___ماتريوشكا____
كنت دوما أعلم أنني لست امرأة أي أحد وحتى وان نسيت أحيانا
===============
عندما يقف الماضي حجر عثر في وجه الحاضر
وعندما يقف الحاضر حاجزا ملغوما
يستحيل عبوره إلى المستقبل
يتعب العقل في استنباط سبل تمزيق شرنقة هذا السجن
وتنوء النفس بحمل أوزار الحياة
وتتعب في التحمل والتأقلم
فكيف الاهتداء لسبل فتح كوة النجاة؟
وهكذا يبقى الحدس هو المخرج والمحرّر من سراديب الضياع…
..نامت …لأول مرة داهمها النعاس بلا استئذان، هي من تعاني أرق أول الليل،سقط الكتاب من بين يديها…استمر النور الخافت المنبعث من السهارة يضيء الغرفة…نامت ملء الجفون،لا أحلام وردية كما يتمنى لها كل ليلة منذ عرفته، ولا كوابيس كما كانت تأنس بها قبل ظهوره في حياتها ذات خريف صحو نديّ وكان اليوم أربعاء…
الكوابيس مستفزة للذاكرة
منشطة للدورة الدموية
فيها حركية باختصار هي رياضة تبعد خطر الخرف(الزهايمر )
وفي الوقت الراهن، الكوابيس تتلوّن بلون شفاف وتستحيل واقعا جميلا ؟أما الأحلام فباتت كوابيس الواقع
يموت الحالم كمدا وهو يرى حلمه سطا عليه غيره وتحقق له بأريحية تامة ،فالويل لنا من أحلامنا المسروقة علنا…وقانون مصادرة الأحلام مكفول…
أثناء النوم المفرغ من كل ارهاصات الوعي واللّاوعي تلج البعد الرابع فتكون هي في نسختها الأصلية التي ولدت عليها ،بعيدة عن الانفصام ،بعيدة عن ازدواجية الخطاب ،في منأى عن التملق والنفاق ،عفوية وعلى الفطرة…
شعر طويل متهدل يقف على مشارف الخصر واكيد
لحكمة إلهية ،نهدان نبتا على ربوة يستحيل بلوغها لضخّ الحياة في الحياة ولاستمرار الحياة،قوام ممشوق ، ووجه صبوح مشرق رأت إنعكاس ذاتها على سطح البحيرة نظرت مليا وامتعضت من عورتها كيف تسترها؟
ولكن ما طفقت تخسف عليها من ورق الاشجار، ابتسمت استخفافا من عقلية (الهناك )وهي (هنا ) وسرعان ما اقتنعت بأن العري هو الوضع الطبيعي وهكذا نأتي وهكذا نمضي…سمعت نداء خفيا يرتّل قائمة المحظورات والطابوهات فاستعاذت بالقلم والورق من شرّ الوسوسة والقلق ،وخاطبت الصمت من حولها:
كيف احتال على الكلمات لأكتب نفسي
دون أن يفكر من يقرأ أنني أنا
وكل حرف جنّدته اللغة عميلا وواشيا بما يعتمل في وجداني؟
كيف أتحدث عن مصيري؟
كيف أتقن المراوغة وإخفاء حقيقتي؟ وشغف اللغة وهذا الواقع الخارجي يقتضي عدم التعرية…وعدم التماهي مع جمالية التعاسة …لكن لا بأس هي في رحاب المدار الرابع…المستحيل ممكن والمرغوب معيش بمجرد التفكير فيه…
نامت وامتطت مكوك الاعترافات …وجها لوجه مع الذات أسرّت لها:
أغمضي عينيك وتحرّري انطلقي
لتريْ نفسك في حضن الخطيئة هكذا أخطأتِ نعم أخطأتِ في قبضة أصابع يدين حارقة مشتعلة
في حضرة كفين من صفيح حارق ليّن، وبين ذراعين ملتهبتين تضمانك لحد كتم أنفاسك كأن بينهما وبينك ثأر قديم…المكان شبه مظلم هادىء وصامت وصدى أنفاسه يرتطم بقداسة السكون
فكيف الصمود امام عينين خرافيتين؟وهل بإمكانك رفع الحجاب عن الكثير من أسرارهما …توسلات عينيه أذعنت قلبك وبلا اعتراض ارتجف …في هذا المكان المظلم الهادئ جرفك شلال المعاصي ،دنوت منه جلست قربه مضطربة مسلوبة الإرادة وراحت شفتاه تسكبان لهب الاشتهاء على شفتيك وتشعل مواقد الشهوة الخامدة،
قبلاته امتصت حزنك وضمّدت جراح قلب مجنون ،وتحررت جدا، قصة حب رويتها له..
صرخت في صمت -أشتهيك حبيبي -أوقدت الشهوة نظراته
ورقص النبيذ الأحمر في كأسه
وعلى الفراش اللين ثمل جسدك على صدره المضطرب
سعادة كبرى ما استطعت التعبير عنها بالكلمات…
تراجع الجسدان وحلقت روحاكما بخفة ملائكية بأجنحة مثنى وثلاثى ورباعى… إنه ليس الحب وليست الشهوانية ولا الغريزة إنها عبادة وإقامة طقوس التحرر من المادة من هذا الطين الثقيل حيث كانت أنفاسه وحيا نازلا من السماء
في هذا المحراب المقدس لا وقت للجسد..ماذا تفعلان وقلباكما ينظران بعيدا
ماذا تفعلان وأنتما تحدّقان في عين الحب وعين الحب في عين الله…صمت خاشع لفّكما
ونداء مهموس أنتِ ما أخطأتِ
أنت ِأحببتِ…أنتَ ما عصيتَ
أنـــتَ أحببتَ،والحب روح والروح من أمر ربي…
في لحظة التجلي هذه
علّـمنا الحب كيف نحبّ خارج سجن الجسد… وغابت ذاتها
امتدّت يد من بلور المرآة وبكل لين سحبتها ، ها هي في
أدغال المدار الرابع …والسير فيه يجيز ارتكاب المعاصي – ولماذا هذا التصنيف (معاصي )وما هي إلّا مجرد أمنيات وأحلام،تحاول ان تتبرّأ من ذاك العالم الدنوي الموازي
ذاك العالم الذي قوامه التشوش والالتباس والهشاشة المفرطة، على رغم ارتدائه قناع القوة الظاهرة، سماؤه تمطر مراوغة وخطوطا متعرجة ومتاهات إنها مربكات القدَر، والحلم، والموت، الحلال والحرام وحيث لا يزال للخرافة والأساطير سلطان وسحر ألف ليلة وليلة… وشهريار يتفنّن في أساليب الانتقام من شهرزاد تلو أخرى يثأر لذكورته،وكم ينسى أن خيوط اللعبة بيد امرأة
ينسى أو يتناسى أن عالم الرجل نسوي بامتياز وخيال المرأة رجالي بامتياز وطلسم الحكاية يكمن في ادراك معنى(الندية)
بعيدا عن التكامل والتناصف ومن ضلع آدم خلقت حواء
لمَ ينسى آدم أنه أنّ حواء(احتواء وحياة)؟
بعد التوغل في هذا المكان العلوي الزائغ المتباعد المتقارب رأت نفسها
هي السياسي المنافق
وصاحب الشركة المتغطرس
والام الثكلى والحرب والسلم،
رأت أنها المرأة الخنوع المهزوزة
رأت أنها المرأة المتمردة على أعراف القبيلة والمسؤولة وأشياء كثيرة متجاذبة متنافرة…
أشمأزت نفسها من هذه المناصب الذكورية التي يستعرض فيها الرجال عضلاتهم وأصناف كيدهم ويفرغون كل عقدهم المتناسلة…هزت بجذع الورد فتطاير رذاذ وقطرات ندى وابتلعت المرايا المدى…
فعادت إلى عالمها الجميل الذي جنحت له …
وهي تستعد للإلقاء بجسدها في بركة لتستحم وتتطهر من أدران عالمنا السفلي ،فكرت لماذا بيوت الدعارة كلها نسائية؟
لماذا لا توجد بيوت دعارة رجالية؟
وصلت بين خيوط الذاكرة
حيث حصلت على نسيج فكري
كان أرضية لتحليل ما تراءى لها غير منطي هذا السؤال الذي قد يكون تبادر إلى ذهن الكثير ولكن العقول تعودت استسهال المكرر والتسليم به كبديهي … بيوت الدعارة يؤمها الرجال بحثا عن لذة عابرة وإشباعا لغريزة ما عملوا على قمعها وتهذيبها هذا مفروغ منه …لنعد لمعضلة الحب..
الحب عند الرجل أداة لإثبات (الجنس) ما اصطلح على تسميته (رجولة) وهي بالأساس(الذكورة) لأن الرجولة مواقف بالمقابل الحب عند المرأة ديانة تعتنقها بكل جوارحها وتحصنها بقداسة التألـيه…
والحقيقة أن بيوت الدعارة رجالية بامتياز،
لأن الرجال هم القائمون على تنشيط الحركة فيها ورواج البضاعة المعروضة على رفوف الغريزة الوحشية ، أنا ما سمعت عن امراة بخسها زوجها حقها في الفراش ،نهضت وارتدت على عجل ثيابها وركضت لا تلوي على شيء لبيت دعارة تنهل من رجل لتشبع غريزتها بل رأيت رجالا صمّا بكما عميا تحت سيطرة ذكورتهم نزعوا قناع الإنسان وركضوا وراء إشباع ما لا يشبع منهم ،وكم عهر الرجال مقزز ومقرف…
عند هذا الحد وجدت نفسها مرهقة من مد الخطى ومن الرغبة الملحة في تشرّب كل ما يحيط بها من جمال رهيب، وبمجرد التفكير في استراحة رأت سريرا ممهدا ارتمت عليه مغمضة العينين ساكنة، صمتت هروبا من الانفعالات الذهنية ،صمتت لتتكلم… محدثة نفسها في تساؤل تأمليّ:
هــل تؤدي الرغبات غير المحقّقة إلى خيبات أمل مدمّرة…؟
لأنني امرأة في عالم يتخفي في ثياب قديس جهرا ويضمر بكل إتقان بخس المرأة حقها أحب أن أموت بشكل مستمر
لأحيا في عوالم موازية حياة لا تعوق حركاتي ولا تصادر جنون قلمي الذي يتعاطى البهلوانية بكل حرية فينط في الهواء ولا تعرقله الجاذبية فهو إما خارجها أو عقد معها هدنة إلى حين …أحب أن أرى الملائكة حولي تباركني بشيء من العاطفة الدافئة
وأرى الواقع يضمحل ويتلاشى من حولي وأرى الرجال عصافير
وديعة تنط من غصن إلى غصن تطربني ولا تخافني ولا تطير مني بعيدا أمـدّ لها كفي اليمنى بالحَبِّ تنقره فينمو الحُبّ في كفي اليسرى، ويهطل الغيث
صيبا غدقا واعدا بمولد بنات المطر … وتستمر رقصاتها على مدار البعد الرابع بلا حياء ولا عياء…
فائزه بنمسعود
Ottawa/15/1/2025