فى مثل هذا اليوم 7نوفمبر 1973م..
مصر والولايات المتحدة تستأنفان العلاقات الدبلوماسية الكاملة بينهما بعد قطيعة استمرت نحو ستة سنوات منذ حرب 1967.
مكن القول إن العلاقات الدولية لا تعرف الاستمرار على نسق واحد، فهي بطبيعة الحال تتعرض لعوامل ومؤثرات داخلية وخارجية، تلقي بظلالها على واقع المجتمع الدولي والعلاقات بين عناصره، ولعل هذا ما يبرر حدوث حالة المد والجزر في علاقة دولة مع أخرى، فأي علاقة دولية هي تعبير واقعي عن انعكاسات هذه المؤثرات علي سياسة الدولة تجاه الدول والمنظمات الدولية الأخرى. فعلى سبيل المثال، فإن الحرب العالمية الأولى والثانية كانتا ومازالتا النموذج التاريخي الأمثل الذى يمكن من خلاله توصيف تأرجح العلاقات الدولية، فعدو الأمس أصبح صديق اليوم، هذا هو الحال بالنسبة لمجال يناقش أو يعالج قضية واسعة ومتشابكة من التفاعلات بين كيانات عدة ومختلفة فى طبيعتها.
“في السياسة ليس هناك عدو دائم او صديق دائم، هناك مصالح دائمة”.
ونستون تشرشل
وعندما نتعرض للعلاقات المصرية – الأمريكية، فهي ليست بمنأى عن الطبيعة المرنة للعلاقات الدولية التي تتشكل حسب العوامل والمؤثرات المتباينة زمنيًا، وعلى الرغم من أي تباينات أو اختلافات بين الإدارتين المصرية والأمريكية في طريقة التعاطي مع الأحداث العالمية إلا أن كليهما يدركان أهمية ومحورية كلا منهما للأخر وللمنطقة وللعالم، حيث إن طبيعة العلاقات المصرية – الأمريكية ممتدة منذ حكم الرئيس السادات، وظلت هذه العلاقات عنوانها الرئيسي هو الشراكة بين دولتين، مصر بحجمها الإقليمي صاحبة الثقل السياسي والاقتصادي والعسكري في محيط مجالها الإقليمي والحيوي ودورها المحوري في حفظ الأمن والسلم الدولي عبر رؤيتها في تعزيز ودعم خيار السلام كخيار استراتيجي لحل أي مشكلة أو أزمة عالقة، والولايات المتحدة التي تمثل بمفردها قطبا في المنظومة الدولية ذات القدرات السياسية والاقتصادية والعسكرية الهائلة، بالإضافة إلى شبكة علاقات واسعة بمنطقة الشرق الأوسط، وتنوعت العلاقة بين البلدين، لتشمل مجالات التعاون السياسي والعسكري والأمني والاقتصادي والتنموي.
وعلى الرغم من أي توترات قد تشوب العلاقات المصرية – الأمريكية إلا أن صناع ومتخذي القرار في كلا البلدين وضعا حدا فاصلا بين الخلاف القائم على اختلاف وجهات النظر وضرورة الحفاظ على العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، فنجح الطرفان في الحفاظ على مجموعة المصالح الاستراتيجية لكل منهما. فالقاهرة تريد الحفاظ على التوازن الاستراتيجي في المنطقة بما في ذلك خطتها الرامية إلى الحفاظ على حقها في تطوير قدراتها العسكرية والاقتصادية التي تمكنها من محاربة الإرهاب – الخطر الأكبر الذي يهدد المنطقة والعالم، والذى تحاربه الدولة المصرية بضراوة منذ عام 2011 – وقد حققت في هذا المضمار انتصارات كبيرة وأصبحت مصر قبلة تقصدها الدول التي تعانى نفس الخطر الذي يهدد كيان الدولة واستقرارها، بل ووجودها، كما أن الولايات المتحدة تريد الحفاظ على التسهيلات التي تحصل عليها بالعبور من قناة السويس للمرور إلى مسارح عملياتها في المنطقة، خاصةً إلي الخليج والمحيط الهندي، بالإضافة إلى الحرص المشترك على الحفاظ على السلام مع إسرائيل. وقد سعت الإدارة الأمريكية إلى المزيد من تعزيز هذه العلاقات خاصة في مجال التعاون العسكري، ولعل أبرز أوجه هذا التعاون هي مناورات النجم الساطع والتي تعتبر من أكبر التدريبات متعددة الجنسيات في العالم والتي تجرى في الخريف كل عامين في مصر منذ عام1980، وقد تعرضت هذه المناورات للتوقف في عامى 2011 و2013، وذلك بسبب الأحداث السياسية والأمنية التي مرت بها مصر عقب خلع نظام الرئيس الأسبق حسنى مبارك، ثم الثورة الشعبية على تنظيم الإخوان الإرهابى في ثورة 30 يونيو 2013، وما تلتها من أعمال إرهاب وعنف من قبل عناصر التنظيم، ثم عادت بفاعلية في أعوام 2017 و2018 و2021، وذلك لأهميتها الاستراتيجية لمصر وللولايات المتحدة الامريكية والدول المشاركة بها.
أهمية الدور المصرى فى محيطها وإقليمها:
توقن الإدارة الأمريكية أن استقرار الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط مرتبطا ارتباطا وثيقا بالقاهرة، وأن أكثر من يجيد قراءة وتحليل المشهد في المنطقة هم المصريون، وأن مصر هي النواة الصلبة لمنطقة الشرق الأوسط والعالم العربي ورمانة الميزان لاستقرار المنطقة، وهذه بالمناسبة ليست رؤية الإدارة الأمريكية فقط، بل رؤية أغلب إن لم يكن كل القوى الدولية المؤثرة في العالم. وتقوم الولايات المتحدة الأمريكية بترجمة هذه القناعات بالتواصل والتشاور الدائم مع المسئولين المصريين في جميع قضايا وأزمات الإقليم، خاصة فيما يتعلق بتطورات القضية الفلسطينية ومسار عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وقد ظهر ذلك جليا عقب أحداث اعتداء القوات الإسرائيلية على المصلين في القدس واستمرار عمليات التهويد والاستفزازات الممنهجة من قبل الجماعات اليهودية المتطرفة، والتي تطورت إلي عملية عسكرية ضد قطاع غزة، فكانت حركة مصر بوتيرة أسرع من أي قوى إقليمية أخرى تريد اقتناص الفرصة لتأزيم الوضع الفلسطيني، مما يزيد من معاناة الشعب الفلسطيني وممارسة الابتزاز السياسي على حساب دماء الأطفال والنساء وكبار السن في قطاع غزة والضفة. تحركت مصر الدولة بكل مؤسساتها وأجهزتها، وفى أيام وجيزة نجحت القاهرة في الوصول لاتفاق أَفْضَى إلى وقف الأعمال العدائية في قطاع غزة وإسرائيل، كما نجحت في إرسال أسطول من المساعدات الإنسانية لقطاع غزة متضمنا مساعدات غذائية وطبية ومواد بناء ومواد بترولية ودخول لعناصر الإسعاف والإنقاذ المصرية، بالإضافة إلى قيام شركات المقاولات المصرية بعملية إعادة إعمار قطاع غزة، هذا إلى جانب جهود الدولة المصرية متمثلة في جهاز المخابرات العامة التي تستهدف إنجاز ملف تبادل الأسرى وتوحيد الفصائل الفلسطينية. ولعل أبرز الجهود المصرية في هذا الإطار، كان قيام مصر برعاية اجتماعات الحوار الوطني الفلسطيني الذي جرى في بداية العام الجاري بالقاهرة الذى أوصى بمعالجة إفرازات الانقسام على أسس وطنية شاملة وعادلة، والاتفاق بين الفصائل على انتخاب المجلس التشريعي، ثم رئاسة السلطة وكذا دعم لجنة الانتخابات المركزية وتذليل المعوقات أمام عملها، بالإضافة إلى اتفاق المجتمعين على التعهد باحترام وقبول نتائج الانتخابات.
ولم تكن هذه التحركات النشطة التي كللت بالنجاح سوى ترجمة لثقة الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي في القيادة السياسية والأجهزة المصرية التي تسعي لإنهاء حالة الصراع والانخراط في عملية سياسية تستهدف إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
تلقت الولايات المتحدة الامريكية الحراك المصري بتقدير موقف شامل أكد الاستحقاق التاريخي الموكل لمصر منذ عام 1948 بالتعاطي مع ملف يشغل أولوية قصوي لدى الملايين من سكان منطقة الشرق الأوسط. فقد تلقى الرئيس السيسي في مايو الماضي من العام الجاري اتصالين هاتفيين من الرئيس الأمريكي جو بايدن يثني فيهما على جهود الرئاسة والدبلوماسية المصرية التي وصفها بالناجحة، كما قام وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بزيارة القاهرة في جولة شرق أوسطية أكدت على محورية الدور المصري في انهاء عملية الصراع بالمنطقة، والرغبة في إحلال عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
كما أن حركة الدولة المصرية النشطة في المشهد السياسي الليبي ساهمت في تثبيت رؤية الإدارة الأمريكية تجاه القاهرة باعتبارها طرف مؤثر وقوى لفك طلاسم وتعقيدات المشهد الليبي المتأزم بين محاولات مستمرة لفرض نفوذ القوى الإقليمية على مسار الأوضاع في ليبيا والتحكم في ثرواتها من جانب، وتحويل الأراضي الليبية لملاذ آمن للمقاتلين والمليشيات الأجنبية، من جانب آخر. ولعل تدخل الرئيس السيسي بالخط الأحمر في سرت والجفرة والذى أعلن عنه في يونيو 2020 في الوقت المناسب أوقف تقدم الميليشيات تجاه أي مناطق يمثل الاقتراب منها تهديدا للأمن القومي المصري، وقد انصاعت جميع الأطراف لإعلان القاهرة تحسبا لـرد الفعل المصري، فقد أكد هذا على ثقل الوجود المصري الذى يمكن له في أي وقت التدخل لتغيير المعادلة السياسية والعسكرية في ليبيا، هذا بالإضافة إلى عملية تعزيز العلاقات المصرية – الليبية، حيث عملت القاهرة على التشاور والتنسيق مع جميع مكونات المجتمع الليبي، وحرصت القاهرة على لقاء قادة وممثلين من المجلس الرئاسي والحكومة الانتقالية والجيش الوطني ومجلس النواب وشيوخ وعواقل القبائل الليبية الذين استقبلهم الرئيس السيسي في يوليو 2020 وكانت سابقة لم تحدث من قبل حين قام الرئيس السيسي بتفويض القوات المسلحة المصرية للدفاع عن ليبيا ضد أخطار التدخل في الشأن الداخلي، واستهداف قوات الجيش الوطني الليبي لتسهيل السيطرة على مصافى النفط والموانئ البرية والبحرية والجوية الاستراتيجية التي تستطيع من خلالها تهديد الأمن القومي للدول المجاورة لليبيا، هذا الأمر الذى لم ولن تقبل به مصر تحت أي ظرف، وتحت أي ذريعة.
كما استقبلت القاهرة العديد من الوفود الرسمية والشعبية الليبية لعقد جلسات حوار وطني (الحوار الليبي بالقاهرة 2020 الذي شمل عدة جولات لأجراء مناقشات حول الترتيبات الدستورية والمساهمة في تمهيد الطريق نحو تسوية سياسية تستهدف إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في ديسمبر المقبل).
ثوابت السياسة الخارجية المصرية:
ويمثل استقرار الأوضاع في ليبيا أهمية إقليمية ودولية كبيرة بشكل عام، وعلى وجه الخصوص يمثل الاستقرار السياسي والأمني في ليبيا أهمية استراتيجية لمصر، نظرا لكونها تشترك معها في حدود برية مشتركة وتقع في أولويات دوائر الأمن القومي المصري، حيث يبلغ طول الحدود المصرية الليبية نحو ألف و50 كيلو مترًا من الشمال عند البحر المتوسط وحتى الحدود المصرية – السودانية، وتقوم القوات المصرية بحماية ومراقبة هذه المساحة الشاسعة من الصحراء وشمالا في البحر الأبيض المتوسط ، وذلك لوقف عمليات الهجرة غير الشرعية، ونقل المسلحين والمقاتلين لأوروبا، ومواجهة نشاط الجريمة الدولية المنظمة التي تهدد شعوب العالم أجمع.
كما أن رؤية مصر تجاه الأحداث في سوريا واليمن قد ثبتت صحتها بعد سنوات من محاولات مصر إقناع المجتمع الدولي أن لا حل عسكري لهذه الأزمات، وأن الحل الوحيد يأتي عبر الحوار السياسي، وأن يكون هناك إرادة حقيقية وخطوات جادة لطرد العناصر المسلحة الأجنبية، وتصفية جيوب الإرهاب، وتجفيف منابع التمويل، وعودة السيادة كاملة للدولة الوطنية، وتوفير المساعدات والمنح الدولية لهذه الدول لكي تستعيد عافيتها وتكون قادرة على الاضطلاع بمسئولياتها تجاه شعوبها، وقد بذلت مصر جهدا كبيرا في ملف الأزمة السورية حيث استقبلت مصر أكثر من 500 ألف مواطن سوري، ينتشرون في كافة المحافظات والمدن المصرية وأصبحوا جزءا من الحياة المصرية ووفرت لهم الإمكانيات للمعيشة الآدمية ومعاملتهم معاملة المواطن المصري من حيث السكن ودعم الغذاء والخدمة الصحية والتعليم والتسهيلات لفتح المشروعات الاقتصادية التي تمكنهم من ممارسة الحياة بشكل طبيعي. أما خارجيا، فقد تمسكت القاهرة في المؤتمرات والفعاليات الدولية بوجهة نظرها الرافضة لأى أطروحات تتحدث عن خيار عسكري أو حلول تستهدف تغيير الديموجرافية السورية أو تحويل الأزمة السياسية إلى أزمة طائفية أو مذهبية، كما رفضت التدخل الأجنبي في الشأن الداخلي لسوريا ودعت لوقف هذه التدخلات التي فاقمت الأزمة، وسعت لتعزيز الحوار الوطني السوري عبر قيام القاهرة باستقبال وفد من المعارضة السورية، حيث تم عقد مؤتمر من مختلف كوادر الطيف السياسي السوري والذي عقد في يونيو 2015، نتج عنه إصدار وثيقة بعنوان “خارطة الطريق للحل السياسي التفاوضي من أجل سوريا ديمقراطية ” تنص على استحالة الحسم العسكري للنزاع، وتم تدشين منصة القاهرة للمعارضة السورية في عام 2017 وأُسست من عدد من المشاركين في مؤتمر القاهرة للمعارضة السورية 2015، وتضم “تيار الغد”، و”شباب الحراك الثوري”، و”مجلس سوريا الديمقراطية ” و”المجلس الوطني الكردي”، والآشوريين والعروبيون وجهات مستقلة، ولم يتوقف السعي المصري عند هذا الحد، بل أعلنت القاهرة على لسان وزير خارجيتها سامح شكري عن دعم مصر لعودة سوريا لمقعدها بجامعة الدول العربية.وتأتي الاستجابة المصرية النشطة للأزمة السورية من إدراك مصر خطورة تفتت وانهيار تام للدولة السورية، والذي سيؤدى إلى اختفاء دولة من أقدم الدول بالمنطقة وسيطرة قوي إقليمية أخرى عليها، والتي ستكون بمثابة خنجر في خاصرة العرب، الأمر الذي يضر بالتوازن الاستراتيجي بالمنطقة.
كما عملت مصر على فتح خط اتصال مباشر للتنسيق مع الأشقاء في العراق والأردن لتوحيد الجهود الرامية لتعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية بين هذه الدول، كانت نتيجته إعلان مشروع الشام الجديد، والذي سيحد من تمدد الدول الإقليمية في المنطقة، حيث سيتم مد خط أنبوب نفطي من ميناء البصرة جنوب العراق وصولا إلى ميناء العقبة في الأردن، ومن ثم مصر معتمدا على المخزون النفطي العراقي الهائل، والقدرات البشرية والفنية الموجودة في مصر والأردن لتكريره وتصديره إلى أوروبا. أيضا تزويد العراق بالكهرباء، وكذلك ستتولى شركات مصرية وأردنية ملف إعادة إعمار العراق، وتصدير مواد البناء وحديد التسليح إلى العراق.
إن هذا التحالف للدول الثلاث يُكسبها ثقلًا كقوة فاعلة قادرة على التأثير فى التوازنات الإقليمية داخل المنطقة العربية والشرق الأوسط أمام قوى غير عربية. وكذلك يمنحهم أدوات جديدة لسياساتهم الخارجية قد تمكنهم من الضغط والتفاوض في العديد من القضايا والتحديات التي تواجههم. ولعل أبرزها قضية المياه حيث تعاني الدول الثلاث من فقر مائي؛ فمصر تواجه أزمة مياه النيل والتي تعد أحد أكبر وأخطر التحديات التي تواجهها، كما تعد مشكلة المياه في العراق من أكثر المشكلات تعقيدا، حيث انخفض منسوب المياه بحدة في مياه دجلة والفرات المتدفقة من دول الجوار بعد تشغيل “إليسو” . أما الأردن فيعتبر من أفقر 10 دول في العالم في مصادر المياه الطبيعية ويمثل ملف المياه أهم ملف للتفاوض بينها وبين إسرائيل.
كما يبرز تفاعل مصر مع الأحداث في لبنان وتقديمها الدعم الإنساني اللا محدود وتواصلها مع الأطراف السياسية والتشجيع على تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم مختلف الأطياف في لبنان لانتشال البلاد من الأزمة الاقتصادية والإنسانية الطاحنة التي تضرب فيه بدون رحمة، والتي تستغلها أطراف داخلية تدين بالولاء لقوى خارجية تري في لبنان مقاطعة تابعة لها، ليس من حقها الوجود في النظام العالمي كدولة مستقلة ذات سيادة.
ومن أبرز أوجه الدعم التي قدمتها مصر للبنان المساعدات الإنسانية والطبية لمواجهة آثار انفجار مرفأ بيروت في أغسطس2020، وتطوير المركز الطبي الاستشفائي المصري بلبنان، وهو مستشفى ميداني مقدم من القوات المسلحة المصرية لتقديم الخدمات الطبية للأشقاء اللبنانيين، وقام هذا المركز بدور فعال في تلك الحادثة، حيث قام باستقبال المصابين وتقديم الرعاية الطبية اللازمة لهم، ويقدر عدد المستفيدين من هذا المركز منذ إنشائه حتى الآن ما يقرب من مليون 817 ألف مريض وجريح، بالإضافة إلى أطنان من الأدوية والمستلزمات الطبية.
أيضا السودان، جبهة الأمن القومي المصري في الجنوب، حيث أولت مصر الاهتمام البالغ بالدولة الشقيقة والجارة، فعملت مصر على تقديم مختلف أوجه الدعم السياسي والعسكري والأمني والطبي والإنساني على مدار عقود، فدافعت مصر عن السودان الشقيق في المحافل الدولية ورفضت العقوبات الأمريكية المفروضة عليها، لأن القاهرة كانت ترى أن مزيدا من فرض العقوبات يعني تأزم الوضع الاقتصادي والإنساني في الخرطوم وما سيترتب عليه من تدنى لمستوي المعيشة وتدهور للأوضاع الصحية وعدم قدرة الدولة الشقيقة على الوفاء بالتزاماتها تجاه شعبها من توفير احتياجاته الأساسية واستغلال التنظيمات الإرهابية والمسلحة لهذه الأوضاع المتردية لتهديد الأمن والسلم في القارة الإفريقية، وامتداد التهديد لمنطقة القرن الإفريقي فرأت مصر ضرورة دعم السودان لمحاصرة نشاط التنظيمات الإرهابية في إفريقيا وفى منطقة الساحل والصحراء، فقامت مصر بتدريب الجيش السوداني وقوات الأمن على أحدث الوسائل والأساليب القتالية في مكافحة النشاط المتطرف، كما دعمت مصر حق السودان في جلب الاستثمارات الأجنبية لتحسين الأوضاع الاقتصادية، كما عملت مصر بعد الاحتجاجات في ديسمبر 2018 على مساعدة الحكومة السودانية الجديدة على تخطى الآثار السلبية الناتجة عن اضطراب الأوضاع والتركيز على تصحيح المسار السياسي، ولعل التعاون الاستراتيجي الكبير بين مصر والسودان مؤخرا لمواجهة أزمة السد الإثيوبي هو نتاج لتفاهمات واسعة بين قيادة البلدين، وتوحيد الرؤية تجاه التفاوض مع أديس أبابا (الخصم المراوغ) في هذه الأزمة، حيث اتفق الجانبان على استراتيجية واحدة لن تقبل المساس والإضرار بحياة أكثر من 150 مليون إنسان في مصر والسودان. وفى هذا الإطار، رفعت مصر حد التعاون العسكري إلى تنسيق كامل مفتوح ومباشر مع الخرطوم بشأن أي تهديدات للأمن القومي لكلا البلدين، هذا بالإضافة إلى قيام مصر بإرسال أسطول جوى يحمل مساعدات طبية وغذائية للأشقاء السودانيين لمواجهة آثار جائحة كورونا.
هذا الزخم الكبير الذي نجحت مصر في صناعته عبر بوابة السياسة الخارجية المصرية عقب ثورة الثلاثين من يونيو جعل منها محطة رئيسية لا يمكن تجاهلها أو تحييدها، كل هذا جعل القوة الأكبر في العالم تأتي للقاهرة لتسمع وجهة النظر المصرية في مختلف القضايا والملفات الشائكة، والتي تريد فيها مرجعية قوية، قادرة على تحليل دقيق، ونافذة لأحداث الشرق الأوسط، هذا التأثير الكبير جعل القاهرة، ليست فقط عضو ضمن المجتمع الدولي في إطار منظومة رد الفعل، بل هى عاصمة ضمن عواصم صنع واتخاذ القرار، تلك القدرة على تغيير المعطيات وإعادة ضبط موازين القوي في منطقة وإقليم شديدي الخصوصية تسيير فيه السياسة على طريق من الأشواك، وهذا هو قدر مصر التاريخي دائما الذي تحمل أعباءه عن طيب خاطر لحماية الأمن القومي العربي، وضمان سلامة المنطقة والإقليم.ّ!!