فى مثل هذا اليوم 4ديسمبر1872م..
العثور على السفينة الأمريكية ماري سليست بدون طاقمها من قِبل السفينة الكندية “دي جراشا”، كان قد تم التخلي عن السفينة قبل تسع أيام لكنها كانت فقط متضررة ضررًا بسيطًا.
ماري سِلِّيست (بالإنجليزية: Mary Celeste، أحيانًا يُكتب Marie Celeste خطأً) كانت بريجانتين تجارية أمريكية، اُكتُشِفت منجرفة ومهجورة في المحيط الأطلسي قبالة جزر الأزور يوم 4 ديسمبر 1872. عثرت عليها البريجانتين الكندية “دي جراشا” (باللاتينية: Dei Gratia) في حالة سيئة ولكنها صالحة للإبحار، تحت شراع مضبوط جزئيًا، وكان قارب النجاة مفقودًا. كان آخر تدوين في سِجلها يعود إلى تسعة أيام قبل ذلك، وكانت قد غادرت مدينة نيويورك إلى جِنوة يوم 7 نوڤمبر، وعند اكتشافها كانت مؤنها لا تزال وافرة، وكانت شحنتها من الكحول المغيَّر سليمة، وكانت ممتلكات القبطان والطاقم الشخصية في أماكنها لم تُمس. أما الذين كانوا على متنها فلم يُشاهَد أو يُسمَع عنهم مرة أخرى.
بُنيت ماري سليست في نوڤا سكوشا بجزيرة سپينسر، وأُطلِقت تحت التسجيل البريطاني باسم “أمازون” (بالإنجليزية: Amazon) سنة 1861. ثم انتقلت إلى المِلْكية والتسجيل الأمريكيين سنة 1868، وعندما حصلت على اسمها الجديد أبحرت بعد ذلك بشكل هادئ حتى رحلتها الشهيرة سنة 1872. وعقب استعادتها في جلسات استماع الإنقاذ في جبل طارق، نظر ضباط المحكمة في احتمالات مختلفة للتصرف الإجرامي، والتي تضمنت تمردًا من قِبل أفراد الطاقم، والقرصنة من قِبل طاقم دي جراشا وغيرهم، والتآمر من أجل التأمين أو احتيال الإنقاذ. لم يكن هناك دليل مقْنِع يدعم هذه النظريات، ولكن الشكوك التي لم تُحَل أدت إلى خفض قيمة الإنقاذ نسبيًا.
ساهمت الطبيعة غير الحاسمة لجلسات الاستماع في تعزيز التكهنات المستمرة بشأن طبيعة اللغز، وقد تعقدت القصة مرارًا بسبب التفاصيل الخاطئة والخيال. وقد تضمنت الفرضيات التي تم تقديمها: التأثيرات على أفراد الطاقم من قِبل تصاعد أبخرة الكحول من الحمولة، والزلازل البحرية، وأعمدة الماء، وهجوم سبيدج عملاق، وتدخلًا خارقًا للطبيعة.
وبعد جلسات استماع جبل طارق استمرت ماري سليست في الخدمة لدى المُلَّاك الجدد. وفي سنة 1885 عمد قبطانها إلى تدميرها قبالة ساحل هايتي كجزء من محاولة احتيال التأمين. وقد رُوِيَت ومُثِّلَت قصة هجرها في سنة 1872 مرات عديدة، في الوثائقيات والروايات والمسرحيات والأفلام، وأصبح اسم السفينة مرادَفًا للفرار غير المبرَّر.
القبطان بريجز والطاقم:
القبطان بنچامين بريجز.
وُلد بنچامين بريجز في ويرهام بماشاتشوستس في 24 أبريل 1835، وهو واحد من خمس أبناء للقبطان البحري ناثان بريجز، وقد عملوا جميعًا ما عدا واحد في البحر، وأصبح اثنان منهم قباطنة. كان بنچامين مسيحيًا متدينًا وكان يقرأ الإنجيل بانتظام وكان غالبًا يشهد على إيمانه في اجتماعات الصلاة. وفي سنة 1862 تزوج ابنة عمه سارة إليزابيث كوب، وقضى شهر عسل في البحر المتوسط على متن سكونته “فورست كينج” (بالإنجليزية: Forest King). ووُلد له طفلان: ابن هو آرثر في سپتمبر 1862، وابنة هي صوفيا ماتيلدا في أكتوبر 1870.
بحلول وقت مولد صوفيا كان بريجز قد حقق مكانة عالية في مهنته، ومع ذلك، فقد نظر في تقاعده من العمل في البحر من أجل العمل مع شقيقه القبطان أوليڤر، والذي كان قد سئم أيضًا من حياة الترحال. ولكنهما لم يشرعا في هذا المشروع، وبدلًا من ذلك اِستثمر كل منهما مدخراته في حصة من سفينة: اِستثمر أوليڤر في “چوليا أيه هالوك” (بالإنجليزية: Julia A. Hallock) واِستثمر بنچامين في ماري سليست. وفي أكتوبر 1872 تولى بنچامين قيادة ماري سليست في رحلتها الأولى بعد تجديدها الشامل في نيويورك، والذي كان سيأخذها إلى جِنوة في إيطاليا، ورتّب لزوجته وابنته الرضيعة من أجل مرافقته، بينما ترك ابنه في سن المدرسة في المنزل مع جدته.
اختار بريجز طاقم هذه الرحلة بعناية. الضابط الأول كان ألبرت جي ريتشاردسون المتزوج من ابنة أخت وينشستر وأبحر تحت قيادة بريجز من قبل. والثاني هو أندرو جيلينج البالغ من العمر 25 سنة، كان دنماركيًا في الأصل على الرغم من أنه وُلد في نيويورك. والمضيف إدوارد وليام هيد المتزوج حديثًا، سُجِّل بتوصية شخصية من وينشستر. كان البحارة الأربعة جميعهم من الألمان من جزر فريزيا، الأخوين ڤولكريت وبوز لورينزين وأريان مارتنز وجوتليب جودستشاد. وصفتهم شهادة لاحقة بأنهم “بحارة مسالمين من الدرجة الأولى”. وفي رسالة إلى والدته قبل الرحلة بوقت قصير، أعلن بريجز عن رضاه بشكل كبير عن السفينة وطاقمها. وأبلغت سارة بريجز والدتها أن الطاقم بدا أنه مؤهل بشكل هادئ، “إذا استمروا كما بدأوا”.
في 20 أكتوبر 1872 وصل بريجز إلى الرصيف البحري رقم 50 على النهر الشرقي في مدينة نيويورك، للإشراف على شحن حمولة السفينة إلى جِنوة وهي 1,701 برميلًا من الكحول المغيَّر. وبعد أسبوع انضمت إليه كل من زوجته وابنته. وفي يوم الأحد 3 نوڤمبر 1872، كتب بريجز إلى والدته وأخبرها أنه ينوي المغادرة يوم الثلاثاء، مضيفًا “سفينتنا في حالة جميلة وآمل أن يكون طريقنا جيدًا”.
وفي صباح الثلاثاء 5 نوڤمبر، غادرت ماري سليست الرصيف 50 وعلى متنها بريجز وزوجته وابنته وسبعة من أفراد الطاقم وذهبت إلى ميناء نيويورك. حالة الطقس لم تكن مؤكَّدة وقرر بريجز الانتظار لظروف أفضل. وقام بتثبيت السفينة قبالة جزيرة ستاتن، حيث استغلت سارة التأخير لإرسال رسالة أخيرة لحماتها، حيث كتبت “أخبري آرثر أنني أعتمد بشكل كبير على الرسائل التي سأحصل عليها منه، وسأحاول أن أتذكر أي شيء يحدث في الرحلة يسعده أن يسمعه”. وفي 7 نوڤمبر عندما خفّت حالة الطقس غادرت ماري سليست الميناء وخرجت إلى المحيط الأطلسي.
وبينما كانت ماري سليست تستعد للإبحار، كانت هناك بريجانتين أخرى هي الكندية دي جراشا، والتي كانت موجودة بالقرب من هوبوكين بنيوچيرسي في انتظار شحنة من النفط لتنقلها إلى جنوة عبر جبل طارق. كان قبطانها ديڤيد مورهاوس وضابطه الأول أوليڤر ديڤو من نوڤا سكوشا، وكلاهما من البحارة ذوي الخبرة العالية والمحترمين. وكقباطنة لهما مصالح مشتركة فمن المحتمَل أن مورهاوس وبريجز كان يعرفان بعضها البعض، وإن كان عرضًا فقط. تجزم بعض الروايات بأنهما كانا صديقان مقربان، واللذان تناولا العشاء معًا في المساء قبل مغادرة ماري سليست، ولكن الدليل على هذا يقتصر على تذكُّر أرملة مورهاوس بعد 50 عامًا من الحدث. وقد غادرت دي جراشا إلى جبل طارق في 15 نوڤمبر بعد مغادرة ماري سليست بثمانية أيام، على نفس الطريق العام.
السفينة المهجورة:
وصلت دي جراشا إلى الموقع 38°20′N 17°15′W في منتصف الطريق بين جزر الأزور وساحل البرتغال في حوالي الساعة الواحدة مساء الأربعاء 4 نوڤمبر بتوقيت البَر (الثلاثاء 5 نوڤمبر بتوقيت البحر). عندما جاء القبطان مورهاوس على سطح السفينة، أبلغه المسؤول عن الدفة عن سفينة تبعد حوالي 6 أميال (9.7 كم)، متجهة بشكل غير مستقر نحو دي جراشا، أدت حركة السفينة غير المنتظمة والضبط الغريب لأشرعتها إلى اشتباه مورهاوس في أن هناك خطأ ما. ومع اقتراب السفينتان من بعضهما لم يتمكن من رؤية أي شخص على سطحها، ولم يتلق أي رد على إشاراته، لذلك أرسل ديڤو والضابط الثاني چون رايت في قارب السفينة للتحقيق. ومن الاسم على مؤخرتها أكد كلاهما أن هذه ماري سليست؛ ثم تسلقا على متنها حيث وجدا السفينة مهجورة، كانت الأشرعة المضبوطة جزئيًا في حالة سيئة وبعضها مفقود كليًا، وكانت الكثير من التجهيزات تالفة، وكانت الحبال معلقة بشكل متهدل على الجانبين، وكان غطاء الكوة الرئيسية مؤمَّنًا ولكن الكوات الأمامية والعلوية كانت مفتوحة، وكانت أغطيتها بجوارها على السطح. وقارب النجاة الوحيد للسفينة وهو زورق صغير والذي كان قد خُزِّن على ما يبدو فوق الكوة الرئيسية كان مفقودًا، في حين أن صندوق بوصلة السفينة كان قد تحرك من مكانه وقد كُسِر غلافه الزجاجي. وكان هناك حوالي 3.5 قدمًا (1.1 م) من الماء في المخزن وهي كمية كبيرة لكنها ليست مخيفة لسفينة بهذا الحجم. وتم العثور على قضيب السبر (جهاز لقياس كمية الماء في المخزن) متروكًا على السطح.
كان آخر تدوين في السجل اليومي للسفينة والذي عُثِر عليه في غرفة الضابط الأول مؤرَّخًا في الثامنة من صباح 25 نوڤمبر قبل تسع أيام. وسجل موقع ماري سليست وقتئذ في 37°01′N 25°01′W قبالة جزيرة سانتا ماريا في جزر الأوز؛ على مسافة تبعد 400 ميلًا بحريًا (740 كم) تقريبًا من النقطة حيث اِلتَقت دي جراشا بها. رأى ديڤو أن داخل الغرفة كان مبللًا وغير مُرتَّبًا بسبب المياه التي دخلت من خلال المداخل والنوافذ السقفية، إلا أنها كانت مُرتَّبة ترتيبًا معقولًا. وفي غرفة بريجز عَثر ديڤو على أشياء شخصية مبعثرة، من بينها سيف مغمد تحت السرير، ولكن معظم أوراق السفينة كانت مفقودة، بالإضافة إلى أدوات القبطان الملاحية. وكانت معدات مطبخ السفينة مُخزَّنة بعناية؛ فلم يكن هناك طعامًا جاهزًا أو قيد التحضير، ولكن كان هناك الكثير من المؤن في المخازن. ولم تكن هناك علامات واضحة للحريق أو العنف. وتشير الأدلة إلى خروج منظم من السفينة، من خلال قارب النجاة المفقود.
عاد ديڤو لإبلاغ مورهاوس بما وجده، والذي قرر جلب السفينة المهجورة إلى جبل طارق، على مسافة تبعد 600 ميلًا بحريًا (1,100 كم). وبموجب القانون البحري يمكن أن يتوقع المنقذ حصة كبيرة من القيمة الإجمالية للسفينة والحمولة التي تم انقاذها، الجائزة الدقيقة تعتمد على درجة الخطر الكامن في الإنقاذ. قسَّم مورهاوس طاقم دي جراشا المكوَّن من ثمانية أفراد بين السفينتين، وأرسل ديڤو واثنين من البحارة ذوي الخبرة إلى ماري سليست، بينما بقي هو وأربعة آخرين على دي جراشا. كان الطقس هادئًا نسبيًا في معظم الطريق إلى جبل طارق، ولكن بما أن كل سفينة كانت تعاني نقصًا خطيرًا في أفراد الطاقم، فقد كان التقدم بطيئًا. وصلت دي جراشا إلى جبل طارق في 12 ديسمبر، بينما وصلت ماري سليست التي واجهت الضباب في الصباح التالي. وحُجِزَت على الفور من قِبل محكمة نائب الأميرالية تحضيرًا لجلسات استماع الإنقاذ. كتب ديڤو إلى زوجته أن محنة احضار السفينة كانت “يمكنني القول بصعوبة ما صنعت، لكني لا أبالي طالما أنا في أمان. سيُدفع لي جيدًا من أجل ماري سليست”.!!