قراءة انطباعية تحليلية لنص بين وطأة الغربة و نعمة النسيان للقاص و الشاعر أحمد اسماعيل/ سوريا
بقلمي سعيدة بركاتي ✍️/ تونس
#القراءة :
انطلاقا من السطر الاول للنص يلاحظ القارئ هذا النداء الموجه إلى الساري ثم إلى النسيان ، و الساري هو الذي يسافر ليلا . ساري النص وجهته قبة الغياب ( و من غاب فهو في طي النسيان ) و القبة مصطلح عربي يشير إلى هياكل المقابر ( تأكيد للنسيان ) و خاصة الأضرحة الإسلامية و القباب فوق المساجد ، أشهرها قبة الصخرة بالقدس المحتلة .
في تجويفها الخاوي توجد علاقة بينه وبين الغياب الذي يترك فينا فراغ مادي و روحي . لكن الشاعر يأمر من الساري أن يتمهل …وجهة لسدرة اللهفة ، وعند اللهفة على الشيء وبمجرد رؤيته ، تتسارع الخطى و دقات القلب للمسك و التمسك به خوفا أن يفلت من جديد هذا الذي انتظرناه بعد غياب .
السدرة هي شجرة النبق وقيل لها” سدرة المنتهى ” في قول بعض أهل العلم من أهل التأويل لأنه إليها ينتهي علم كل عالم .
تبدأ الأسئلة حول النص الذي تأرجح متنه بين الغياب و نعمة النسيان و عذاب الشوق والحنين .
حالة شوق إلى ذكريات بعيدة ” في قبة الغياب ” ومعاناة يبحث فيها الشاعر عن بوصلة عساه يهتدي احساسه و يحدد اتجاهه ، فهو بين خيارين إما أن ينسى أو يعيش حاضرا بغيابه . لكن الحب سيد الموقف لن يترك الشاعر ينعم بالنسيان رغم آثامه ، ” و ما الحب بغافل عن آثامك أيها النسيان “.
مع الليل تفيض المشاعر والأحاسيس و تبدأ الأطياف بالزيارة و يرتفع صخب ضجيج النفس بعد النداء الذي وجهه الشاعر مرة أخرى إلى النسيان حين كان يعاني الوحدة ورجع صداها ، فهو على مشارف الهلاك “فإن الغرق هو المأوى ” فالنسيان أصبح أمنية لو تتحقق …لينفرج النص إلى موت آخر بعد الفناء . و كأنها إشارة إلى حياة البرزخ.
النص أخفى كثيرا مما أظهره ، مجرد الإقتراب من متنه يبين لنا أنه مرتبط بذات الشاعر ، حين ذكر النارنج في النص : “راقص النارنج حتى انتشا “وشاعرنا سوري الهوية و الدم و شجرة النارنج من رموز مدينة دمشق و يؤكد فعلا هذه المعاناة ” الغياب و الحنين و العجز التام عن النسيان .”رغم ظهور هذا الأخير كنعمة ينشدها الشاعر .
* التناص القرآني في النص :
نص كان فيه التناص القرآني مكثفا ، ونتساءل من جديد لمَ كل هذا؟ و ما هي الغاية ؟ ابتداءا من سدرة الغياب إلى بعث الموت من حياة أخرى .
ماَ هو التناص القرآني ؟ :
_ أن يقتبس الأديب بعض الآيات من القرآن الكريم لابراز بعض أعماله الأدبية من جمال و روعة صياغتها ، فالنص القرآني يعد مصدرا ثريا من مصادر الإلهام الشعري سواءا على مستوى الدلالة و الرؤية أو الصياغة و التشكيل .
ويعتبر التناص في مصطلحه من القضايا الحديثة حيث ظهر لأوّل مرّة علی يد الباحثة الفرنسيّة جوليا کريستيفيا، حيث تعرّف التناصّ فتقول: «إنّ کلّ نصّ هو عبارة عن لوحة فسيفسائيّة من الإقتباسات وکلّ نص هو تشرُّب وتحويل لنصوص أخری»(الغذامي، 1992م: ص 326).
_ النص الشعرى و ما يقابله من النص القرآني في نص الشاعر أحمد اسماعيل :
سدرة اللهفة / سدرة المنتهى
تقلب وجهك / قد نرى تقلب وجهك
قِبلة ترضاها / فلنرينك قِبلة ترضاها
فول احساسك شطره / فول وجهك شطر المسجد الحرام
وحيث ما كان وجهك فول شطره / وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره
إن الذي أتي الهيام / و إن الذي أوتي الكتاب
ليعلم أنه الحق / ليعلموا أنه الحق
و ما الحب غافل عن آثامك أيها النسيان / و ما الله بغافل عما يفعلون
هل أتاك حديث الهوى / هل أتاك حديث موسى ، هل أتاك حديث الغاشية ، هل أتاك حديث الجنود …
و الحرمان إذا استوى / الله على العرش استوى
في ليل قد طغى / فرعون إنه طغى
و أطرب الجدران و اصطفى / ان الله اصطفى آدم
راقص النارنج حتى انتشى / فشربنا الخمر حتى انتشينا
أرأيت إن تولى / أرأيت إن كذب و تولى
…………
تقريبا لا يخلو نص أدبي أو شعري من التناص القرآني و لو بإشارة ، ويعد من أبرز التقنيات الفنية استخداما . كان في شعر ابن الفارض ، الإمام الشافعي ، أبو الحسن علي الحسني الندوي ، في أشعار العراقي أديب كمال الدين وغيرهم …(منقول). تأتي الإجابة عن السؤالين لمَ و ماهي الغاية من التناص في هذا النص ؟
مفارقة أتى بها النص عن الغربة و التي أشار لها بالغياب و هذا من المؤكد عن موطنه و حنينه الجارف و عدم ” النسيان ” لكل ما تعلق به من ذكريات …
فيتضح جليا مما تقدم أن الإستحضار الكبير و المكثف لهذه الآيات القرآنية جعل من إيقاع النص إيقاعا قرآنيا جلب به الشاعر انتباه المتلقي فكان قريبا منه انطلاقا من عدة سور نهل منها الشاعر تناصه مثل : سورة الغاشية ، النازعات ، القصص، من جهة ، و من جهة أخرى كان التناص بايقاع موسيقى التناص ، تتطرق الكاتب فيه إلى عدة إيقاعات و ترويس كل مقطع بصيغ نداء رمزية بعيدة عن التناص مما أعطى النص طابعا خاصا يصور غربة الذات و مدى انغماسها في الشوق و تحد مع آفة النسيان .
بقلمي سعيدة بركاتي ✍️ / تونس
#النص
أيها السَّاري إلى قبة الغياب
عند الخروج إلى سدرة اللَّهفة
تمهل
قد يرى الشَّوق تَقلُّب وجهك في الذِّكريات
سيوليك الحنين قبلة ترضاها
فَوَلِّ إحساسك شطره
و حيث ما كان وجهك فَولِّ شطره
إنَّ الذي أوتي الهيام
ليعلم أنَّه الحقّ
وما الحب بغافل عن آثامك أيها النِّسيان
أيها النِّسيان
هل أتاك حديث الهوى
و الحرمان إذا استوى
في ليل قد طغى
أشعل فيه ذكرك ما انقضى
و أيقظ الضَّوضاء و الصَّدى
غَنَّى فيه الجوري ما غَنَّى
و أطرب الجدران و اصطفى
راقص النَّارنج حتى انتشا
والمعنى أخرج المعنى
فنظمه القصيد حتى ارتوى
أيها النِّسيان
أرأيت إن تَولَّى
و آثر العذاب و انطوى
فإن الغرق هو المأوى
و أما إن كَذَّب القلب و مضى
و حجب عينيه عَمَّا يرى
فالموت سينبعث حتى من حياة أخرى.
أحمد إسماعيل /سوريا