في مثل هذا اليوم 15 مارس1917م..
إحدى قطعات الجيش العثماني تصل إلى خانقين منسحبة من بغداد بعد دخول القوات البريطانية إليها، حيث أخفق «خليل باشا» في إعداد خنادق تمتد من الكوت إلى بغداد ليحتمي بها جيشه.
الـقـوّات الـبـريـطـانـيـة في الـعـراق :
بـدأت “حـمـلـة بـلاد مـابـيـن الـنّـهـريـن The Mesopotamian Campaign” عـنـدمـا تـقـدمـت الـقـوّات الـبـريـطـانـيـة في 1914، قـبـل أن تـبـدأ الـحـرب الـعـالـمـيـة الأولى (بـدأت الـحـرب يـوم 28 تـمّـوز)، واحـتـلّـت الـبـصـرة وضـفـاف دجـلـة والـفـرات، لـحـمـايـة مـصـالـح شـركـة الـنّـفـط الإنـكـلـيـزيـة ــ الـفـارسـيـة Anglo-Persian Oil Company الّـتي كـانـت الـحـكـومـة الـبـريـطـانـيـة قـد وقـعـت مـعـهـا عـقـداً لـتـزويـد قـوّاتـهـا الـبـحـريـة بـالـوقـود. وقـد امـتـدّت عـمـلـيـات “الـحـمـايـة” هـذه إلى مـنـطـقـة الأهـوار وأطـراف الـصّـحـراء.
وبـعـد بـدايـة الـحـرب، أرسـل “مـكـتـب الـهـنـد” الـبـريـطـاني قـطـعـات مـسـلّـحـة مـن “جـيـش الـهـنـد الـبـريـطـاني” لـحـمـايـة عـبـدان وشـطّ الـعـرب. وكـان الـجـيـش الـرّابـع الـعـثـمـاني يـحـمي ولايـة الـبـصـرة الّـتي كـانـت تـابـعـة لـلـدّولـة الـعـثـمـانـيـة آنـذاك.
وفي الـخـامـس مـن تـشـريـن الـثّـاني عـام 1914، أعـلـنـت بـريـطـانـيـا وفـرنـسـا الـحـرب عـلى الـدّولـة الـعـثّـمـانـيـة. وقـد أجـابـت حـكـومـة “جـمـعـيـة الإتـحـاد والـتّـرقي” بـإعـلانـهـا الـحـرب عـلـيـهـمـا في 14 تـشـريـن الـثّـاني.
وبـدأ الـهـجـوم الـبـريـطـاني بـقـصـف مـيـنـاء الـفـاو في 6 تـشـريـن الـثّـاني.
وقـد بـعـث حـاكـم الـكـويـت الـشّـيـخ مـبـارك الـصّـبـاح بـمـجـمـوعـة مـن رجـالـه لـمـسـانـدة الـبـريـطـانـيـيـن. كـمـا هـاجـم رجـالـه الـقـوات الـعـثـمـانـيـة في عـدّة أمـاكـن. وغـيّـر رايـتـه مـزيـلاً مـنـهـا الـنّـجـمـة والـهـلال، رمـز الـعـثـمـانـيـيـن وأبـدلـهـا بـرايـة حـمـراء في وسـطـهـا كـلـمـة “كـويـت”.
واكـتـمـل احـتـلال الـبـصـرة الـنّـهـائي في 22 مـن ذلـك الـشّـهـر. وطـاردت الـقـوات الـبـريـطـانـيـة الـقـوات الـعـثـمـانـيـة حـتّى الـقـرنـة وأسـرت حـاكـم الـبـصـرة الـعـثـمـاني وحـوالي ألـف رجـل مـن جـنـوده.
وفي 1915 بـدأ أعـضـاء مـن جـمـعـيـة ” الـفـتـاة” بـعـقـد اتـصـالات مـع فـيـصـل، إبـن شـريـف مـكّـة لـلـقـيـام بـحـركـة ضـدّ الـدّولـة الـعـثـمـانـيـة. وقـد تـبـنّى الإنـكـلـيـز هـذا الـمـشــروع ودفـعـوا حـسـيـن، شـريـف مـكّـة وأولاده لإطـلاق “الـثّـورة الـعـربـيـة الـكـبـرى”.
وفي نـيـسـان 1915، عـيّـن مـكـتـب الـهـنـد الـبـريـطـاني الـجـنـرال جـون نـيـكـسـون John Nixon لـيـشـرف عـلى الـعـمـلـيـات الـعـسـكـريـة. وقـرر جـون نـيـكـسـون أن يـطـلـق عـمـلـيـة الـصّـعـود نـحـو بـغـداد. وهـكـذا أمـر تـشـارلـز تـاونـزنـد (يـكـتـب أيـضـاً طـاونـزنـد أو طـونـزنـد) Charles TOWNSHEND بـأن يـتـوجـه بـقـواتـه نـحـو الـكـوت.
وصـعـد تـاونـزنـد دجـلـة مـع قـوات قـلـيـلـة الـعـدد ونـجـح في هـزم عـدد مـن الـقـطـعـات الـعـثـمـانـيـة، وتـجـاوز الـكـوت نـحـو بـغـداد، ولـكـنّ الـعـثـمـانـيـيـن شـكّـلـوا في 5 تـشـريـن الأوّل جـيـشـاً سـادسـاً عـيّـنـوا لـقـيـادتـه الـفـيـلـد مـرشـال الألـمـاني فـون ديـر غـولـتـس Field Marchal Von Der Goltz.
وفي 2 تـشـريـن الـثّـاني الـتـقـت قـوات تـاونـزنـد وقـوات فـون ديـر غـولـتـس في مـعـركـة طـيـسـفـون (سـلـمـان بـاك). وانـتـهـت الـمـعـركـة بـانـسـحـاب الـقـوّات الـبـريـطـانـيـة. وطـاردتـهـا الـقـوات الـعـثـمـانـيـة حـتّى حـاصـرتـهـا في الـكـوت. وبـدأ الـحـصـار في 7 كـانـون الأوّل، ولـم يـسـتـطـع الـبـريـطـانـيـون كـسـر الـحـصـار رغـم مـحـاولاتـهـم الـمـتـكـررة
وتـوفي الـفـيـلـد مـرشـال فـون ديـر غـولـتـس بـعـد إصـابـتـه بـالـكـولـيـرا في 19 نـيـسـان 1916. وفي 24 نـيـسـان هـاجـمـت الـقـوات الـعـثـمـانـيـة الـكـوت ودخـلـت الـمـديـنـة، واسـتـسـلـم تـشـارلـز تـاونـزنـد وجـنـوده بـعـد خـمـسـة أيّـام
وبـعـد فـشـل الـقـوات الـبـريـطـانـيـة في الـوصـول إلى الـكـوت لـفـك الـحـصـار، ثـمّ هـزيـمـتـهـا فـيـهـا، بـذلـت جـهـوداً كـبـيـرة لـتـحـسـيـن الـمـواصـلات بـيـن قـطـعـاتـهـا، ووسـعـت مـيـنـاء الـبـصـرة لاسـتـقـبـال أعـداد أكـثـر مـن الـبـواخـر ولـتـفـريـغـهـا بـسـرعـة كـمـا عـبّـدت الـطّـرق حـول الـمـديـنـة، وسـيّـرت سـفـنـاً بـخـاريـة في دجـلـة.
كـمـا شـكّـلـت إدارة لـلـسـكـك الـحـديـديـة بـعـد أن بـدأ الـمـاجـور فـردريـك كـول Major Frederick Cole وكـتـيـبـتـه الـهـنـديـة بـتـشــيـيـد خـط حـديـدي مـن الـبـصـرة بـاتـجـاه بـغـداد، وبـعـثـت حـكـومـة الـهـنـد الـبـريـطـانـيـة إلى الـبـصـرة بـعـدد مـن عـربـات الـقـطـار.
وهـكـذا أمـكـن لـلـجـيـش الـبـريـطـاني أن يـجـلـب إلى جـبـهـة الـعـراق بـأعـداد أكـبـر مـن الـجـنـود والـمـعـدّات الـحـربـيـة وأن يـتـهـيـأ لـلـصـعـود نـحـو بـغـداد.
وبـدأت “الـثّـورة الـعـربـيـة الـكـبـرى” عـام 1916 بـعـد أن وعـد الـبـريـطـانـيـون الـحـسـيـن، شــريـف مـكّـة، كـمـا سـبـق أن رأيـنـا بـإنـشـاء مـمـلـكـة عـربـيـة لـه ولأولاده. ولـكـن بـريـطـانـيـا وفـرنـسـا وقـعـتـا في 16 أيّـار مـن نـفـس الـعـام مـعـاهـدات سـايـسكـس ــ بـيـكـو لـتـقـسـيـم ولايـات الـدّولـة الـعـثـمـانـيـة بـيـنـهـمـا مـن غـيـر أن تـعـلـمـا شـريـف مـكّـة بـذلـك.
وفي نـفـس الـعـام، 1916، وصـلـت الـمـس جـرتـرود بـيـل Gertrude BELL إلى الـبـصـرة بعـد أن قـضـت عـامـاً في الـمخـابـرات الـبـريـطـانـيـة في الـقـاهـرة.
وعـيّـن الـلـيـوتـنـات ــ جـنـرال فـريـدريـك سـتـانـلي مـود Lieutenant General Frederick Stanley MAUDE عـلى رأس الـقـوات الـبـريـطـانـيـة في الـعـراق،
ووصـل مـن مـصـر مـع كـتـيـبـتـه إلى الـبـصـرة في أواخـر عـام 1916. واسـتـلـم في شـهـر كـانـون الأوّل 1917 أمـراً بـالـمـسـيـر نـحـو بـغـداد واحـتـلال مـا لـم يـكـن قـد احـتـل بـعـد مـن ولايـة الـبـصـرة ثـمّ ولايـتَي بـغـداد والـمـوصـل.
وألـقى الـجـنـرال مـود أوامـره بـبـدء الـهـجـوم في 13 كـانـون الأوّل. وتـقـدمـت الـقـوات الـبـريـطـانـيـة عـلى ضـفـتي دجـلـة، وتـسـاقـطـت مـراكـز الـدّفـاع الـعـثـمـانـيـة أمـامـهـا.
وبـعـد أن اسـتـعـادت الـقـوات الـبـريـطـانـيـة (بـمـسـاعـدة قـطـعـات هـنـديـة) الـكـوت مـن أيـدي الـقـوّات الـعـثـمـانـيـة في 24 شـبـاط
ووصـلـت قـرب بـغـداد في 5 آذار. وقـد حـاول والي بـغـداد خـلـيـل بـاشـا إيـقـافـهـا أمـام نـهـر ديـالى ولـكـنّ قـوات الـجـنـرال مـود سـلـكـت طـريـقـاً أخـرى وعـادت إلى مـنـطـقـة ديـالى الّـتي احـتـلـتـهـا في 10 آذار، ثـمّ تـوجـهـت نـحـو بـغـداد، فـانـسـحـب خـلـيـل بـاشـا ثـمّ ركـب الـقـطـار تـاركـاً بـغـداد نـحـو سـامـراء.
ودخـلـت الـقـوات الـبـريـطـانـيـة (الّـتي شـكّـل أغـلـبـهـا جـيـش الـهـنـد الـبـريـطـاني) في بـغـداد يـقـودهـا الـلـيـوتـنـات ــ جـنـرال فـريـدريـك سـتـانـلي مـود في 11 آذار.
ونـرى في الـصّـورة جـنـود الـفـوج الأوّل لـكـتـيـبـة هـامـبـشـر الـرّابـعـة The 1st Division of the 4th Hampshire Regiment، يـدخـلـون مـن بـاب الـمـعـظـم (بـاب الـسّـلـطـان) ويـسـيـرون في جـادّة خـلـيـل بـاشـا (خـلـيـل بـاشـا جـادة سي، الّـتي أصـبـحـت بـعـد ذلـك The New Street ثـمّ شـارع الـرّشـيـد) بـيـن مـجـمـوعـات مـن أهـل الـمـديـنـة.
وقـد تـسـاءلـت عـنـدمـا تـفـحـصّـت هـذه الـصّـورة عـن مـن الـتـقـطـهـا بـعـد أن أعـدّ الـمـشـهـد، فـلا يـمـكـن أن تـكـون قـد الـتـقـطـت عـفـويـاً في زمـن كـانـت آلات الـتّـصـويـر فـيـه ضـخـمـة وثـقـيـلـة وتـحـتـاج الـصّـور الّـتي تـلـتـقـطـهـا إلى تـهـيـئـة وإعـداد، كـمـا تـسـاءلـت لـمـاذا كـان الـنّـاس يـنـظـرون إلى عـدسـة الـمـصـوّر بـدلاً مـن أن يـنـظـروا إلى الـجـنـرال وجـنـوده، ومـن وضـع الـمـنّـصـة الّـتي نـراهـا عـلى يـمـيـن الـصّـورة، حـتّى وجـدت الـجـواب في الـتّـعـلـيـق الّـذي يـصـاحـب الـصّـورة في الأرشـيـفـات الـحـكـومـيـة لـلـمـمـلـكـة الـمـتّـحـدة. (4)
فـقـد ذكـرت هـذه الأرشـيـفـات أنّ الـفـوج الّـذي نـراه خـلـف الـجـنـرال مـود كـان مـخـيّـمـاً خـارج بـغـداد. وبـعـد أن دخـلـت الـقـوّات الـبـريـطـانـيـة في بـغـداد واسـتـولـت عـلى كـلّ الـمـديـنـة، اسـتـلـم هـذا الـفـوج أمـراً بـالـدّخـول فـيـهـا. وجُـمـع الـنّـاس عـلى جـانـبي الـطّـريـق لالـتـقـاط هـذه الـصّـورة لـكي تـنـشـر لأغـراض دعـائـيـة وتـسـتـعـمـل لإظـهـار قـوة الـجـيـش الـبـريـطـاني وانـتـصـاراتـه في الـحـرب، ولكي تـظـهـر “الـحـفـاوة” الّـتي اسـتـقـبـلـه الـعـراقـيـون بـهـا لـيـخـلـصـهـم مـن “الإضـطـهـاد الـعـثـمـاني”.!!!!!!!






