ينسج النص تجربة روحية حالمة، حيث تختلط قدسية ليلة القدر بجمال الحب الإنساني، لتصبح اللحظة العاطفية ذات بعد كوني وروحاني. تمكن الشاعر من توظيف اللغة بإيقاع موسيقي وجداني، يجمع بين الطقس الصوفي والتفاصيل اليومية الحميمة، مما يخلق نصاً غنياً بالجماليات.
استخدم الشاعر تراكيب لغوية ذات وقع إيقاعي عذب، تتناغم مع الجو القدسي للنص. على سبيل المثال، في قوله:
“فما أروع الحبّ / حتى الملائك حامت تظللنا بالجناح”،
نجد تكراراً وإيقاعاً خفياً يخلق جواً من الترانيم الروحية، يعكس حالة من الانسجام بين الحب الإنساني والتجلي القدسي.
يعج النص بالصور الحسية التي تجسد لحظة اللقاء في بعدين متداخلين: الواقعي والروحاني. ففي قوله:
“وخرّ فؤادي لمقدمها.. صعقا… / بهرةٌ من ضياء.. / وكمشة نور بخطوتها حينما تضرب الأرض بالقدم..”،
تتحول المحبوبة إلى كيان نوراني يتجاوز الماديات، مما يعزز الطابع الرمزي للصورة ويربط بين الحسي والمقدس، فيصبح اللقاء أشبه بتجربة صوفية قائمة على التجلي والانخطاف.
يبرز الشاعر مهارته في تحويل التفاصيل اليومية إلى رموز تحمل دلالات روحية عميقة. نجده يوظف عناصر مألوفة مثل المائدة والطعام ليمنحها طابعاً أسطورياً، كما في قوله:
“وفي يدِهَا قصعة الكُسْكُسِيّ / ومالت عليّ بطَسْتٍ وكوز من الدّسَمِ..”
هذا التوظيف يجعل التفاعل مع النص أكثر قرباً وألفة، إذ يخلق جسراً بين الحياة اليومية والقدسية، حيث تتحول التفاصيل البسيطة إلى إشارات لحالة روحية سامية.
لا يتعامل النص مع ليلة القدر كحدث ديني فحسب، بل كرمز للحظة تجلٍّ ولقاء بالحقيقة المطلقة، سواء كانت حقيقة الحب أو الروح. يتجلى ذلك في السطر الأخير:
“ها أنا الآن أمشي بها في المسارب.. / وضاءةً في كفوفي كما البدر في الظلمِ..”،
حيث تتحول خصلة الشعر إلى ضوء، وكأنها بركة روحية ممتدة، تعكس حالة من اليقين والنور، وكأن الشاعر يطوف بها في دروب الحياة كتعويذة مقدسة.
تمكن الشاعر من المزج بين لغة بسيطة يومية ولغة شعرية ذات حمولة رمزية كثيفة، مما يمنح النص طراوةً وسلاسة دون أن يفقد عمقه. فهو يستدعي الموروث الشعبي (كالأطعمة والتقاليد) في سياق روحاني عميق، ليخلق تجربة قراءة مزدوجة بين الحسي والمقدس، بين العشق الإنساني والتجلي الإلهي.
بذلك، يجسد النص لقاءً شعرياً راقياً بين الإنسان وزمنه المقدس، حيث يمتد الحب في فضاء من النور واليقين، ليكون تجسيداً للجمال الروحي والإنساني في آنٍ واحد.
تحياتي والإكبار دكتور دمت قديرا






