قراءتي في قصيدة(حين يعزف الجد لحفيدته كي ترقص )
للشاعر التونسي حمد حاجي
Hamed Hadji
——————
تــصــديــر
ترى ما الذي يجعل الحب الأول لا يُنسى؟ والشاعر قدم لنا قصيدة ثلاثية الأبعاد عن حب الطفولة جلبت الماضي للحاضر وعكست الحاضر على المستقبل؟
الجواب بسيط ألا وهو نهاية العلاقة وليس بدايتها بالإضافة إلى ان حب الطفولة او الحب الأول يكون عفويا…
وحب الطفولة، عرف دائما بالحب الصادق البريء
والذى لا ينسى أبدا
من أجل ذلك كُتبت هذه القصيدة كتخليد لهذا الحب أو كقربان وفاء لعهد ولّى ومضى…
قصيدة تنبض بالحنين والعذوبة،تستحضر مشهدا طفوليا مليئا بالدفء، حيث يمتزج الحب الأول بذكريات العائلة، فيتداخل الرقص مع العشق، والبراءة مع النضج…
-1-في رحـــاب القــصــيــدة
تماهيا مع جمالية وفنية القصيدة
انطلق من البنية السردية والعاطفية:فالقصيدة تقدم مشهدا متدرجا في إطار محكم
نرى الطفلة تبكي، والجد ينصح، والحبيب المراهق يراقب…
فـيتحول الجدّ
إلى رمز للحكمة والمرح، فهو لا يقمع العشق، بل يعلم فنون الهوى
أما (الحبيبة على عتبة الدار كالمهر) مشهد فيه التردد والجاذبية.
والرقص هنا يتخذ معنى مزدوجا فيكون لعبا طفوليا، وإيقاعا غراميا ناضجــا
في المقطع الأخير نستشعر صيرورة القصيد حيث أن الزمن ماضٍ والعشق باقٍ مستتر (بين الحشاشة والنبض)، مما يمنح القصيدة امتدادا في الزمن
—2–الصور الشعرية
أما الصور الشعرية فهي حسية رفيعة ورقيقة (تدورين كضوء)صورة ديناميكية فيها خفة وبهجة…(وكيف تركتُ خدودك حمرا من القُبَلِ؟) صورة طفولية بريئة نابعة من غزل شفيف ولطيف (أصفّق ضربا على المندلِ) تفعيل الموسيقى جعل المشهد أكثر حيوية وواقعية…
استوقفني هذا البيت
(ووحدي أصفّقُ ضربا على المندلِ) والسبب انني لا أعلم
وجود آلة موسيقية بهذا الاسم
أعرف (المندولين)
وبما أننا في مجازات الشاعر
فهو قد يكون استخدم (المندل )كصورة رمزية، مشيرا إلى حالة من الاستبصار أو الكشف الداخلي، أو ربما استدعاء الغيب والمجهول عبر إيقاع الذات والتصفيق، وقد يكون نوعا من الطقس الشخصي بحثا عن إجابات أو استجلاء مصير ما أو فكّ شفرات خاصة في محاولة لاكتشاف المجهول وقد يكون المقصود هو رحلة في مصير مستقبل هذا الحب فيبدو النص مشحونا بالدلالات الروحية…كما نلحظ أن القصيدة لها جرس وموسيقي وإيقاع كلها نابعة من التناغم الصوتي والدليل وجود هذه الكلمات الحركية
(الرقص/النقر/اللحن/)
مما يجعل النص مشهدا سينمائيا نابضا بالحياة
كما ندرك أن القصيدة رباعية الأطراف(الشاعر ،الجد،الفتاة،الرقص )
والجد هنا ليس مجرد شخصية عائلية بل هو الحكيم ومعلم الحب غير المباشر ويحمل رسالة سامية مفادها( الحب ينمو حيث الحرية والتصالح مع الجسد،والرقص تصالح مع الذات وتوازن عاطفي وفكري بعيدا عن العقد)
هذا الجد لا يقمع العشق ويرعاه بلطف، وهذه نظرة نادرة في تقاليدنا العربية حيث غالبا ما يكون الجد رمزا للصرامة والمحافظة وهنا يبرز التجديد والمروق عن المعتاد وطرافة الطرح عند الشاعر حمد حاجي
أخـــتـم
القصيدة ناعمة، مفعمة بالدفء والحنين، تجمع بين الطفولة والعشق في مشهد واحد، مع تقديم رؤية ناضجة للحب كعلاقة تنبض بالحياة والموسيقى والذكريات…
وكأن الشاعر يكتب في علم الحب ويضيف صفحة لكتاب(طوق الحمامة لابن حزم الأندلسي) الذي يقول فيه من بين ما قال:
فَلَيْسَ لِعَيْنِي عِنْدَ غَيْرِكَ مَوْقِفٌ مَا يَحْكُونَ مِنْ حَجَرِ البَهْتِ
أُصَرِّفُهَا حَيْثُ انْصَرَفتَ وَكَيْفَمَاتَقَلَّبْتَ كَالمَنْعُوتِ فِي النَّحْوِ وَالنَّعْتِ
وهذه الأبيات جسدتها حركة عيني المحب وهو يتابع رقصة المحبوبة…
——-
نص القصيدة
حين يعزف الجد لحفيدته كي ترقص
———
وأذكرُ جئتِ لجدّك باكيةً..
كيف بُسْتُكِ من شفتيك ..؟
وكيف تركتُ خدودك حمرا من القُبَلِ..؟
وينظر جدّك في اضطرابي..
يقول: تمهل حبيبي…
فهذي الصبابةُ تؤخذ باللطافة والحِيَلِ..
ويضحك من سخفنا الجد..
هيا تعاليْ..
أُعَلّمْكُمَا اللهو والرقص … إن الغرام فنون من الأزَلِ..
وأنت على عتبة الدار كالمهر
بالنصف واقفة…
يا لحسن قوامك في رفة الغصن والميَلِ..
ويأخذُ جدّك أوكردُيونَـــهُ حانيا..
رنّة تلوَ أخرى..
ووحدي أصفّقُ ضربا على المَنْدَلِ..
تدورين كالضوء
والشعر بالكتفين ضفائرَ لامعةً..
وفؤادي يرتّلُ أورادَهُ غير منتقلِ..
أيا طفلة القلب…
انتظريني أراقِصْكِ،
إنّ الصبابةَ والرقص فنٌّ وريق يُنال على مهَلِ..
أمدّ يدِي في يديك
وكفي على الخصر..
الله .. الله.. يا لزمان الصبابة بالدار والمَنْزِلِ.. !
2)
على النقر واللحن نختالُ…
ما أحسن الرقصَ بين يديك
وما أقبح الزهد في الحبّ والجهلَ بالرّجُلِ..
تمرّ السنون …
ومازلت أخفي لك العشق..
بين الحشاشة والنبض والموضع الأبهج الأجملِ…
أ. حمد حاجي …
———
فائزه بنمسعود
Québec/15/3/2025






