التوازن الكوني بين الغائية الإلهية والقوانين الطبيعية- دراسة فلسفية في فكر فرقد الأغا
بقلم : الكاتب العراقي حكيم الساعدي
قال المفكر والفيلسوف التنويري فرقد الأغا: ( لا غائية للموجودات المادية غير الحية في حركتها، وإن سلب الغائية عنها لا يقتضي مباشرة الفاعل الإلهي لإدارة حركة الكون، فقد أودع نظامًا متكاملاً دقيقًا يقوم بتسيير حركة الموجودات المادية. كما أن نفي الغائية عن الموجودات الطبيعية لا يستلزم أن حدوث حركتها صدفة، إذ إن الموجودات غير العاقلة وغير الحية، بالرغم من استحالة أن تكون لها غائية، ولكنها ليست مبررة لنفي وجود “فاعل عاقل غائي مدبر” لهذا الكون وموجد لقانون سببي يقف خلف حركة الموجودات وسائر الظواهر الطبيعية. إذا لا عقلانية في إنكار ضرورة وجود فاعل غائي أسبق لعملية التركيب بين المادة والصورة وإيجاد المادة وأخراجها من العدم؛ كما لا عقلانية في إسقاط الحوادث الطبيعية على الفاعل الغائي، إذ اقتضت حكمته في أن تجري مقادير الكون ضمن قوانين قبلية، وأن لا ضرورة بالفعل لإدارة حركة الأكوان من قبل العلة الفاعلة مباشرة ) مقتبس من كتاب ترانيم الإنسانية- مقال فلسفي بعنوان ” فلسفة النظام الكوني وحكمة الفاعل الإلهي” .
قبل الدخول في موضوعنا وتسليط الضوء على فلسفة التوازن الكوني لدى الفيلسوف الأغا، لابد أن نشير إلى معنى الغائية في القاموس الفلسفي، لأننا نجد أنفسنا مضطرين لتعريف الغائية وتأثيرها في الفلسفة والتي تعني:
1. الهدف أو الغرض من شيء ما.
2. العلة أو السبب الخفي للوجود أو الحدوث.
3. الهدف الأسمى أو الغرض الأعلى من وجود شيء ما.
في الفلسفة الإسلامية، تشير الغائية إلى:
1. حكمة الله في الخلق.
2. الهدف من وجود الكون والموجودات.
3. الغرض الأسمى من الحياة.
الغائية لها أنواع مختلفة:
1. غائية موضوعية: الهدف المادي أو الملموس.
2. غائية ذاتية: الهدف الروحي أو النفسي.
3. غائية إلهية: الهدف الأسمى الذي يحدده الله.
إن النص الفلسفي للمفكر والفيلسوف فرقد الأغا هو نص مركز بأمتياز، وقد اختزل فيه أحد أعقد القضايا الشائكة بين العقل الديني واللاديني، وهي جدلية الغائية الإلهية والقوانين الطبيعية، كون الفكرة معقدة تُعد نقطة اختلاف جوهرية بين الدينيين واللادينيين وتعتبر من الجدليات العقيمة التي لم تُحسم على مدار قرون ولكن ” نظرية التوازن الكوني ” للفيلسوف الأغا أعادت الاستقرار النفسي والعقلي لدى الإنسان المعاصر حيث عالج الإشكالية باحترافية وعقلانية وعبقرية
النص يؤكد على نفي الغائية للموجودات المادية غير الحية. وعدم ضرورة التدخل إلالهي بشكل مباشر. بل إن الإله وضع نظام كوني متكامل يدير الحركة الكونية، كما ان نفي الغائية لا يؤدي إلى ان خلق الكون كان نتيجة صدفة محضة، بل العقل يحكم بضرورة وجود فاعل غائي مدبر. لذلك ولدت فكرة التوازن بين القوانين الطبيعية والغائية الإلهية لتحل أعقد إشكالية جدلية .
وتحليل النص الفلسفي يؤكد على معانيه العميقة في التوفيق بين العقل والدين وتوضيح الغائية الإلهية في الكون من خلال النظرية الكونية للتوازن لأستاذنا الأغا والعلاقة بين المادة والصورة وبيان الحكمة الإلهية في الخلق.
وانا في هذا المقال أحاول توضيح مفهوم جدلية الغائية الإلهية والقوانين الطبيعية وتقديم نظرية التوازن الكوني للفيلسوف الأغا، كونها حل وسط لأعقد إشكالية وجدلية في تاريخ الفكر البشري، والتأكيد على الحكمة الإلهية في الكون والتوفيق بين العقل والدين.
وتكمن اهمية هذه النظرية كونها حل جوهري لجدلية قديمة، وتقديم نظرية فلسفية جديدة وفق رؤى حديثة لتعزيز التفاهم بين البشر.
في نهاية المطاف نستطيع القول ان النص الفلسفي لفرقد الأغا حول التوازن الكوني بين الغائية الإلهية والقوانين الطبيعية يُعد نقطة تحول في التفكير الفلسفي الحديث. حيث يُظهر الفيلسوف الأغا كيفية توافق العقل والدين في فهم الكون، وفق رؤية عقلانية عادلة لا جور ولا مجاملة لطرف معين، وتعتبر النظرية تفسير فلسفي معاصر لفهم الكون.