في مثل هذا اليوم16 نوفمبر636م..
بداية معركة القادسية بين المسلمين بقيادة سعد بن أبي وقاص والفرس بقيادة رستم فرخزاد، وبها انتهى عصر الساسانيين.
وقعت معركة القادسية في 13 شعبان من السنة الـ15 للهجرة على أرجح الأقوال، وكانت بين المسلمين بقيادة سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- والفرس بقيادة رستم فرّخزاد، وانتهت بمقتل رستم وانتصار المسلمين.
أعلن يزدجرد الثالث حالةَ الطوارئ والاستنفار العام في عموم بلاد فارس، وشَرَع بإعداد جيش قوي بأفضل ما لديه من عتاد، وضمّ إليه أفضل عسكريي الفرس، وأسند قيادته إلى القائد “رستم” لعبقريته في الحرب، ومهارته في القتال.
وفي المقابل، أعلن الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- حالة الطوارئ والاستنفار العام في جزيرة العرب، وذلك لإعداد جيش إسلامي كبير يواجه جيش الفرس، ويباغتهم في عقر دارهم، قبل خروجهم لغزو المسلمين.
كان هذا جزءا من المشهد العام قبيل معركة القادسية، إحدى أهم معارك الفتح الإسلامي حسب تصنيفات المؤرخين، والتي أدت إلى فتح العراق وإنهاء وجود الفرس فيه.
أسباب المعركة
سبقت معركة القادسية صدامات عسكرية متكررة بين المسلمين والفرس في جبهة العراق، وذلك أثناء خلافة أبي بكر الصديق وبداية خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، إلا أنها لم تصل إلى صدام عسكري حاسم، أو ما يسمى في العصر الحالي حربا شاملة
فرغم هزيمة الفرس في معركة البويب بقوا في العراق، وعززوا سيطرتهم على البلاد سياسيا وعسكريا، مما جر الأمور حتى وصلت حدّ مواجهة عسكرية نهائية وحاسمة بين الطرفين.
دبت الخلافات في صفوف الفرس بعد هزيمتهم بمعركة البويب، وانتشرت حالة من الاستياء بين قادتهم الذين حُمّلوا المسؤولية عن الهزيمة بسبب خلافاتهم وتفرّقهم.
وبعد نقاش بين القادة اتفقوا على اختيار ملك من نسل كسرى فارس، وتم تنصيب يزدجرد بن شهريار بن كسرى، وما لبث فور تسلمه مقاليد الحكم أن أخذ على عاتقه إعداد تنظيم صفوفه وترتيب قادته وجيشه، و”استعادة هيبة الدولة الفارسية أمام عدوها الجديد”.
مفاوضات ما قبل معركة القادسية
أمر عمر بن الخطاب القائد سعد بن أبي وقاص في العراق بأن يرسل إلى ملك الفرس يزدجرد رسالة يدعوه فيها إلى الإسلام، فسار وفد إسلامي من القادسية إلى المدائن للقاء قادة الفرس ودعوتهم للإسلام.
وقاد الوفد النعمان بن مقرن، وتحدث مباشرة إلى يزدجرد، ودعاه إلى الإسلام بلين ولطف وأوضح له الخصال الإسلامية الحميدة كالرحمة والعدل، وبيَّن له فضلَ الإسلام ورحمته بالناس، وعدله وإنصافه.
لكن يزدجرد اعتقد أن حُسن معاملة الوفد الإسلامي دليل على ضعف المسلمين، فعاملهم معاملة دنيئة وأخذ ينعتهم بأنهم من أشقى الأمم وأقلها عددا وأسوئها حالا.
واستمرت رسلُ المسلمين بالتوافد على رستم بأمر من سعد بن أبي وقاص، وكان لدى المسلمين هدف واضح، فخيّر ربعي بن عامر رستم بين 3 خيارات، إما الإسلام وإما الجزية، وإما المناجزة (القتال)، وبعد رفض رستم الصلح، أصبح اللقاء العسكري بين الطرفين الحل الوحيد.
أحداث معركة القادسية
فشلت المفاوضات بين المسلمين والفرس، وقرروا المواجهة العسكرية، فأقام سعد بن أبي وقاص في قصر قديم حيث كان يُشرف منه على الجيش ويعد خطة المعركة، وذلك لعدم مقدرته على المشاركة في المعركة بسبب إصابته بعرق النسا ودمامل في جسده، فأدار المعركة من فوق القصر، وجعل خالد بن عرفطة العذري قائدا للجيش.
واختار سعد بن أبي وقاص موقعا مناسبا في القادسية قرب قصر القديس، حيث بقي الجيش الإسلامي لمدة شهر حتى ظنوا أن الفرس اجتنبوا القتال، وما لبث بعدها إلا أن حضر جيش الفرس بقيادة رستم واختاروا مكانا مناسبا لهم أيضا.
وخيّر رستم قائد الجيش الإسلامي بين أن يعبر المسلمون نهر العتيق أو يَعبر الفرس، فاختار سعد أن يعبر الفرس النهر، فأراد رستم أن يعبر بالجيش من القنطرة التي على النهر، لكن جيش المسلمين منعهم من ذلك.
ودامت أحداث المعركة 4 أيام، عُرفت بقساوتها وشدتها، حيث حارب جنود الجيش الإسلامي لأول مرة في الليل، على الرغم من أن من عادة العرب ألا تقاتل ليلا، ولكن تطلّب الأمر ذلك.
اليوم الأول “أرماث”
قدر جيش المسلمين بأكثر من 30 ألفا بقيادة سعد بن أبي وقاص، وجيش الفرس بحوالي 200 ألف بقيادة رستم، وضم 33 فيلا ضخما، وبدأت المعركة بهجوم جيش الفرس بكل قوتهم على قبيلة “بجيلة” التي كانت تقدر بخمس جيش المسلمين.
وعندما رأى سعد بن أبي وقاص قوة العدو والفيلة التي معهم، أصدر قرارا سريعا لإنقاذ بجيلة فأمر قبيلتي أسد وبني تميم برد الهجوم الفارسي الكاسح على بجيلة، وكان لسلاح الفيلة الفارسي أثر بالغ في معنويات المسلمين، ذلك أن الخيل لم تكن قد اعتادت على رؤية ومحاربة الفيلة، مما أدى إلى نفورها والابتعاد عنها.
فأمر سعد كتيبة خاصة من أمهر الفرسان بتحطيم التوابيت الخشبية المقامة على ظهور الفيلة، وبالفعل نجح عاصم بن عمرو في مهمته، وأخرج سلاح الفيلة من المعركة مؤقتا.
أدرك المسلمون في هذا اليوم قوة الفرس، وقد اعتادوا في المعارك السابقة انتهاء المعركة في يوم واحد وقبل الظهر، لكن هذه المعركة لم تتحقق فيها نتيجة حتى بعد غروب الشمس، وإن كانت الغلبة في ظاهرها لصالح الفرس.
اليوم الثاني “أغواث”
نقل المسلمون شهداءهم في بداية اليوم الثاني من المعركة لدفنهم في وادي مشرق يوم الجمعة 14 شعبان عام 15 للهجرة، وسلم الجرحى للنساء ليعالجنهم، وأعاد المسلمون شحن أنفسهم استعدادا لاستئناف القتال، ومنازلة الفرس في يوم أغواث.
وكتب الخليفة عمر بن الخطاب إلى أبي عبيدة بن الجراح (أمير الجيوش الإسلامية في الشام) أن يُرسل إمدادات من الشام إلى العراق لمساعدتهم، فأرسل أبو عبيدة 6 آلاف مقاتل يتقدمهم القعقاع بن عمرو التميمي أفضل مقاتلي المسلمين.
فكان هذا سببا عظيما في رفع معنويات الجنود المسلمين واستبشارهم بالنصر، فقد روي أن أبا بكر الصديق قال عن القعقاع “لصوت القعقاع في الجيش أفضل من ألف رجل”.
وقاد هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، وهو ابن أخ سعد بن أبي وقاص جيش الإمداد القادم من الشام، وفي مقدمته القعقاع، وفي أول تباشير صباح اليوم الثاني وصلت الفرقة القعقاعية، التي تتكون من ألف مقاتل.
وما أن وصلت كتيبة الإمداد إلى القادسية حتى اندمجت في الجيش ودخلت المعركة، ولتعزيز الروح المعنوية لدى المسلمين وتشجيعهم وخداع الفرس، أقدم القعقاع على مناورة عسكرية.
فقد قسَّم فرقته إلى أعشار، وهم ألف فارس، وانطلق أول عشرة ومعهم القعقاع، ثم تبعتهم العشرة الثانية، وهكذا حتى اكتملوا مساء، وأدى ذلك إلى إيهام الفرس بأن 100 ألف قد وصلوا من الشام، فشعروا باليأس ووهنوا، وحذا حذو القعقاع قادة مدد الشام جميعهم
طلب القعقاع بن عمرو التميمي مبارزة قادة جيش الفرس، فوافق القائد الفارسي بهمن جاذويه، ويُدعى أيضا ذا الحاجب (هو الوحيد الذي انتصر على المسلمين من قبل في موقعة الجسر) فتمكن القعقاع من قتله، ثم طلب القعقاع من يبارزه مرة أخرى، فخرج كل من البيرزان والبندوان، وانضم إلى القعقاع الحارث بن ظبيان بن الحارث، فبارز القعقاع البيرزان فضربه فأطاح برأسه، بينما بارز الحارث البندوان فضربه فأطاح به، وبذلك انهارت معنويات جيش فارس بعدما خسروا خيرة قادتهم.
غابت الفيلة عن يوم الأغواث، حيث احتاج جيش الفرس وقتا لإصلاح التوابيت التي حطمت من على ظهور الفيَلة، وانتهى اليوم الثاني لصالح المسلمين، وأثبت فيها القعقاع قدرة وقوة المسلمين في القتال.
وحيّد القعقاع سلاح الخيل الفارسي من ميدان القتال، وذلك بإلباس الجمال خرقا وبراقع، فنفرت خيل الفرس وفرت هاربة، فلحقتهم خسائر كبيرة، وعندها سدد المسلمون ضرباتٍ قوية لقوَّات الفرس.
اليوم الثالث “عِماس”
على غرار يوم الأغواث، بدأ المسلمون يوم عِماس بنقل شهدائهم إلى وادي المشرق ودفنهم، ونقل الجرحى للعلاج، ونفذ القعقاع خطته بأن يستقبل المقاتلين مائة مائة، حتى يكبر عدد الجيش بالتدريج.
وفي هذا اليوم فاجأ الفرس المسلمين بإحضار الفيلة مرة أخرى، ولكن سرعان ما تطوع القعقاع وعاصم، فاستهدفا الفيل الأبيض، وهو أكبرهم ويسمى فيل سابور، وفقآ عينيه بالرماح، ثم قطعا خرطومه.
وهاجم آخرون من بني أسد الفيل الأجرب، فارتد الفيلان عن جيش الفرس وتبعتهما باقي الفيلة، ووصلتْ إلى المدائن في توابيتها وهلك من فيها.
وأدى هذا إلى تفرد المسلمين بالفرس، فقاتلوا بالسيوف قتالا شديدا، ولم يتوقفوا عن القتال عند قدوم الليل، وكانت أول مرة يقاتل فيها المسلمون بالليل، وسميت هذه الليلة “ليلة الهرير”، وكان القعقاع محور المعركة.
اليوم الرابع “القادسية”
استمر القتال بعد ليلة هرير في الصباح، واشتدت وطأة القتال بين المسلمين والفرس، ودبر القعقاع خطة دقيقة للانتصار وقتل قائد الفرس، فكلف هلال بن علقمة التميمي بمهمة قتل رستم، وهبَّت عاصفة فقلعت خيمة رستم وحملتها للعقيق، ولحق به هلال حتى استطاع قتله، وصرخ قائلا: “قتلتُ رستم ورب الكعبة”.
وكانت خطة القعقاع تجري بشكل جيد حيث استخدم قبيلته (قبيلة تميم) للضغط على الفرس، مما أدى إلى انهيار جيشهم تدريجيا، فلما رأى الغالينوس خطورة الموقف أمر مقاتلي الفرس المتبقين بالانسحاب نحو النهر والعبور نحو المدائن، ولكنهم وقعوا في فخ النهر، حيث لحق بهم المسلمون بالرماح والنَّبل فقتلوا منهم الألوف وهم في النهر، وطاردوهم حتى آخر اليوم في البوادي والقرى.
ويقدر عدد شهداء المسلمين في هذه المعركة بـ8500 مقاتل، أما قتلى الفرس فيزيد على 50 ألفا، وشُرّد جيشهم، فلم يصل منهم إلى المدائن إلا القليل.
نتائج معركة القادسية
تعد معركة القادسية من أهم المعارك الفاصلة في الفتوحات الإسلامية، ومن أبرز نتائجها:
تقليص نفوذ الدولة الفارسية في العراق وسيطرة كاملة للمسلمين عليه، ودخول عدد كبير من جنود الفرس الإسلام بعد المعركة.
تعتبر معركة القادسية بداية لانتصارات عظيمة حققها المسلمون في سلسلة معاركهم ضد الفرس، مثل فتح المدائن في شهر صفر سنة 16هـ، ووقوع معركة جلولاء، وفتح حلوان في ذي القعدة من السَّنَة نفسها.
إعادة كتابة العهود التي نقضها أهل العراق بعد عودة الفرس عليها، وذلك بعد فتح خالد بن الوليد والمثنَّى -رضي الله عنهما- العراق، وقبل المسلمون من أهل العراق عهودهم الجديدة رغبة بتأليف القلوب، فاستتب الأمن وعاد الإسلام لينتشر من جديد في العراق.
كسب المسلمون غنائم كبيرة في هذه المعركة، أبرزها رايةُ فارس الكبرى التي كان اسمها: “درفش كابيان”، وهي راية كبيرة مصنوعة من جلود النمور، مرصعة بالياقوت واللؤلؤ، وأنواع أخرى من الجواهر.
خضع العراق بعد معركة القادسية خضوعا مباشرا لدولة الخلافة الراشدة، فنشر المسلمون الدعوة، واعتنق الإسلام حوالي 4 آلاف من جُند رستم بعد المعركة مباشرةً، واستقبل سعد بن أبي وقاص وفودا كثيرة من قبائل العرب المقيمة على ضِفاف الفُرات، فأعلنوا إسلامهم، بالإضافة إلى أعداد من سكان العراق وأعيانه.!!!!!!!