قراءة نقدية: “القصيدة والنص الموازي”
التفريغ النصي “المرأة الكادحة”
القصيدة:”السير الطويل الى مقالع الحلفاء”
المبدع حمد حاجي (تونس)
الناقدة جليلة المازني (تونس)
القراءة النقدية: “القصيدة والنص الموازي”:
(القصيدة والمرأة الكادحة):
تندرج قصيدة المبدع حمد حاجي ضمن أدب الذكريات
والذكريات هي عملية تذكر التجارب أو الأحداث الماضية.
فما هي الذكرى التي بقيت عالقة بذهن مبدعنا؟
1- تجليات المرأة الكادحة بالقصيدة:
أ- المقطع الأول:
استهلّ المبدع قصيدته مستخدما ضمير المتكلم المفرد كأنه أحد التوأمين لإضفاء شيء من الواقعية على هذه الذكرى التي كانت تجربة جميلة اليه فيقول:
وأجمل ذكرى تمر بخلدي
وما عاد يحجبها البعد..
عن رمشة العين او حاسر الحدق..
باعتبارها ذكرى فالمبدع قد أخضع القصيدة الى السردية:
– طابع السردية في القصيدة:
*مقومات السرد
الشخصيات :التوام (كما قنفدين) /
الراوي وهو أحد التوأم
الزمان :الشتاء (وكان شتاء) / (حينما بان نجم تخر له أنجم الأفق)
المكان: مقالع الحلفاء.
الأحداث محور حديثنا في صلب التحليل
*أركان السرد (الوصف والحوار سنراه أثناء الحليل أيضا)
هذه المراة أم لتوأم ومضطرة للعمل لكسب قوتها وقوت توأمها فتجد نفسها مجبرة على حمل توأمها الصغير معها الى مقالع الحلفاء فيقول المبدع الراوي:
وكان شتاء ونحن نيام..
وتحزمنا فوق دابتها
حينما بان نجم تخرّ له أنم الأفق..
توائم تحملنا
كما قنفدين بزنبيلها..
يا حمار ترفق باكبادها عند مفترق الطرق
كأني بالمبدع الراوي يستعيد هذه الذكرى مسجلا للقارئ تلك المعاناة التي كانت تعانيها هذه الأم وتوأمها من:
برد الشتاء / الحرمان من النوم/ التنقل غير المريح الى مقالع الحلفاء..
وعند الوصول بعد السير الطويل الذي يخبرنا به العنوان(السير الطويل الى مقالع الحلفاء) يصف المبدع الراوي للقارئ معاناة أخرى:
*معاناة الخوف على صغيريها (مثل الكتاكيت):
– من البرد والصقيع(وتحذرنا من صقيع البلاد..من الطيش والنزق)
– من الحيوانات المفترسة (تخشى علينا من الدوارج.. والغول والذئب والجارح الابق)
* معاناة الأم الكادحة :
هذه الأم تقتلع الحلفاء بما يسبب ذلك من وجع بيديها بسبب الأشواك .
ان معانا تها مضاعفة لأنها تعمل من جهة وتراقب توأمها خوفا عليهما ..
انها معاناة جسدية ونفسية. يقول المبدع :
وتبدأ تقلع أغمار حلفائها..
تتهاوى من الجهد والضنك والارق
يداها على سعف الشوك تبقى تراقبنا..
ما أمرّ الحياة
وما أفظع الفقر يُهدى على طبق..
وبنبرة تُسِرّ الوجع من ناحية وتتهكم من ناحية أخرى يُرجع معاناة الأم الى الفقر وكأني به يردد ماقاله عمر بن الخطاب “لوكان الفقر رجلا لقتلته”
ب – المقطع الثاني:
لئن رسم المبدع الراوي في المقطع الأول المعاناة بمشهد السير الطويل الى العمل فكانت معاناة السير للتوأم ومعاناة السير والعمل للأم.
فإنه في المقطع الثاني سيرسم لنا لوحة التعب للتوأم الذي تكبّد معاناة المسير الطويل مرتين ذهابا وإيابا والمبدع الراوي كأني به يستشرف وجع القارئ من معاناة لهذا المسير الطويل على الأم وتوأمها أراد أن يخبره بهذا العناء على مرحلتين. يقول المبدع:
يمر النهار ثقيلا
وتأتي العشية تحملننا جثثا..
ونعود الى الكوخ في حالك الغسق
تمتد فترة عمل الأم مع التوأم وغيابها عن الكوخ ومسيرها الطويل من النجم الى حالك الغسق.من الظلام الى الظلام حتى أن التوأم يعود الى الكوخ كالأموات جثثا
لذلك يمر النهار ثقيلا.
ويختم المبدع الراوي بقفلة مغموسة بالاستغراب والأسى:
– الاستغراب من رحابة صدر الأم التي وبعد قضاء يوم ثقيل ذهابا وايابا وشغلا وهي لا تسأم التعب وتهدهد توأمها بالأغاني ليناموا
– الاسى : لأن هدهدة الأم تجعلهما ينامان جياعا
يقول المبدع:
وأعجب كيف تهدهدنا بالأغاني
الى أن ننام جياعا..؟
ولعل هذه الأم المناضلة والميثالية هي التي جعلت الذكرى جميلة بالنسبة للمبدع الراوي عند الاستهلال.
انها عودة النهاية على البداية فيقول” ويبقى التذكر حبرا على ورق
ان المبدع الراوي رسم لنا لوحة المرأة الكادحة بمقالع الحلفاء وهي نموذج من المرأة الكادحة بغابات الزيتون او اللوز او الفسيق..
وأكثر من ذلك فان قصيدته ترتقي الى العالمية حين أرفقها بهذه اللوحة للرسام الفرنسي اندريه هنري دارجلاس:
2- النص الموازي للقصيدة :لوحة المرأة الكادحة:
ان قصيدة المبدع قد عانقت لوحة الرسام الفرنسي بالقرن التاسع عشر فجسدت معاناة المرأة الكادحة مع توأمها .
وعنوان القصيدة وعنوان اللوحة قد جسّدا معا معاناة السير الطويل ذهابا وايابا
فالقصيدة رسمت الذهاب والإياب واللوحة رسمت الإياب الذي يقتضي ذهابا.
ان مثل هذه المرأة الكادحة هي نموذج لكل الكادحات في أنحاء العالم ولعلّ القارئ يستحضر لنا قصة اليوم العالمي للمرأة:
“يمثل هذا اليوم(8/مارس) رمزا لكفاح المرأة الطويل منذ أكثر من قرن عندما خرجت النساء العاملات بأمريكا الشمالية وأروبا للمطالبة بتحسين أوضاعهن”*
وخلاصة القول فان القصيدة قد رسمت بالكلمات للقارئ معاناة المرأة الكادحة وطنيًا .
ولعل المبدع حمد حاجي قد ارتقى بقضية المرأة الكادحة من الوطنية الى العالمية بارفاق القصيدة بتلك اللوحة الناطقة بالمطالبة بحقوق المرأة الكادحة عالميا.
سلم قلمه المسكون بهكذا قضية اجتماعية.
بتاريخ 13/03/ 2025
المرجع:
https://ww.alhurra.com*
المساواة”بعد300عام”..قصة يوم المراة العالمي وحقيقة واقعها.






