عمر دغرير في مواجهة ابداعية ونصّ على نصّ مع الشّاعر حمد حاجي ..

عمر دغرير في مواجهة ابداعية ونصّ على نصّ مع الشّاعر حمد حاجي ..

“”””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””

تطالعنا قصائد شعرية للشاعر المتميز حمد حاجي زاخرة بجمال المعاني وأفانين البلاغة …آخذة بأساليب التّجديد والحداثة خارجة عن المألوف والتقليدي في أغراض الغزل وفي بنيته..

فنصوصه التي ينشرها على مواقع التواصل الإجتماعي مبصومة بحضور ذاتيّ أنيق مبتكرا منهج خاص به وبملمحه الشّعري المتفرّد..

ولعلّ المجال هنا لا يتسّع لسبر أهمّ الخصائص الفنيّة للصور الإبداعية لنصوصه متمنيّة أن تتجه القدرات النّقدية الأكادمية لمنجزه الكتابي بالتناول والتقصّي والتمعّن ..

وما أردت أن أشير إليه في هذا المقال البسيط هو حضور الخاطر الشعري لدى صديقه وصديقنا جميعا الشاعر المتميّز عمر دغرير كردّة فعل ترتقي الى فنّ يمكن أن نصنّفه في سجال الموضوع باعتبار تصنيفات السّجال وأنواعه ..والسّجال عموما فنّ إبداعيّ أثّث متون الشّعر القديم بأروع القصائد وأجملها على الإطلاق ..ومن منّا لا يحتفظ في ذاكرته الشّعريّة بين مرئ القيس الكندي وعلقمة الفحل في وصف فرسيهما وكانت تسمى بالمجاراة أوفي العصر الأموي بين الأخطل والفرزدق ..

فهيا نحطّ الرّحال عند الشاعرين حمد حاجي وعمر دغرير

يقول حمد حاجي

تجيءُ أشفّ من الحلم، من دمعة الطفل لما بكى

وتنصب لي شركا في الثّنايا وأحسِبُه مسلكا

أغني لدميتها وأكسّرُ في الصمت لها الضحكَ

تقول: فؤادي وعيناك في قتلك اشتركا!

فلا لومَ، أوقعك الحب يا أيها الطفل ما غرّكَ!

فيردّ عليه عمر دغريربالقول

تجيءُ كمَا الكوابيس في الليل إذا الطفلُ منْها بكَى

وتُخرجُ منْ فمِها شررا تخالهُ في الدُجى مَسْلكا

فتمْشي دون أن تدري نشوانا إلى باب المهْلكَهْ …

وتسألها ببراءة طفل وقدْ مَلأت المَكانَ ضحِكَا …

أتحتفظين بدمية وقدْ عينتكِ على عرشيَ ملكَهْ ؟…

ولابدّ من الإشارة في البدء أنّ إصرار عمر دغرير على الرّد بنصّ هو علامة على امتلاء ذاكرته بهذه الظّاهرة الأدبية التي اندثرت ولم تلق رواجها ولا امتدادها في ازمنتنا الشّعريّة الرّاهنة ..وهي خطوة هامّة في نظري لإحياء هذا التقليد الأدبي المندثروما قد يحقّقه من رحابة وسعة أفق لفنون الشّعر ..

وكذلك قدرة الشّاعر على قول الشعر ارتجالا وسرعة التفاعل مع نصوص حمد حاجي دون غاية السّجال في المبارزة أو إمامة الشّعر ..

فالقريحة الشّعريّة هنا تكلّلها جمالية التّلقي ونقاء وصفاء القريحة الشّعريّة وجودتها …..

علما وأنّ انتفاء الإتّفاق المسبق بين الشّاعرين يهب العمل لذّته ومذاقه الخاص..

يقول حمد عن حبيبته

تجيء أشفّ من الحلم …من دمعة الطّفل إذا بكى

فالحبيبة تحجبها العبارة والدلالة فلا نراها هي (كالحلم …كدمعة طفل إذا بكى)

خلب سراب..طيف لا نمسك به

فيردّعليه عمر

تجيء كالكوابيس في الّليل إذا ما الطّفل منها بكى

فالحبيبة أسرار وصور وترميز والعبارة قناع …وقد تختلف الأساليب في وصفها

فهي كوابيس ليل ( والعبارة تطيح بشفافيتها المزعمة ..ثقيلة ماثلة ككوابيس )

ودمع الطّل ليس الّا من كوابيسها

فعمر قارئ مغامريأزّم ويعقّد القول في الحبيبة

يتجلّى بنكوصه في في كلّ مواطن النّص

يقول حمد

وتنصب لي شركا في الثّنايا وأحسبه لي مسلكا

فالإقرار بالشّرك تدليل على معاناة في الحبّ يقولها شاعرنا برقّة ولطف حتى لا يزعج حبيبته ..

ولكن عمر ينبري عليه بالقول

وتُخرج من فمها شررا تخاله في الدّجى مسلكا

فالعبارة مشاكسة معاكسة (فمها لايخرج غير شرر..)

فصريح اللفظ ومناقضات المعنى مكثفة وجيّدة…

وكأني به يقتلع اعترافا من صديقه حول مكرالحبيبة ..

ويواصل حمد نصه بالقول

أغني لدميتها وأكسّرُ في الصمت لها الضحكَ

تقول: فؤادي وعيناك في قتلك اشتركا

فالصورة الشعرية تفصح عن تفاعل حميميّ متسّق مشحون بجموح العاطفة (حبيبة كدمية يلاعبها ويغنيي لها ويكسر الصمت بالضحك لها )…وبين نشوة فؤادها به وماترى منها عيناه هومقتول مقتول ..

يجيبه عمر مختزلا القول والرّد بقوّة

فتمْشي دون أن تدري نشوانا إلى باب المهْلكَهْ …

ولعل استعمال الفاء السببية ينبئ عن مسببّات ماقبلها

فالشرر من فمها والإيهام بأنّه المسلك هو في واقع الأمر باب مهلكه …وكلّ النتائج عائدة عليه لا إليه في نهاية المطاف ..

فتوغل عمر في أبعاد النّص تأخذنا في لعبة قصديتها ابداعية بحتة..تعتمد إعادة انتاج النّص المقرووء بقدرات ذاتية تشعّ جمالا وبهاء..

ثم يختم حمد نصه بالقول

فلا لومَ، أوقعك الحب يا أيها الطفل ما غرّكَ!

فالحب حالة انسانية ولالوم ..من خلاله تشع ذات المبدع…يكشف جوهرها طفل غير ملام ….

وهو مقطع نصي رائع تظهر فيه الذّات المحبّة في أنصع وأبهى تجليّاتها..

ومن ذات المقطع ..يردّ عمر على صديقه

وتسألها ببراءة طفل وقدْ مَلأت المَكانَ ضحِكَا …

أتحتفظين بدمية وقدْ عينتكِ على عرشيَ ملكَهْ ؟…

تماثل …اختلاف…استخفاف مبطن …

براءة طفل …يقابلها ضحكات

ملكة تربعت على لوح القلب وعرشه…تقابلها صورة لدمية مآلها التّفكّك والزّوال

فردوده قد قُدّت بوضوح العبارة والمعنى …والإختلاف في دلالتهايؤكد التّنوّع ويحقّق الفارق واللّافت

و”السّجال في الموضوع” بين الشاعرين حمد حاجي وعمر دغريريتماهى من حيث مقاصده ومضومونهاذ إلى ابداع ومتعة شعرية قد تعطي ضربة البداية لإستعادة السّجال الشّعري بمختلف أصنافه وتفريعاته..

وهو جهد من عمر دغرير لا يستوضحه المتلقي الا عبر الغوص فيه وتقصي مكامن التفوّق في انجازه …فلحظة الإبداع لديه متصلة بقوّة التّلقي ومعانقة ما يكتبه صديقه حمد معانقة تحيله الى عالمه الشعري الوجداني ..

فتحية لهما من قارئة تنصت لرجع الصدى الداخلي فيها من خلال كتاباتهما…

وما كتبت ُوعبرت ُعنه قد يستحثّ غيري من المتمكنين في المقاربات النقدية على التّفكير بالبدء…

على البدء وانتاج المفارقات الجمالية في فهم ما يحدث بين الرائعين حمد حاجي وعمر دغرير…

القصرين

13.09.2022