قراءة نقدية سجالية القصيدة الارسالية بين الوطنية والإنسانية

قراءة نقدية سجالية:
“القصيدة الإرسالية بين الوطنية والإنسانية”
الجنس الأدبي: إرساليات قصيرة جدا..
العنوان : “وما أعذب الكلام على الكلام”
الإرسالية عدد (11).
الشاعر:عمر دغرير (تونس)
القصيدة الارسالية :” تعب المساء وما تعبت”
الشاعرة :آمال بوحرب (تونس)
القصيدة الارسالية: ” قلت أتعبك المساء”
الناقدة:جليلة المازني (تونس).
المقدمة:
إن الارساليتين القصيرة جدا لهذا اليوم 03/ 07/ 2025 تتعلق بسجال بين الشاعر عمر دغرير بقصيدته الإرسالية القصيرة جدا ” تعب المساء وما تعبت” والشاعرة آمال بوحرب بقصيدتها الارسالية ” قلت أتعبك المساء”.
أين تكمن عذوبة ” ما أعذب الكلام على الكلام” بالإرساليتين (11)؟
ان ترقيم الإرساليات يشي بأنها تتناغم أيضا وأدب اليوميات.انها ارساليات يومية.
أ- المشترك بين الإرساليتين (11):
– التناص المعجمي
– ثنائية الزمان والمكان
– التقاطع بين الوطنية والانسانية
ب- المختلف بين الإرساليتين(11):
القراءة النقدية السجالية: “القصيدة الارسالية بين الوطنية والانسانية”:
1- الشاعر عمر دغرير والوطنية :
أ- العنوان “تعب المساء وما تعبت”:
+ ان العنوان مشحون بثنائية النفي والاثبات:
– يثبت الشاعر تعب المساء.
– ينفي تعبه.
+ ان العنوان يحمل مفارقة بين المساء والشاعر:
– هل الشاعر في صراع مع الزمن (المساء)؟
هل المساء بمفهوم الزمن في المطلق أم بمفهوم الليل النسبي؟
– لماذا الشاعر ينفي تعبه؟
– لماذا يقاوم الشاعر التعب؟
– كيف سيقاوم التعب؟
إن بين النفي والإثبات محاسبة الشاعر لنفسه عن وقته فهو:
* من ناحية يتناغم مع قول الرسول” المرء مسؤول عن وقته بين يدي الله يوم القيامة”.
* يتنافى مع قول المعري:
تعب كلها الحياة وما // أعجب الاّمن راغب في ازدياد.
ان الشاعر لم يستسلم لتعب الوقت كما المعري بل يواجه تعب المساء(الزمن) بعدم استسلامه للتعب.
ب- التحليل:
يواصل الشاعر عمر دغرير مع ثنائية الاثبات والنفي بين فرار الكلام من شفتيه وعدم غضبه فيقول:
“وفرّ الكلام من شفتي وما غضبت”
وبين فرار الكلام وعدم غضبه مقاومة إرادية نفسية ليعود إليه كلامه وبالتالي إبداعه الذي يعشقه .
ولعل هذا ما جعله يتحدّى تعب الزمن ..والزمن بطبعه غلاب بظلمه ورعبه ومتناقضاته ليفتح الشاعر نافذة الحرف وبالتالي ليعيد لنفسه حقه في حاسة النطق التي ستحرّره ممّا يكبّله من تعب الزمان (المساء). والمساء هو الزمن اليومي المتكرر.
لذلك هو تجاوز مشاعره بالتعب ايمانا منه بلغة العقل التي تقتضي منه الكلام
فيقول:
فقط عفست على قلبي
ثم قفزت
لأنك كنت هناك يا وطني
وفي هذ الاطار نرى الشاعر في صراع بين الزمان والمكان :
– تعب الزمان (المساء اليومي المتكرر).
– واجب الوطن.
ان واجب الوطن يقتضي ما تحمّله الشاعر من تعب المساء ومعاناته في الدوْس على قلبه تحكيما للعقل خدمة للوطن.
والوطن هو أحد أقطاب مثلث الشاعر عمر دغرير(القصيدة / المرأة/ الوطن) وهاجسه.
وفي هذا الاطار ما يمكن أن يكون ردّ الشاعرة آمال بوحرب في إرساليتها اليومية السجالية على الشاعر عمر دغرير؟
=== يتبع ===
=== يتبع ===
2- الشاعرة آمال بوحرب والانسانية :
أ- العنوان: “قلتَ أتعبك المساء”
ان الشاعرة آمال بوحرب ترد على قول الشاعر عمر دغرير الذي أتعبه المساء:
– فيما يتمثل ردّها؟
– هل ستتناغم معه أم لها رأي آخر؟
ب- التحليل:
استهلت الشاعرة ردّها باستخدام أسلوب انزياحي تركيبي قائم على الاستفهام فتقول:
أما علمتَ أن المساء
في الغربة لا ينام ولا يرتاح؟
انه استفهام فيه استغراب من موقف الشاعر عمر دغرير ازاء ثنائية الاثبات والنفي لتعب المساء وعدم تعبه.
وكأني بالشاعرة تهوّل تعب الزمان في بلد الغربة لتخفف عنه ما يعاني من صراع بين تعب المساء وعدم استسلامه لهذا التعب.
وبين التهويل والتخفيف تكمن المرونة في التعامل مع الوضعية.
ولئن كان الشاعر لا يستسلم لتعب الزمان وهو في وطنه فالشاعرة تضاعف تعب الزمان وهي في الغربة. والشاعرة تقول ذلك عن دراية وتجربة لأنها تعيش الغربة في المهجر ممّا جعلها تعيش المعاناة والصراع مع الزمن والمكان.
والزمن والغربة كما يرى بعض النقاد “كلمتان مرتبطتان ببعضهما البعض بشكل وثيق فالغربة سواء كانت مكانية أو معنوية غالبا ما تجعل الإنسان يشعر بمرور الزمن بشكل مختلف فالوقت قد يبدو أسرع أو أبطأ تبعا لشدة الشعور بالغربة”
وبالتالي فان الشاعرة تثير هنا قضية الصراع مع الزمن داخل وخارج الوطن.
وهي بذلك تثير غربة الروح وغربة الجسد وأيهما أشدّ قسوة؟
لعل الشاعرة تجعل القارئ يتعاطف معها في صراعها مع الزمن في بلد الغربة.
ولئن داس الشاعر عمر دغريرعلى قلبه من أجل وطنه فان الشاعرة آمال بوحرب قد سُلِب قلبها الراحة منذ افتقدت ملامحه.
وتستأنف الشاعرة السجال مع الشاعر انطلاقا من قوله فتقول:
قلتَ :
فرّ الكلام من شفتيك
ونسيتَ أن كلماتي تربّتْ في المنافي
وتعلمت الصمتَ
كي لا تبوح بما لا تحتمله الجراح
ان الشاعرة تقارن بين فرار الكلام من شفتيه وهو في وطنه تحت الضغوطات وبين الصمت الذي فرض عليها في بلاد الغربة وألجَمَ لسانها.
وفي هذا الاطار فان الشاعرة تثير قضية حرية التعبير المسلوبة في الداخل (الوطن) أو في الخارج ( الغربة).
انها بذلك ترثي حرية التعبير وترثي حقوق الانسان التي تولي لحرية التعبير المرتبة الفضلى وهي في كل ذلك ترثي معاناة الانسان في المطلق.
لقد دعمت الشاعرة آمال بوحرب لوعتها من الغربة باستخدام رويّ حرف “الحاء” الذي يعبر عن الألم الذي تعانيه في بلاد المهجر.
أما الشاعر عمر دغرير فقد عمد الى رويّ حرف التاء الدال على الحركة والنشاط والذي ارتبط باستمرار او تكرار الفعل في التحدي من أجل الوطن.
وخلاصة القول فلئن كانت معاناة الشاعر عمر دغرير وطنية في ارساليته اليومية(11) فان معاناة الشاعرة آمال بوحرب قد ارتقت في ارساليتها الى معاناة انسانية.
ولعل الوطنية تتقاطع مع الانسانية في أن المنشود بينهما هي الحياة اللائقة للانسان .
سلم القلمان المتمردان والمتحديان وطنيّا وانسانيا.
بتاريخ 03/ 07/ 2025
)11)إرساليات قصيرة جدا ..وما أعذب الكلام على الكلام …
*** الشاعر عمر دغرير :
تعبَ المساءُ و ما تعبتُ .
و فرّ الكلامُ من شفتيّ و ما غضبْتُ .
فقطْ فتحتُ نافذة على الحرف
وعفست على قلبي
ثم قفزت
لأنك كنت هناك يا وطني
***الشاعرة أمال بوحرب :
قلت
أتعبَكَ المساءُ،
أما علمتَ أنّ المساء
في الغربةِ لا ينام ولا يرتاح ؟
وأنّ قلبي منذ افتقدَ ملامحكَ
لم يغمض له عينا وما استراح
قلت :
فرّ الكلامُ من شفتيك
ونسيت أن كلماتي تربّت في المنافي
وتعلّمت الصمتَ
كي لا تبوحَ بما لا تحتمله الجراح