تجليات ليليت والملك للشاعر ” موسى أحمد ” أسطرة شعرية لاستدعاء هواجس البحث عن الغائب
.
قاسم ماضي
عن منشورات الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق صدر للشاعر ” موسى أحمد ” مجموعته الشعرية المعنونة ” تجليات ليليت والملك ” وفي الصفحات الأولى من هذا الديوان الذي صمم بعناية فائقة ، وبطباعة جيدة ،أراد شاعرنا ايصال صوته عبر ملحمته الشعرية التي عمل عليها بذهنية خصبة وحالمة تبث فينا هذا الأمل الذي تطويه مراحل السنين ، شاعر يتملك أدواته الشعرية ويفصّل قصائد ديوانه وفق مقاسه الذي أختاراه للقارئ، وبلغة محببة وفيها من الوصف الكثير ،وليس فيها أي تعقيد سوى بعض الإستعارات التي أضفت لقصائده نوعا من إرتداء لباس الحاضر بالماضي .
” نتوق الى هروب ٍ بعيد ، الى أفق ٍ غامر مثل الغابة ” ص15
كما أنه حاول تأسيس فلسفته الشعرية عبر شخوصه التي إختارها من التاريخ ، ووضعها في قالب ذاتي ، فهو ينطوي على كم هائل من معاناة الحب المغلف بجرأته التي شكلت قصائد هذا الديوان .
” إنزع عنك قلق الريفي ،كن وقحا ، لتشم البياض ، انظر معي ، هذه اللحظة ، شاطرني الاحتراق ” ص38
ويبدو ان كادر الإتحاد رفع شعار الوفاء والمحبة والإخلاص للرواد من مبدعيه لتعزيز مسيرتهم الأدبية والمعرفية لما قدموه إلى الآخر، وكذلك للتعبيرعن مطبوعاتهم لأي منجز أدبي تتم المصادقة عليه .
وحتى يتسنى لنا معرفة هؤلاء الرواد وإيصال أفكارهم إلى الأجيال الجديدة الباحثة عن منجزاتهم المعرفية والأدبية بوصفها خارطة طريق في حياتهم القادمة .
” افتحن قلوبكن للريح مثل السومريات ، وإنشدن اغاني الأرض ، واغسلن الاجساد بماء الفرات ” ص11
وهو عالم الأدب بكل أجناسه ، ولتأكيد دورهم في الحركة الثقافية والأدبية العراقية . منذ نشأة اتحادهم حتى هذه اللحظة وحتى تبقى أسماؤهم محفورة في ذاكرتنا جميعا ، وهي خطوة جريئة ولها أثرها على حركة الأدب والأدباء ، لقاء ما قدموه من عطاء أدبي مهم في حياتهم . وليكن تخليدا لهم ولتجاربهم الناصعة البياض .
” احتفاءأً بالرموز الثقافية والأدبية ، اختارالإتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق ، الباحث والناقد ” فاضل ثامر ” وسماً لمنشوراته ” ص1
وهذه المجموعة الشعرية هي من القطع المتوسط ، وتقع في54صفحة .
فجاءت المقدمة بقلم الشاعر والناقد الأدبي ” علي حسن الفواز ” الذي تصدى لنصوص الديوان الشعرية كاشفا النقاب عن كل ما يتعلق بمفردات وعناصر القصيدة وتوظيف تقنياتها الجمالية المفضية لاظهار المعنى الكامن للنص وفق هاجس نقدي حساس ومتمرس واستنادا الى أدوات قياس نقدية منهجية وبحرفية عالية وله سلطة أدبية إعتمدت البحث والإستقصاء فهو بحق رسّام بكلماته المبهرة .
.” لغة الشاعر الناعمة تضج في داخلها بهوس استعاري فارق ، وعبر تمثلات استعارية ، تضع الأسطورة إزاء الواقع ، مثلما تقوض الواقع ليبدو اسطوريا ” ص6
مكملة في ما اراد شاعرنا قوله عبر قصائده التي جمعت الصورة والأفكار التي حملت همومه ومشاكله من خلال ربط الماضي بالحاضر،محاولا ً ربطها بواقعه الذي يعيشه ويكتبه وفق مايراه مناسبا ً،
” كان المستحيل رماد وجمرة ، ولغة خبأت غبار الضوء وشوقا ، تعمد بإرتجاف الكلمات ” ص56
والقصائد هي بمثابة رسائل مفعمة بالهم الذي إكتوى به وعبّر عنه بشعرية عالية وبمخيال راقٍ ، نتيجة حبه لهذه المحبوبة ،وقد طرزّها بمفرداته التي تحمل عشقه للحياة التي أصبحت ثقيلة على روحه .وأنه أراد اطلاق صدى صوته وهو صوت المحب الحقيقي لهذه المرأة التي سحرته .
” اعرف أنك لا تشبهين شجرة التفاح ، ربما تشبهين الغيمة ، تمطرين ، تبللي شبابيك القلب ، ترممين فمي بالقبلات ” ص25
ونؤكد للقارئ أنه عمل بتصوراته المخبوءة والمحملة بهذا التراكم الحسي ، والذي أظهره لنا عبر نسيج شعري متناسق ومتناغم ، وكأنه غواص يبحث عن اللؤلؤ المختبئ في أعماقه ، ليفصح للقارئ سر قصائده الفاضحة لقلبه ، ويوظفها بالشكل اللازم لجعلها تحمل رؤى معاصرة تلاءم هذا الواقع المعاش .
” اعرف ُ اسرار الخلق ، لكني اشاطرك الوحشة والوحدة ، واعجن بطين الخلق شهوتك الندية ” ص13
مؤكداً لنا عبر سعي الشاعر ” موسى أحمد ” إلى اسطرة شعريته ، والى استدعاء الأسطورة لتكون تمثيلا تعبيريا لاستدعاء الحبيب ، إذ يتحرر من عقدة التاريخ ليضعنا امام نصٍ يحتشد بالغواية ، وبهواجس البحث عن الغائب .
وإختار الشاعر ” أحمد ” لمقدمة مجموعته الكاتب والباحث و الناقد الأدبي ” علي حسن الفواز ” الذي كتب هذه المقدمة والتي عنونها .
” موسى أحمد ، الكتابة بوصفها نصا للاستدعاء ”
موضحاُ ” الفواز ” كل جزئية من قصائد هذا الديوان ،حتى أنه أدخلنا في تفاصيل كثيرة شيقة ومحببة لتسهيل قراءة هذه الملحمة الشعرية الجميلة والتي تأخذك إلى عالم الخيال والتلاعب بالمفردة الشعرية التي تمكنت من التعبير عن رؤية الشاعر . وهو يقرب لنا مفاهيم أسطورة ليليت وهو يضع النص أمام لعبة مفتوحة ،
” افتحن قلوبكن للريح مثل السومريات ، وإنشدنً اغاني الأرض ، واغسلن الأجساد بماء الفرات ” ص11
وعند شاعرنا ” موسى أحمد ” طاقة شعرية تتجاوز العياني إلى التخيلي ،إذ يكون الأداء التمثيلي هو الرهان الذي يجعل من موضوع الغياب قرينا تعويضيا عن موضوع الحضور،وأن تكون حساسية اللغة دافعا لتحفيز الدوال والاستعارات .فهو يمنح هذا النص دفقا شاعريا يعمل على شحن هذا النص بطاقة حسية .
” ليليت التي اخذت الغيمة والليل والمطر ، وقايضتني باللذة ، وعلمتني أن اشتري التاج بسلة من التفاح ” ص14
وكأنه يفكك للقارئ كل كلمة من كلمات هذه المجموعة وخاصة في توظيف الأسطورة وحساسية اللغة ،في هذه المقدمة الرائعة والمدروسة بحرفية عالية . مما يستدعي روح الشاعر وما يخبئه تحت هذه الروح .
” سأحملك معي ، سأكون ظلك الأبيض ، سأفتح ابواب الكلام ، وأثر روائح الياسمين ، اعترف لك بأخطائي ” ص42
تحببك مقدمته الفلسفية المزدحمة بالأفكار والرؤى المليئة والمعجونة بالوعي لهذا المبدع المدمن على القراءة والكتابة .وهو أسم على مسمى في عالم الثقافة في وطننا العربي .
” يتوه معي الكلام ، و






