القصيدة بين الحبيبة العسكرية والغجرية

قراءة نقدية مزدوجة:
“القصيدة بين الحبيبة العسكرية والغجرية”
فقرة جمع بصيغة المفرد(مبدع / مشاكس/ ناقدة )
المبدع حمد حاجي (تونس)
القصيدة :”حبيبتي عسكرية”
المشاكس عمر دغرير (تونس)
القصيدة:”حبيبتك الغجرية”
الناقدة : جليلة المازني (تونس)
القراءة النقدية المزدوجة: “القصيدة بين الحبيبة العسكرية والغجرية”
أ- المشترك بين الابداع والمشاكسة:
– التناص المعجمي.
الخوف الذي راود المبدع-
– مواصفات الحب.
ب- المختلف بين الابداع والمشاكسة:
1- المبدع حمد حاجي والحبيبة العسكرية:
اختار المبدع حمد حاجي عنوان قصيدته “حبيبتي عسكرية” وهي مفارقة مدهشة جمعت بين رقة المشاعر وصرامة القرار وبين الحبّ والصلابة.
– هل ان المبدع يحمل لنا رسالة من خلال هذه العلاقة بين الحبيب وحبيبته العسكرية؟
– هل ان الحبيب رأى في هذه الحبيبة العسكرية ما لم يره أحد غيره؟
– هل رأى فيها ما قيل في الشخصية العسكرية:
“ان جوهر الشخصية العسكرية يتجلى في احترام الذات والثقة بالنفس والايمان بقدسية الرسالة الوطنية ومن أبرز السمات التي يجب أن تتصف بها الشخصية العسكرية لتكون على الصورة الميثالية وترقى الى مستوى التكامل: الحكمة والشجاعة والاخلاق والصبر والارادة والعدل والشهامة والنخوة والذكاء والحس
المرهف والانتباه الشديد والاستعداد”(1).
ولعل اللوحة المرافقة للقصيدة والتي تجسّد العسكرية جان دارك- التي قادت الجيش الفرنسي الى عدة انتصارات مهمة خلال حرب المئة عام – تدعم سبب حب المبدع للعسكرية في احترام الذات والثقة بالنفس والايمان بقدسية الرسالة الوطنية والحكمة والشجاعة والاخلاق والصبر والارادة والعدل والشهامة والذكاء والحس المرهف..
وفي هذا الاطار يَسْتهلّ المبدع قصيدته بمقابلة معنوية بين قوة الحبيبة العسكرية وضعفه:
– قوتها في رتبتها العسكرية ومالها من مواصفات استثنائية.
– ضعفه في روعه وخوفه أمام رتبتها العسكرية وقوة شخصيتها
يقول المبدع: وأخفيت…
فوق صفائح رتبتها العسكرية روعي وخوفي..
حتى اضمحلا.
ان هذه المقابلة مشحونة بذمّ يفيد المدح. .انه ذمّ لضعفه في خوفه منها ليمتدح جرأته في الاقتراب منها رغم خوفه الذي اضمحل بقربه منها.
ان هذه الجرأة الممزوجة بخوفه جعلته يتدرّج في الاقتراب منها خوفا من ان تصدّه فيقول:
وقررت أقرب شيئا قليلا..
فقالت :تريد التعرف؟
بادرتها قلت: هلّا..
ان المبدع كان وفيّا لشجاعتها وحكمتها وثقتها في نفسها فجعلها تخاطبه بكل شجاعة دون مراوغة او تمنّع “تريد التعرّف؟”
والحبيب رحّب بشجاعتها التي راهن عنها عند الاقتراب منها.
والمبدع “الحبيب” بقدر ما أنه لا يخفي عنّا مدى اعجابه بتروّيها ورصانتها فجعلها تحقق في مدى صحة نيته وجدّيته في امكانية التقرب منها بقدر ما يفتخر بنفسه وهي متضاحكة وفرحة بتقربه منها فيقول:
فوافت..
تحقق في نيتي متضاحكة..
في اهتزاز كعصفورة تتقلّى..
والمبدع يدعم شكّها في مدى ثقتها به وكأني به يُؤيدها في تحقيقها لكل ذلك بل يعتبر ذلك من مهام العساكر في المطلق. فيقول:
فوافت…
تحقق في نيتي متضاحكة
في اهتزاز كعصفورة تتقلّى..
وان العساكر مهما حلفت لهن
فشك ديوم وظن طويل..
فدوما عسى ولعلّ..
من خلال الفجوات النصية قد يتدخل القارئ وقد يعتبر أن الشاعر الحبيب ولئن أوْهَمنا بتأففه من هذا الشك الديوم والظن الطويل فهو لا يخفي عنّا مدى مُتعته بهذا التروي وهذه الحكمة في عدم تسرّعها وعدم طيشها.
وهذا الاعجاب جعل الحبيب يُواعدُها ليلتقيا بعيدا عن الشغل وعن كل مشاغلها
والتفرّغ للصبابة والحبّ مُغدقا عليها عسل الشعراء الذي هو بضاعته التي أغراها بها واستجابت اليه فيقول:
وواعدتها فالتقينا..
فقلت لها:
اتركي جنبك الشغل والأمن والسرّ ظلا..
تعالي نؤثث لنا بالصبابة عشّا
ونبنه عودا وقشا
وفي الشمس نفتح محلّا..
وتعرف يا صاحبي
عسل الشعراء على الكلمات وحذقي الفنون..
وأغدقت قولا..
ان هذا الكرم في عسل الشعراء تدرّج به الشاعر الحبيب الى حاسة اللمس ليلمس يديها متمنيا لو عرفها من قبل فيقول:
ولم أبرح الساح حتى
لمست يديها
وقلت لها حازما..ليتني قد عرفتك قبلا..
وبهذا التمنّي كأني بالشاعرو بلمسته الشاعرية ليديْها يَشُدُ على يديْها اكبارا لها وفخرا واعتزازا بها.
وها هي تفاعلت معه ومع معسول كلامه وتجلّى ما كانت تخفيه من كبرياء يمنعُها من الاستجابة اليه وهذا ما جعله يتجاوز كل الحواجز التي تفصل الحاكم عن المحكوم ليجعل الحب يساوي بينهما فيقول:
وأحرقها مثل أقباس
دفء المجاز وعمق المعاني
وما كان خفيا تجلىّ..
وما عدت أخزر رتبتها العسكرية قطّ
ولا بارقات النياشين..
أو وهبتني الأقلّ..
وبالتالي فالحبّ لا يعترف بالفوارق الاجتماعية والسياسية بين الحبيب وحبيبته.
ويختم الشاعر “الحبيب” بحوار بينهما يكشف المواقف الايجابية والنوايا الحسنة بينهما حين يبُوح لها بحبّها وهي من الحكومة بتضمين مقطع شهير من أغنية الفنانة شادية للشاعر عبد الرحمان الابنودي”شبكنا الحكومة” باعتبار ان حبيبته العسكرية تنتمي الى سلك الحكومة.
ويكون ردها مذهلا له ومُتوقّعا منها في نفس الوقت:
– مذهلا لانها جمعت بين الحب والسلطة فضمنت ردّها مقطعا شهيرا من بيت الشابي “اذا الشعب يوما..” فتقول:
اذا الشعب يوما أحبّ…
فهل تستطيع الحكومة يوما تراوغ او تتخلّى؟
– متوقعا لان الشاعر اختار حبيبته العسكرية لأنها تجمع بين الارادة الوطنية والحس المرهف لحبيبها.
=== يتبع ===
=== يتبع===
وفي هذا الاطار فان الشاعرالحبيب قد جعل قصيدته حمّالة لرسالتين:
1- الرسالة الأولى: ان الشاعر الحبيب قد تجاوز النظرة الدونية للمرأة التي تجعل الشاعر يتغزل بالمرأة الجسد والمرأة المثيرة للشهوة وهي نظرة تقليدية راجت في شعر الغزل من شعر الروماني أوفيد وعمر ابن أبي ربيعة وبشار بن برد الى ان كان نزار قباني خلاصة في سياق عصري فكان الغالب على شعره الاشتهاء الحسي لا الحب والعواطف .
بيد أن المبدع حمد حاجي قد ارتقى بالمرأة الحبيبة الى المرأة الحبيبة الانسان في حكمتها ورجاحة عقلها باختيار الحبيبة العسكرية في جمعها بين العقل والقلب وبين الارادة والحب..
2- الرسالة الثانية: ان الشاعر الحبيب قد تصرّف كالمصلح الاجتماعي السياسي حين جمع بين الشعب والحكومة بالحبّ.
ولم يفُتْ الشاعر أن يجعل هذه الرسالة على لسان حبيبته العسكرية ايمانا منه بسلطة الحبيبة العسكرية عليه وقناعة منه ان حبيبته العسكرية قد جمعت بين الحسّ المرهف(الحب) وبين الارادة الوطنية(السلطة)
وفي هذا السياق ما رأي المشاكس عمر دغرير؟؟؟
2- المشاكس عمر دغرير والحبيبة الغجرية:
ان المشاكس يختار عنوانا لمشاكسته “حبيبتك الغجرية” .
انه منذ العنوان ينفي عن حبيبة المبدع العسكرية قوّتها المتمثلة في عقلانيتها وإرادتها وحسّها المرهف وثقتها بالنفس ليجعلها بمواصفات غجرية تحقيرا لها.
فما هي صفات المرأة الغجرية؟
انها من الغجر الذين هم “أمّة حلّ وترحال يتواجدون على أطراف المدن
ويعيشون من مهن معدودة كالغناء والرقص وقراءة الكفّ.
والغجر المهاجرون شعب غير منتج وغير متعلم وغير مستقرّ”(2).
ان هذا الحل والترحال وظفه المشاكس ليجعل علاقة المبدع بهذه الغجرية هي علاقة عابرة وهمية وبالتالي غير مستمرة في الزمان لان المكان غير قارّ.
يقول المشاكس: وأخفيت..
تحت الوسادة رسائل عشق كنت نسختها
من حكايات ألف ليلة وليلة..
وكنت تودّ ارسالها عبر البريد السريع
غير ان الحبيبة لا تملك عنوانا قارا او محلا…
من خلال هذه الفجوات النصية قد يتدخل القارئ متعاطفا مع المبدع حينا وقد يعتبر ان المشاكس قد نفى عنه حتى صفة الابداع حين جعل رسائله الى المعشوقة
منسوخة من حكايات الف ليلة وليلة.
وقد يتعاطف مع المشاكس حين اعتبر في لهجة متهكمة ان حبيبة المبدع متسكعة لا تستقر بمكان.
والمشاكس لن يستطيع ان يخفي على القارئ انه يذمّ ليمتدح ويهْدمُ حبّا عابرا ليُحْييَ حبا قديما:
– يذمّ حبّ حبيبة المبدع التي وصفها بالغجرية المتسكعة و المستجدية ليهدم هذا الحب العابر.
– يمتدح حب المبدع القديم لأيقونة الحب المعتق سعدى لإحيائه بمشاعر المبدع.
وبالتالي فانه يقابل بين أصالة سعدى ووجاهة أهلها بتسكع الغجرية وتشردها اثناء حياة الترحال فيقول:
وما دمت تخاف من اهل سعدى
وقد سبق ان اطردوك ولا اهلا بك ولا سهلا..
فكانت اسنانك تصطكّ وشعرك يقف كما الاشواك
كلما موكبها امامك هلّ..
كما نسمة من الهواء باردة
ترجف الجسم
يرتعد قلبك اذ بسحر عينيها اكتوى وعلّ..
تتابع اخبارها من بعيد وترجو من الله
ان يلهمك الصبر فقد ترق لحالك
ويطول انتظارك ولن تملّ…
وكم حاولت الوصول اليها
ولكن اهلها منعوك
وهي لم تعلم بوجودك اصلا..
ومثل الغجريات كانت ترقص
في الساحات نهارا
وتحت الخيام تبيت مع الاهل ليلا..
لقد ركّز المشاكس على خوف المبدع تماما كماأظهر المبدع خوفه في قصيدته.
ولئن أظهر المبدع خوفه اجلالا لحبيبته العسكرية لما تحظى به من رتبة عسكرية
فان المشاكس جعل المبدع يرتعد خوفا من أهل سعدى الذين يرفضونه ومن موكبها اذا هلّ أمامه.
وأكثر من ذلك فان المشاكس قد جعل المبدع يتسكع في الطرقات مُقْتفيا أثر عطر سعدى لينتهي به المطاف الى حانة البحر مدمنا على شرب الخمر لتقوده شرطة الاخلاق صباحا الى السجن دون أن يعرف المشكلة ولا الحلّ.
يقول المشاكس:
وكنت مثل اللصوص
تجوب الشوارع في الظلمات
وتقتفي عطرها ولن تتعب او تكلّ..
وتحملك قدماك الى حانة البحر
فتسكر قبل ان تفترش الارض وتنام
وتحت رأسك تضع النعل..
وفي الصباح تفاجئك شرطة الأخلاق
ويقودونك الى السجن
دون ان تتذكر ما حلّ بك فعلا..
وتبقى لساعات في حيرة
تناجي الله فقد يساعدك في محنتك
ويبعث لك الحل…
ان المشاكس عمر دغرير قد جعل المبدع حمد حاجي يعيش بعيدا عن سعدى حالة مُزْرية بسبب حبّ عابرلمُتسكعة ومُسْتجدية برقصها وبغنائها بالشوارع
ولعل المشاكس وهو يندّد بالحب العابر للغجرية ويُشيد بالحب الدائم لسعدى يلتقي مع المبدع في ان الحبّ الحقيقي تجسده الحبيبة الانسان بعيدا عن حبّ الشهوة .
انه حب المرأة الانسان مع حبيبة المبدع العسكرية بإرادتها وحسها المرهف وبوفاء سعدى وحبها المعتق.
سلم القلمان ابداعا ومشاكسة حبيبة عسكرية او سعدى الايقونة.
بتارريخ 10/11/2024
المراجع:
https://www.lbarmy.gov.lb>content(1)
الروح المعنوية العالية عامل ضروري لصقل الشخصية العسكرية
https://doc.aljazeera.net>reports>..(2)
أبناء الريح.. الغجر أمة الأساطير والرقص والترحال ا تقارير الجزيرة الوثاقية.