🖌️📖قراءتي في قصيدة (السقاء والسنونوة)
للشاعر التونسي Hamed Hadji
————-
تـــصـــديـــر
—أ—في حضرة العنوان
العنوان علامة تواصلية مع المرسل (الشاعر)والمرسل إليه (المتلقّي) إذ يشكل حمولة دلالية كما أنه يمثل أعلى اقتصاد لغوي وبلاغة الإيجاز ويمثل حقل جاذبية للمتلقّي (الكاتبة)
للعنوان دلالاته
يحمل عنوان القصيدة [السقاء والسنونوة ] دلالتين متقابلتين وتحدّدان جوهر العلاقة بين طرفيها
فالسقاء-ويرمز إلى الإنسان الحامل للعطش والحرمان يسير مثقلا بالماء لكنه عاجز عن إطفاء عطشه كما أنه يحمل في بعده الرمزي صورة العابر الذي يحمل مشاعره في صمت ويكابد تحت وطأة وحدته
والسنونوة: هذا الطائر الموسميّ المهاجر صورته مرتبطة بالربيع والدفء، والتنقل والحرية، و عمق الحنين، إذ يعود إلى المكان الذي ألفه رغم رحلاته الطويلة…
كما أن العنوان يوحي بعدم تكافؤ العلاقة بين طرفين،
فالسقاء الذي يمثّل الشاعر الذي يسير مثقلا بحمله من المشاعر وطول الانتظار…
أمّا السنونوة فهي تمثل الحبيبة التي هي طيف عابر، تحلّ ثم ترحل، تبني عشّها دون أن تبالي بحاله…هذا التناقض بين الاستقرار والترحال، بين الامتلاء أي الارتواء والظمأ، يشكل المحور العاطفي للقصيدة…
–
ب— في رحـاب الـقـصـيـدة
القصيدة مشبعة بصورٍ شعريةمصدرها الطبيعة والموروث الشعبي، لتجسيد مشاعر الحب والانتظار أتناول هذه الصور كما يلي
— صورة الرياح والخطاطيف
(تحلُّ أوائل فصل الربيع / كسرب خطاطيف / أجنحةً حائماتٍ إلى أركن الغرفِ)
فنرى الربط بين الربيع والخطاطيف (السنونو)، حيث يحلّان معا، كـكيان واحد، يدخلان الغرف، أي يقتربان من العاشق لكنه لا يستطيع الإمساك بهما،وكأنه يلاحق السراب
—صورةالحنين والانتظار
(وتحسبها حين ترفع عن خدها طرف منديلها / مسكة فوق كافورة / فاحتا من شدة الشوق والكلَفِ)
حيث يربط الشاعر بين رائحة العطر (المسكة والكافور) والحنين، وكأن ذكرى الحبيبة تفوح بمجرد أن يستحضرها، في صورة حسية تجمع بين العطر والمشاعر…
—صورة الفقد والمعاناة
(ووحدي كسقاءَ أحمل روحي / ودمعي تقاطر بالدرب)
وهنا يتماهى العاشق مع صورة السقاء الذي يحمل الماء، لكنه يظل ظمآن و دموعه تتقاطر تماما كالماء الذي يحمله ولا يشرب منه،وهذا تشبيه دقيق للحب المعذّب الذي يمنح العاشق مشاعر جيّاشة لكنه يظل ظامئا للمقابل…
—صورة الطائر العابر والحبيبة العابرة
(وأنتِ كطير السنونو تمُرّين عند الغروب..)
(تلوكين بين المناقير أضلاعَ قلبي بماء الغرام / وتبنين عشك بالطين بين أعمدة السُّقُفِ..)
وهنا تبرز رمزية السنونوة، التي تأتي وتمضي، تبني عشّها لكن دون اكتراث بالعاشق…استخدام فعل (تلوك )في وصف فعل السنونوة بالقلب المعنّى يضيف بُعدا من الألم الممزوج بالعشق والصبابة
فينتاب المتلقي إحساس بأن الحب ذاته خزّان أوجاع…
—صورةالغيرة على الاسم والحب المكتوم
(وأحسد كل الأسامي/ في حضرة النادهين إذا ما ذُكرنَ، / أغار على اسمك، واسمُكِ… عشّاقَ، عنَّاقَ كاللامِ بالأَلِفِ..)
فالعلاقة بين الاسم والحب عميقة، فتصبح الغيرة حتى على ذكر الاسم تعبيرا عن الامتلاك العاطفي،ويلج الشاعر دائرة
الحب الاستحواذي وهي حالة يشعر فيها الشخص برغبة ساحقة هائلة في امتلاك وحماية شخص آخر يشعر بجاذبية قوية تجاهه
ثم يعمّق الشاعر المعنى بالصورة الجمالية لحروف الاسم المتعانقة مثل (اللام بالألف)أي (لا)
—صورةالقسم الأبدي بالحب (أحبك جدا وأقسم بالله والرُّسْلِ والصّحفِ / أحبك ما مرّ طيفك او حام طير الخطاطيف بين الديار / ولن أتراجع عن حلفي) فالقسم هنا يحمل طابعا القداسة، ليصبح يشبه الحب فعل إيماني ديني لا رجوع عنه، ويجعله ممتدا امتداد الطيف والخطاطيف التي تهاجر وتعود…
وما زال الشاعر يسبر اغوار الثنائيات فنلمس -ثنائية العاشق والمعشوقة
ثنائية السقاء/السنونوة
ثنائية الاستقرار/الرحيل
ثنائية المُحبّ الصادق/المحبوبة التي تمر ولا تبالي
وهذه الثنائية تعكس طبيعة الحب العذري الذي يتسم بالانتظار والحرمان…
أما الحنين والانتظار
فيجعلان العاشق متشبثا بذكرياته وبمرور الحبيبة، منتظرا بكل يقين عودتها مثلما يعود السنونو في كل ربيع
الغيرة والامتلاك العاطفي
تكرار الحديث عن الاسم والغيرة عليه، وإصرار العاشق على حبّه الأبدي، يعكس رغبة في التملّك العاطفي رغم استحالة ذلك،
الحب الممزوج بالألم
الحب هنا ليس سعادة، بل وجع ممتد، متجسد في الدموع والقسم والغيرة.
⸻
فنيات وأسلوب تناول القصيدة
نجد توزيعا بصريا للقصيدة
فهي مكتوبة في أسطر متباعدةوهذا يخلق إحساسا بالتمهل والتأمل حيث كل صورة تأخذ وقتها في البروز وتمنح المتلقي استيعاب وتخزين المشهد فهو يلعب
على مربكة تجميع الاجزاء لإكتمال اللوحة الشعرية
أما الإيقاع
فقد اعتمدت القصيدة على تنويع الوزن والقافية، مما يمنحها طابعا موسيقيا يجذب القارئ ويعكس المشاعر المتغيرة والمتأرجحة بين الشوق، والغيرة، والألم
وظّف الشاعر التكرار لتعميق الفكرة وترسيخها لدى المتلقي مثل تكرار (اسمك) و(أحبك)مما يعزز من إحساس التعلق والوله ووجع التجاهل ..
بالإضافة إلى الجمع بين صور الطبيعة (السنونو، النسائم، الطيور) والمشاعر العاطفية يجعل التصوير أكثر حيوية وعمقًا…
ج—أخـــتـــم
(السقاء والسنونوة )قصيدة محمّلة بالمشاعر العميقة والرموز المستوحاة من الطبيعة، حيث يبدو الحب على هيأة انتظار أبدي لحبيبة تأتي لتمضي وترحل لتعود حسب المواسم والفصول وهكذا تختزن القصيدة بُعدا صوفيا،مما يرقى بالعشق إلى مقام الإيمان الراسخ
القصيدة عبارة عن لوحة جميلة
فيها يقف السقاء بثقله وحزنه، بينما تحلق السنونوة في الأفق، إنها قصيدة مفتوحة على عدة احتمالات اللقاء والفراق، مع الثابت الأكبر الذي يتمثل في أن الحب أقوى من الرحيل ومن الغياب…
—————————-
الــقــصــيــدة
السقاءُ والسنونوة
تحلُّ أوائل فصل الربيع
كسرب خطاطيف
أجنحةً حائماتٍ إلى أَرْكُنِ الغُرَفِ…
.
ويوشك طيب النسائم يحملها في جوانحه ولطافته
وتكادُ النسائم تُمْسِكُنِي
أو تشدّ على كتفي..
.
وتحسبها حين ترفع عن خدها طرف منديلها
مسكةً فوق كافورةٍ
فاحتا من شدة الشوق والكلَفِ
.
ووحدي كسقاءَ أحملُ روحي
ودمعي تقاطر بالدرب..
سقّاءَ يمشي بأجفانه قِرْبةٌ وبأعماقِه عتمةُ الدرّ في صَدَفِ
.
وأنتِ كطير السنونو تمُرّين عند الغروب..
تلوكين بين المناقير أضلاعَ قلبي بماء الغرام
وتبنين عشك بالطين بين أعمدة السُّقُفِ..
وأناديك: يا طائر البرّ قل لي:
أمثلي، بطيّ جواك انقباض وحزنُ؟
أعندك ما ذقتُ من أَلَــمِ البُعدِ والوصلِ والشَّغَفِ؟..
.
وأحسد كل الأسَامِيّ
في حضرة النادهين إذا ما ذُكرنَ،
أغار على اسمك، واسمُكِ… عشّاقَ، عنَّاقَ كاللامِ بالأَلِفِ..
.
واسمك أوشك أفضحه
وأحاول كتمانه فيفوح ..
كأنه نشرُُ زهورٍ وينثالُ في كفِّ مُقتَطفِ
.
تمرين طيفا بموعده .. في السهاد..
وأطلب من جدتي أن تُخضب منك الجناحين
مَا أَقْتلَ الحبَّ مَا لَمْ يكن بالوعود يَفي
.
لكنك تأتين رافلة في الصبابة والسُّهد واللّهَفِ
فأمنع عنك الصغار وطيشهُمُو في الزقاق..
وألا يناوشك التربُ والصائدون بالطوب والخزفِ..
.
أحبك جدا وأقسم بالله والرُّسْلِ والصّحفِ
احبك ما مرّ طيفك او حام طير الخطاطيف بين الديار
ولن أترا جع عن حلفي..
الشاعر حمد حاجي
فائزه بنمسعود
Québec/24/3/2025






