صيغة المفرد عاطفيا ووجدانيا وجسديا وروحيا ..
لعله الحب الروحي الذي يأسرُ العقل والروح والجسد وهو من أشرس أنواع الحب وقد يكون الحب الصوفي في ذوبانه في الحبيب.
ان هذا الإشتعال والاحتراق هو نوع من الغرق لكنه الغرق في النار حيث يذوب فيها كل شيء تماما كما الغرق في الماء.
وفي هذا الاطار فان هذه الومضة الشعرية مشحونة بمفارقة عجيبة .
انها ثنائية الشهوة والحب:
فهل الشهوة لا تعني الحب؟
ان الحبيبة تنفي عن نفسها الشهوة الجسدية المتمثلة في القبلة لان الشهوة شيء غير الحب وأقل منه بكثير.
يقول الدكتور مصطفى محمود في كتابه (لغز الموت)” والحياة الخالية من الحب
حياة باردة موحشة سخيفة خالية من الحماس والطعم والبهجة تنساب فيها الشهوات ميتة من الملل والضجر والفراغ..
والشهوة لا تُسْعفُنا ولا تُطفئ عطشنا ولا تُعوّضُنا عن الحب
والشهوة وسيلة للهروب فقط نبدّد بها نشاطنا ونتخلص منه
انها مثل الخمر والقمار والمخدرات وسيلة للاغماء والاعياء”.
وبالتالي فان الحبيبة تعتبر ان اشتهاء القبلة الباردة والسخيفة والخالية من الحماس لا يطفئ عطشها ولا يُخمد نار شوقها للحبيب فاشتعال شوقها واحتراقها قد بلغ منتهاه(صهوة الاحتراق)حدّ الاحتراق بنار عشقه والذوبان فيه ليصبحا جسما واحدا يتماهى الواحد منهما في الآخر.
سلم قلم الشاعرة سليمى السرايري المتميز والذي جعلها تشتهي الغرق في نار الحب اشتعالا واحتراقا وذوبانا في الحبيب غير مكترثة بشهوة عابرة كالقبلة .
بتاريخ:26/10/2024
المراجع:
https://www.dw.com(1)
القبلة في الثقافة العربية: تعبير عن الحب أم عن الجنس؟
https://ar.quora.com>(2)
هل الجنس يولد الحب ام الحب يولد الجنس؟
https://mawdoo3.com>…>(3)
خواطر نار الشوق- موضوع
https://ar.quora.com>..(4)
ما هي العلاقة بين الشوق والاحتياج؟
www.dw.com