🖌️📖 قراءتي في قصيدة(ليلة القدر)
للشاعر التونسي : حمد حاجي
Hamed Hadji
—————————
—-تــصـديــر
القصيدة عشقية بامتياز ولكن بشطحات صوفية محضة
والعشق هو مبدأ تصوفي يدل على التعلق الشديد بالله. وهناك ثلاث أنواع من العشق في الصوفية: العشق المجازي، عشق الرسول والعشق الحقيقي ألا وهو عشق الله
والعشق هو حب ويكوّن وحدة واحدة غير قابلة للذوبان
والعنوان(ليلة القدر) خير دليل
—في رحـــاب القصـيدة
(ليلة القدر)قصيد يحمل نفحات روحية وعاطفية تتشابك في نسيج شعري يبرز الوجد العشقي…
تتمتّع القصيدة بـتصوير بصري حالم فتنطلق بصورة ناعمة للذكرى التي تغفو في في الروح قبل الجفن وكأن الشاعر يحاول الإمساك بوهج الذكرى كما يحاول الإمساك بألوان الطيف، في تعبير عن استحالة الاحتفاظ بالجمال الزائل
أمّــا التداخل بين الروحي والعاطفي فيتجلى في المزج بين ليلة القدر وما تحمله من قداسة، وبين حضور الحبيبة التي تتخذ طابعًا شبه ملائكي، حيث يصبح اللقاء لحظة روحانية يتخلص فيها الحبيبان
من كل ما هو مادي وخاصة طين الجسد الثقيل
كما أن للموروث الثقافي والعادات والتقاليد مكانة كـ (البخور) (الشيح ) (الرتَم )
ولعل أروع ما يثير ا
الإعجاب هو توظيف طبق شعبي تونسي (الكُسْكُسِي) من
أصول أمازيغية يروي تراث الإنسانية في تونس
مما يضفي طابعًا ثقافيا محليا على المشهد،ويرحل بنا لعلاقتنا
بهذا الطعام الذي يمثل عمودا في تراثنا الغير مادي وفخر المطبخ التونسي
ومع التدرج الدرامي تبدأ القصيدة بحالة انتظار وتأمل، ثم تتصاعد اللحظة الشعورية مع قدوم الحبيبة في ليلة النصف من رمضان، فتبلغ الذروة عند مقطع (وخرّ فؤادي لمقدمها.. صعقا…)
في تناص جميل مع القرآن الكريم {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا الأعراف:143}
حيث يصبح اللقاء تجربة نورانية أو لحظة وحي يوحى
كما نلمس دقة التوظيف البديع للفظة (ضفيرة الشعر )في المقطع الأخـيـر حيث تتحول خصلة الشعر إلى رمز للخلود
أفتح قوسا هنا للحديث عن هذه العادة
حيث كانت خصلات الشعر تُهدى للحبيب غير المتزوج، وكأنها بطاقة حب رومانسية كما فيه التمرد على عادات وأعراف القبيلة التي تمنع غالبا اجتماع الحبيبين والزواج ولهذا تهدي الفتاة تاج أنوثتها لحبيب قد لا تراه مدى الحياة وفي هذا يقول الشاعر اللبناني(إلياس فرحات)
خُصْلَةُ الشَّعْرِ التي أَعْطَيْتِنِيهَا
عِنْدَمَا البَيْنُ دَعَانِي بِالنَّفِيرْ
لَمْ أَزَلْ أَتْلُو سُطُورَ الحُبِّ فِيهَا
وَسَأَتْلُوهَا إِلَى اليَوْمِ الأَخِيرْ
خُنْتِ عَهْدَ الحُبِّ لا بَأْسَ فَإنِّي
مُكْتَفٍ بِالأَثَرِ الغَالِي الثَّمِينْ
والشاعر في (ليلة القدر)
يحتفظ بالخُصلة ليكتب اسم الحبيبة على العرش واللوح والقلم، وهو تصوير يدمج الحسي بالميتافيزيقي في لمسة شعرية مدهشة وعودة من جديد لأروع تناص مع القرآن الكريم(العرش /القلم/اللوح)
ثلاثية يقوم عليها القضاء والقدر
أخــتــم
القصيدة تنتمي إلى عالم الشعر الصوفي العشقي، حيث الحب يرتقي إلى مقام الروحانية، فتختلط المحبة الإلهية بمحبة الإنسان، ويصبح العشق وسيلة للعبور إلى المطلق إلى الانعتاق
هذه القصيدة هي عبارة عن إحساس سادس لدى الشاعر. وهذه الحاسة السادسة هي ما تفرق الشاعر عن بقية الخلق فالرؤية الداخلية لا تكون إلا للإنسان وللشاعر على الخصوص نظرا لدقة إحساسه بما حوله وبانصهاره وذوبانه لحظة الكتابة في رحابة الكون
إنه التجلي ونور القصيدة الذي
يلقى في الوجدان
فائزه بنمسعود
Québec/17/3/2025






