“حرقة” الأطفال الاستعراضية .
مغامرة أو مؤامرة تجتث صورة ” عمر ياسف ” من ذاكرة ووجدان كل طفل جزائري؟
مصطفى بوغازي.
لا أحد يتصور حجم الألم والوجع الذي خلفته تلك الصور الاستعراضية لأطفال عرضوا حياتهم للخطر بغية الوصول إلى الضفة الأخرى ، و ما ارتدادات ذلك الفرح الهستيري بنهاية مغامرتهم على نفسية كل طفل جزائري , وعلى سلوكه وتشكيل وعيه الذي هزه هذا الزلزال الاستعراضي؟ مغامرة تقمصت سردية مربكة ومتناقضة و قابلة أيضا للتحقيق و والتدقيق في خلفياتها وحيثياتها ومخرجاتها، فقد تبدو للوهلة الأولى أمرا عاديا يندرج في سياق الهجرة السرية ، لكن الصورة قاتلة مفجعة بكل أبعادها ، حين يتعلق الأمر بأطفال قصر ليسوا من أبناء مناطق الظل ، أو أقاصي الجنوب ، بل ينحدرون من مدينة ساحلية تبدو من مظاهرهم وسيماههم أنهم يعيشون حياتهم بشكل لا يوحي أنها ليست معقدة لحد المغامرة بأرواحهم ، أطفال من المفروض أنهم يخططون لدخول مدرسي على الابواب ،ويتطلعون لغد افضل باجتهادهم في السعي لتحصيل العلم والمعرفة ، لكن الصورة قاسية جدا ، فهي تضرب وعي الطفل الجزائري في مقتل ، وتعصف بمقومات الانتماء وتسيء لصورة الوطن في الافكار والنفوس والمشاعر ، صورة قاسية أيضا لأنها تكشف فشل الأسرة والمدرسة ، و الاعلام ،والمجتمع كله في تكوين الطفل وتشكيل وعيه وحمايته من رياح التأثير السلبي وانجراره وراء مختلف التأثيرات التي تزعزع كيان المجتمع ،هؤلاء الأطفال استعراضوا مهارتهم في التخطيط لسرقة القارب ، وخوض البحر عن دراية بالملاحة ، منتشين بهذا التميز عن غيرهم ، يقطعون رحم الوطن ،ويسوقون صورة مشوهة باهتة لمرابع طفولتهم وتربة انتمائهم ، يطعنون في ذاكرة أجيال و أجيال خاضوا حروب ثلاث مائية سنة مع حملات أساطيل شبه الجزيرة الايبيرية على سواحلنا ، وقرن وربع من الاستعمار الفرنسي على أرضينا ، يغتالون صورة الطفل الشهيد ” عمر ياسف” الذي اقتنع بقتال المستعمر وحثه أهله وعمه القيادي ياسف سعدي لأن يضطلع بدوره في معركة القصبة وعمره لا يتجاوز 12 سنة، عرفه الشهيد القائد العربي بن لمهيدي ، واستشهد مع حسيبة بن بوعلي وعلي عمار بنسف مخبئهم.كم كانت الصورة معبرة مشرقة بالأبيض والأسود ، وكم صارت مؤلمة تستفز المشاعر وتقتل الانتماء في زمن منصات التواصل ،لكن صورة الطفل الجزائري هي تلك التي رسخت على مدار عقود “عمر ياسف” ايقونة صفحات الكتب المدرسية ، وحين نتحمس لرؤية مشاهد لذلك الطفل الذي جسد ” عمر ياسف” في معركة الجزائر للمخرج جيلو بونتيكورفو و تهزنا سمفونية الموسيقار انيو موريكوني في المقدمة ندرك لحظتها ، المسافة بين الصورة الحقيقة ، والصورة المزيفة التي يراد تسويقها عن الطفل الجزائري.






