فى مثل هذا اليوم 1 يونيو 1955م..
استقلال تونس.
توافق هذه الأيّام الذكرى السبعين لإمضاء اتفاقيات الاستقلال الداخلي لتونس بين أعضاء وفد التفاوض للحزب الدستوري بقيادة رئيس الحكومة الطاهر بن عمّار، ورئيس الحكومة الفرنسية «إدغار فور» (Edgar Faure) وذلك يوم 3 جوان 1955 بباريس. وبقدر ما مرّ حدث إمضاء الاتفاقيات مرور الكرام فإنّ عودة زعيم الحزب، الحبيب بورقيبة صبيحة يوم غرّة جوان 1955 بميناء حلق الوادي على متن الباخرة »الجزائر« (Ville d’Alger) بعد غياب دام أكثر من سنتين،كانت حدثا استثنائيا في تاريخ تونس، لا يزال راسخا في ذاكرة التونسيّين الذين عايشوه ممّن هم على قيد الحياة اليوم. وقد اعتبره المختصّون أهمّ حدث في تاريخ تونس المعاصر بعد حدث الحماية في 12 ماي 1881 ونُعت في الأدبيّات الرسمية للحزب بـ «عيد النصر» وظلّ يُحتفل به سنويا كعيد وطنيّ ويوم عطلة رسمية خالصة الأجر منذ 1958 إلى غاية زوال الحكم البورقيبي في خريف 1987. لذلك جدير بنا الوقوف عند هذا الحدث التاريخي المنعرج في الذاكرة الجماعية والمؤثّر في المشهد السياسي بتونس لاحقا: ظرفيته، طبيعته، رمزيته وتداعياته السياسية…
بعد أكثر من سنتين من انطلاق المقاومة المسلّحة للمستعمر الفرنسي في 18 جانفي 1952 بالجبال والأرياف والقرى والمدن…، أيقنت فرنسا على ضوء الهزيمة التي منيت بها في معركة «ديان بيان فو» (Dien Bien Phu) بالهند الصينية يوم 8 ماي 1954 أنّه لا سبيل للمماطلة وأنّ ساعة «الرحيل» عن تونس قد أزِفت رغم معارضة حزب المعمّرين لذلك وتواصل مسلسل الاغتيالات والاغتيالات المضادّة وثقل الحصيلة البشريّة من الجانبين، التونسي والفرنسي بين 1952 و 1954… وقد آثر رئيس الحكومة الفرنسية الجديد الراديكالي، «بيار منداس فرانس» الخروج من هذا المستنقع الذي تردّى فيه الجيش الفرنسي بتونس بكلّ الطرق، في ظلّ إصرار التونسيّين على انتزاع حريتهم واستقلالهم. ومن أجل تجسيم فكرته، قام رئيس الحكومة الفرنسية باتصالات مع محمّد المصمودي (ممثل الحزب الدستوري بباريس) والتقى سرّا ببورقيبة الموجود بقصر فارتِي بآميّي (château de La Ferté à Amilly) بضواحي باريس في 21 جويلية 1954 بمنزل الدكتور أحمد صمعيّة وحضور الدكتور رجاء بالرايس… وقرّر فجئيا السفر إلى تونس العاصمة التي حلّ بها يوم 31 جويلية 1954 حيث التقى محمّد الأمين باي وأعضاء الحكومة بقصر قرطاج (بيت الحكمة اليوم) وألقى خطابه الشهير الذي من أهمّ ما جاء فيه: «… إنّ فرنسا تعترف رسميا بالاستقلال الداخلي لتونس وتنادي به وتريد تأكيده على عين الملأ وتريد أن توفّر له أسباب النجاح…».
ونتيجة لذلك تكوّنت في 7 أوت 1954 حكومة تفاوضية برئاسة الطاهر بن عمّار، ضمّت شخصيات وطنية من بينها الهادي نويرة والمنجي سليم… التقت في 04 سبتمبر 1954 بقصر الحكومة بالقصبة الوزير الفرنسي المكلف بشؤون المغرب وتونس في حكومة «منداس فرانس»، «كريستيان فوشي» (Christian Fouchet)، الذي كان مصحوبا بالمقيم العام «بوايي دي لاتور»(Boyer De La Tour) وعدد من الخبراء. وتأكيدا لحسن نواياها، ألغت السلطات الفرنسية في نفس اليوم قرارها السابق القاضي بحلّ الحزب الدستوري، لتنطلق بباريس في 13 سبتمبر 1954 مفاوضات الاستقلال الداخلي بشكل رسميّ. ومن المسائل التي تمّ الاتفاق عليها في أولى جلسات المفاوضات.وضع حدّ للعمليات المسلحة وتسليم المقاومين للسلاح قبل 31 ديسمبر 1954 مقابل التزام السلطات الفرنسيّة منحهم الأمان وعدم مقاضاتهم… وتجاوبا مع ذلك كلّف الحزب الدستوري 22 شخصية من قياداته، بمهمّة الإشراف على تجميع الأسلحة وتمكين كل مـــن سلّم ســـــلاحه من المقاومين بطاقة المقيم العام الفرنسي «بطاقـــة بوايــي دي- لا تور» (Carte Boyer De La Tour) التي تقضي بعدم تتبّع صاحبها. غير أنّ المفاوضات كانت عسيرة واستغرقت ستّة أشهر كاملة ولم تتوّج بسبب سقوط حكومة «منداس فرانس» يوم 5 فيفري 1955. وفي يوم 28 فيفري تشكّلت حكومة «إدغار فور» واستأنفت المفاوضات يوم 15 مارس 1955 مع الوفد التفاوضي التونسي برئاسة الطاهر بن عمّار وكلّ من: المنجي سليم والعزيز الجلّولي ومحمّد المصمودي وجملة من الخبراء: محمود المسعدي والعابد مزالي وألبار بسّيس ومحمود الخياري ومختار العتيري…!!!!!






