قراءة نقدية:
“القصيدة بين الحبيبة الأيقونة والقهوة الأسطورة”
القصيدة:”هي وقهوتي”
الشاعر: محمد الحفضي (المغرب).
الناقدة :جليلة المازني (تونس).
القراءة النقدية: “القصيدة بين الحبيبة الأيقونة والقهوة الأسطورة”
1- العنوان:”هي وقهوتي”
أسند الشاعر عنوانا لقصيدته “هي وقهوتي” وقد ورد مركبا بالعطف .
والعطف هو علاقة تقوم بين تابع يسمى معطوفا وبين متبوع يسمى معطوفا عليه
والعلاقة في هذا التابع لا تقوم على المجاورة بينه وبين متبوعه وإنما تحصل التبعية بينهما بواسطة حروف العطف.
والشاعر ربط بين القهوة والحبيبة فأية علاقة بينهما؟
وأية علاقة تربط بين “هي” وقهوتي”؟
والشاعر تحدث عن الحبيبة بضمير الغائبة “هي” لإضفاء مزيد من الموضوعية في علاقة الحبيبة بالقهوة وكأني به يرتقي بهذه القصيدة من تجربته الخاصة مع حبيبته الى الحقيقة المطلقة في العلاقة بين الحب والقهوة.
2 – التحليل:
ان الربط بين القهوة والحبيبة واقتران الواحدة بالأخرى يعود الى تشبيه القهوة بالأنثى فقد قيل في هذا التشبيه ما يلي:
لماذا شبهت القهوة بالأنثى؟
“القهوة امرأة مُدلّلة في حلاوتها وقاسية في مرارتها وجورية في رائحتها..القهوة أنثى سمراء مخلصة وأنيقة ولا تخذلك ان احتجْت اليها”(1).
ان العديد من الأدباء تحدثوا عن هذه العلاقة بين القهوة والحبّ والكثير من الأقوال وردت في هذه العلاقة بينهما:
– فيكتور هيغو يقول: “القهوة تلهم الحب كما تلهم الكلمات”
– جبران خليل جبران يقول:الحب يشبه القهوة كلما كان صادقا زادت روعته
– القهوة في الحب واجبة وكأنها الشاهد الأعظم على العلاقة.
يقول:”القهوة مثل الحب لها طعم مختلف في كل مرة.Unknown-
الحب والقهوة يشتركان في سحر البداية ودفء التفاصيل”
– أورد الكاتب إبراهيم محمد(19/ 02/ 2024) عدة أقوال تقْرِن القهوة بالحب:
* “مثل المزيج المثالي من حبوب القهوة ,حبّنا هو مزيج متناغم من النكهات والقوام”.
* “القهوة والحب : كلاهما يدفئ الروح وكلاهما أفضل عندما نتذوقهما ببطء”
*” الحب مثل القهوة يوقظ الحواس ويشعل الروح”
*”عندما يبدأ اليوم بالقهوة فليكن حبّنا هو شروق الشمس الذي يضيء كل لحظة”
وفي هذا الاطار من الجمع بين القهوة والحب ماذا قال شاعرنا محمد الحفضي؟
استهل الشاعر محمد الحفضي قصيدته بحوار بينه وبين حبيبته التي سألته عمّا يشرب فقال الشاعر:
قالت :ماذا تشرب حبيبي؟
قلت: فنجان قهوة مثلك
ان الحبيبة استغربت من تشبيهه القهوة لها قائلة :”ماذا تقصد حبيبي؟
في هذا الاطار استخدم الشاعر أسلوبا انزياحيا دلاليا يقوم على التشبيه بين
القهوة وحبيبته فقال:
قهوة سمراء في لون بشرتك
ذوقها بطعم ثغرك
رائحتها بطعم طيب أنفاسك
قطراتها بجمال جدائل شعرك
نكهتها تلائم عذوبة شفتيك
ان الشاعر نزّل القهوة منزلة الحبيبة وفي ذلك إدهاش للقارئ .
وهو أيضا يتناص مع العديد من عشاق القهوة الذين يجمعون بين الحب والقهوة خاصة مع من قال:” الحب مثل القهوة يوقظ الحواس ويشعل الروح”
ان القهوة توقظ في شاعرنا محمد الحفضي:
– حاسة البصر:” فالقهوة سمراء كلون بشرتك”.
– حاسة الذوق: “ذوقها بطعم ثغرك” / “نكهتها تلائم عذوبة شفتيك”.
– حاسة الشمّ : “رائحتها مثل طيب أنفاسكّ”
– حاسة البصرو اللمس والسمع معا: “قطراتها بجمال جدائل شعرك”..
انه تراسل الحواس.
ان الشاعر رسم لنا صورا شعرية حسية توقظ مشاعره وتدغدغ أحاسيس القارئ لتجعله هذه الصور الشعرية الحسية يتوق الى حبيبة بكل مواصفات القهوة والملامح التي نحتها الشاعر في حبيبته.
انه تراسل المشاعر من الشاعر الى المتلقي .فالشاعر يرسل مشاعر المتعة التي
يشعر بها الى المتلقي الذي أيقظ فيه كل حواسه ليستمتع بثنائية الجمال بين القهوة والحبيبة.
ان هذا الوصف لجمال القهوة اعتبرته الحبيبة تغزلا بالقهوة فيقول الشاعر:
قالت: هذا غزل حبيبي.
قلت: غزل يليق بمعشوقتين
انت حبيبتي فتنتني
وقهوتك بلسمي
لا تغاري حبيبتي.
ان الشاعر الحبيب تفطن الى غيرة حبيبته من تغزّل حبيبها بالقهوة لانها لن تقبل ان تكون لها منافسة في حبّه لها.
ان الشاعر الحبيب يصرّح أن القهوة والحبيبة هما معشوقتاه ولئن كانت الحبيبة من فتنتْه فالقهوة هي بَلسمُه . انها ثنائية الداء والدواء.
والشاعر لا يخفي عنا عشقه للقهوة التي وازاها بحبيبته ولعل خطابه معها باستخدام هذا الحوار بينهما (قالت:/قلت:) يضفي شيئا من الواقعية في حديث الشاعر الحبيب مما قد يجعل المتلقية مكان الحبيبة تتعاطف معها لترفض أن تنافسها القهوة في حب حبيبها.
بيد أن الشاعر الحبيب يعود الى الحوار ليؤجج المشاعر ويشعلها وهو في نفس الوقت يريد أن يثلج صدر حبيبته ويُطمئنها.
انه ادهاش ثان ومفارقة عجيبة بين تأجيج الحواس وإطفاء نار الغيرة لدى حبيبته
يقول:
مع كل رشفة أتحسس شفتيك
دفؤها يذكرني بلهيب أنفاسك
لمسة الفنجان وخصرك تغريني
كأني أقبلك حبيبتي
كلما أطبقت شفتاي على الفنجان
ان الشاعر هنا خصّ حاسة اللمس بأن جعل المتعة حكرا عليها وحاسة اللمس في علاقة الحب لها أفضليتها.
ان الشاعر مسكون بمعشوقتيْه وهو يطمئن حبيبته .
انها حتى في غيابها هي حاضرة معه بالغياب في قهوتها التي تعدها بيديها.
انها نشوة وانتشاء بهما فيقول:
لا تخافي حبيبتي
وان غبت عني
أتسلّى بقهوة من يدك
في انتظار عودتك.
ان الشاعر قد صنع في قصيدته من القهوة أسطورة ومن الحبيبة أيقونة.
فما سرّ هذه القهوة الأسطورة؟
هنا قد يتدخل القارئ ليستحضر أسطورة القهوة قائلا:
” يعود أصل القهوة الى منطقة كافا في إثيوبيا وهناك أسطورة تحكي قصة راع
يدعى كالدي .تقول الأسطورة أن كالدي لاحظ ن ماشيته أصبحت نشيطة وحيوية
بعد تناولها لثمار حمراء من شجيرات معينة. قرر كالدي تجربة هذه الثمار بنفسه
وشعر بتأثيرها المنبه ومن هنا بدأت رحلة القهوة من اثيوبيا الى العالم”(2).
ولعل هذا ما جعل محمود درويش يقول عن معشوقته القهوة في كتابه(ذاكرة النسيان):
“أريد رائحة القهوة لا أريد غير رائحة القهوة ولا أريد من الايام كلها غير رائحة القهوة رائحة القهوة لأتماسك لأقف على قدمي لأتحول من زاحف الى كائن”
و في هذا الاطار قد صنع شاعرنا محمد الحفضي في قصيدته من القهوة أسطورة ومن حبيببته أيقونة نشوة وانتشاء بمعشوقتيه.
سلم جليل حرف الشاعر المتميز الذي تمرّد عن المألوف.
بتاريخ 10/ 01/ 2025
المراجع:
https://www.facebook.com>posts (1)
قهوة شتاء- النساء يفضلن القهوة لانها تشبههن القههوة امراة…
https://picolo.sa>)أخبار ورؤية2)
القهوة واثيوبيا, إرث وأسطورة.