دراسة في ديوان وشم على خاصرة الليل بقلم الناقدة جليلة المازني للشاعر محمد الحفضي

دراسة نقدية في ديوان “وشم على خاصرة الليل”
” تجربة تسريد الشعر في ديوان “وشم على خاصرة الليل”
الشاعر محمد الحفضي (المغرب)
الفنانة التشكيلية : حفيظة مسلك (المغرب)
قارئة اللوحة التشكيلية: الفنانة التشكيلية :سعيدة بركاتي (تونس)
الناقدة جليلة المازني (تونس).
1- التقديم المادي للديوان:
لقد ضمّ ديوان الشاعر محمد الحفضي “وشم على خاصرة الليل “ثلاثمائة وأربع وثمانين صفحة.
أول ما يطالعك من الديوان صورة للغلاف متشحة بأربعة ألوان (الأزرق الداكن و الأصفر والرمادي والابيض)
2- في قراءة لرمزية الألوان ودلالتها(بغلاف الديوان):
إن الألوان التي تضمّنها غلاف الديوان فيها من الإيحاءات ما قد يكشف مكنوناتها ولو بدرجة بسيطة.
*اللون الأزرق في علم النفس هو “واحد من ألوان الطيف الأساسية وبشكل عام يبعث على الطمأنينة والهدوء والسلام والراحة النفسية عند النظر اليه.
إلاّ أنه قد يدلّ أيضا على البُرُود العاطفي والحزن والعزلة وهو أيضا واحد من الألوان المفضلة لدى الكثير من الناس فيذكّرُ اللون الأزرق الناس بالبحر والسماء”(1)
*اللون الأصفر يرمز في الحب إلى العديد من المشاعر بعضها:
– إيجابي: “يرتبط اللون الأصفر بشكل مباشر بأشعة الشمس ولذلك فهو يرمز إلى
السعادة والدفء في الحبّ”.
– سلبي:” في بعض الثقافات يرمز اللون الأصفر الى الغيرة والحسد ممّا يدل على مشاعر عدم الأمان أو الخوف من فقدان الشريك.”(2).
* اللون البرتقالي : يرى بعض علماء النفس انه “يرمز الى الطاقة زالدفء , الحماس, والسعادة , ويشير الى الابداع والمغامرة والنشاط ويرمز الى شخصية عفوية ونشطة ’قادرة على التكيف ومواجهة التحديات بحماس”.
* اللون الأسود: من وجهة نظر فلسفية “يمثل الاسود ظاهرة الليل بما تحمله من هدوء وغموض كما يعبر عن المجهول..”
كما ينظر الى اللون الاسود ايضا من الناحية الفلسفية “كرمز للعديد من المفاهيم المتناقضة مثل الوجود والعدم او الفراغ والحضور الثقيل.
يشير الفيلسوف الفرنسي آلان باديو في كتابه “فلسفة الالون” محللا الابعاد المتعددة للون الاسود :
+ الوجود والعدم:
– يرى باديو ان الاسود ليس مجرد غياب بل هو شكل من اشكال الحضور.
– اللون الاسود يمثل حالة التوتر الفلسفي بين الوجود والعدم حيث الغياب يكتسب هيئة الحضور.
– ينظر اليه كشرط أساسي للخلق والابداع كما يظهر في الحبر الاسود على الورق الابيض.
+القوة والسلطة:
– يرمز اللون الاسود الى القوة والسلطة والجاذبية.
– قد يوحي اللون الاسود بالثقة والاستقلالية ويدل على الطموح والرغبة في الاحترام.
+ اللون كحالة للادراك: يرى باديو ان اللون الاسود ليس مجرد لون بصري بل هو حالة عقلية يمكن ان تؤدي الى تأمل حدود الذات ومواجهة اللانهائي.(3)
* اللون الرمادي: “يعتبر من منظور علم النفس لونا محايدا لأنه ليس أبيض وليس أسود ولكنه ناتج عن دمجهما مع بعض .
واللون الرمادي الغامق يرمز الى الغموض بينما الرمادي الفاتح يرمز للحيوية والنور” (4).
* اللون الأبيض: يرى بعض علماء النفس أنه يرمز الى” النقاء ,الكمال, البراءة والبدايات الجديدة ..قد يرتبط ايضا بمشاعر سلبية مثل الفراغ والبرود..”
3- في قراءة للعنوان ” وشم على خاصرة الليل”
ورد العنوان “وشم على خاصرة الليل” في شكل جملة اسمية مقلوبة تقدم فيها المبتدا النكرة (وشم) على الخبر شبه جملة(على خاصرة الليل) (5).
وأصل الجملة: “على خاصرة الليل وشمٌ”.
بيْد أن الشاعر لعله تعمّد تقديم المبتدأ للتركيز على فاعليته على الخبر.
والوشم ” يعتبر لغة بصرية تعكس تجارب الحياة وقصص الافراد بطرق متعدّدة
فعلى مرّ العصور استخدم البشر الوشوم كوسيلة للتعبير عن هويتهم, معتقداتهم, أو حتى رؤاهم الفنية . كل وشم هو قصة فريدة تحمل دلالات ثقافية وشخصية تتراوح بين الاسطوري وهي تعكس مشاعر, علاقات, واحداث مهمة في حياة من يحملها وهو جزء من الهوية الانسانية بطريقة غير لفظية ” .
اما خاصرة الليل فيرى بعض النقاد انه مصطلح “يشير الى:
– وقت متأخر من الليل ويستخدم كمصطلح وصفي في سياق شعري أو أدبي لوصف جوّ الليل.
– يمكن أن يشير الى الشخص الذي يفضل البقاء مستيقظا في الليل ”
وفي هذا الاطار:
– أي وشوم سينقشها الشاعر محمد الحفضي للقارئ بديوانه؟
– أي مشاعر و أي علاقات و أي أحداث مهمة سيعكسها هذا الوشم باعتبار ان كل وشم هو قصة فريدة على خاصرة الليل؟
ان القارئ لديوان الشاعر محمد الحفضي “وشم على خاصرة الليل” يلاحظ ان كل قصيدة تقريبا تتكئ على حكاية أو ما يصطلح عليه بالشعر القصصي.
والشعر القصصي حسب بعض النقاد:” هو نوع من الشعر يعتمد على سرد أحداث حقيقية أو خيالية في قالب شعري موزون أو غير موزون.
يمتاز هذا النوع بتصوير الشخصيات والاحداث والحوار وغالبا ما تكون له بداية وعقدة وحلّ”.
لئن كان العنوان يشي بالطابع السردي فما تقول اللوحة التشكيلية بالغلاف؟
4- في قراءة للوحة التشكيلية بالغلاف (قراءة الفنانة التشكيلية سعيدة بركاتي):
المشهد العام للوحة : تتكون اللوحة من ثلاثة أجزاء:
+ شجرة كبيرة يقسم جذعها اللوحة إلى نصفين.
+ مشهد الباب المفتوح و الصورة الظلية.
+ مشهد الشكل اللولبي.
القــــراءة:
– الجانب الأيسر قبالة المُشاهد نلاحظ بابا مفتوحا لزقاق سماؤه ممطرة و أرضه مبللة و الدليل ظل الصورة ” الظلية ” على سطح الماء بأرض المكان.
– الجانب الأيمن : شكل أخذ من اللولب جنسه و من الأسود لونه و إذا اقتربت منه فهو يشبه المرأة على رأسها تاج يحيط خصرها نصف دائرة. .
الجزء الأكثر إثارة و الذي استحوذ على مساحة كبيرة من محمل اللوحة يشبه شجرة بجذع أسود اللون أخذت أوراقها تقريبا كل الألوان ، جهتها اليسرى امتزجت بين الاحمر و الاصفر فكانت ألوانها نارية ، الجانب الأيسر منها مجموعة سنابل سوداء اللون :جزء من الشجرة و في نفس الوقت جزء يعلو الباب المفتوح على الزقاق المبلل ،غصن رفيع من السنابل يتخطى الحد الذي رسمته الريشة و كأنه يبحث عن الارتواء من الغيمة المعلقة في سماء الزقاق : .
العلاقة بين عناصر اللوحة: –
الشجرة و هي المفردة الرئيسة في اللوحة : مصدر العطاء و القوة و الديمومة و أهم شيء مصدر للعطاء ، يستكين المرء تحت ظلها أين يكون الاحتواء و الراحة و العناق أحيانا و لو لم يكن بالذراعيْن .جذعها أسود و أوراقها مضاءة بين الداكن و الحار.
تحت ظلها حياة : هذه الغيمة الممطرة ،صورة ظلية لشخص يعبر هذه الحياة في رحلة بحث : وحيد و شبه ضائع رسمته الفنانة صورة ظلية : تقنية ترمز إلى إثارة الغموض و التساؤل عن جنس الصورة ، إضافة إلى الفضاء اللامتناهي الذي تسلكه هذه الصورة فقد أخذت من المحمل جزءًا (الخلفية البيضاء) بها الأمل ما دام اللون الأبيض كان مكثفا بهذا الجزء من اللوحة بقي الجزء الأعلى الذي بلل بغيمته الأرض جعل من السنابل ترمي بغصن رفيع على الغيمة ” ربما” طلبا للماء أو لتمطر عليها عسى تخضر سنابلها (تذكرنا بسنابل السنوات العجاف).
الجزء الأخير من اللوحة و الذي كان بلون واحد على مساحة صغيرة من المحمل فهو الأقرب إلى المرأة في شكله اللولبي فالخصر واضح مع شبه الدائرة التي تريد الاحاطة به و لم يكتمل بعد (مسحة ريشة دون اشباعها باللون) ، قد تكون الرسامة تبحث في هذه الحركة الصوفية (حركة الدراويش) عن شيء يملأ فراغا داخليا يستمد طاقته من الأرض لتبني علاقة بين الأرض و السماء ، هذه الحركة التي كانت فعلا على شكل اللولب حين يشتد دورانها تتدافع الألوان داخلها فتفجر اشعاعاتها بين الاضاءة و العتمة حتى تقترب من الهدوء و السكينة. .
– حزم عناصر اللوحة و دلالاتها و الإضاءة الفنية:
اللوحة بين ملك الألوان و سيدها “الأبيض و الأسود ” و هذا التضاد الأول و الكبير في اللوحة فالفنانة ربما تعيش صراعا أو معاناة ذاتية : سنابلها سوداء سماؤها غائمة جذع شجرتها أسود توشحت رقصتها بالسواد و كأن يومها كليلها تلفه العتمة لكن لم يغب الأمل :أمطرت فارتوت الأرض العطشى ، خلفية اللوحة بيضاء ناصعة إلا ظلال الشجرة من الجهة اليمنى لها أين كانت الألوان النارية بارزة و كأن جزءا منها احترق فعلا فأضفى هذا الظل على المحمل ، لم نرَ أرضا إلا الجزء المبلل من اللوحة بماء المطر .
الصورة الظلية في حالة ضياع و وحدة و البحث عن الشيء في فضاء يغلب عليه اللون الأبيض يكون صعبا التركيز فيه ، فالاضاءة عالية و الشيء إن زاد عن الحد انقلب إلى الضد ،البحث في مثل هذا فضاء كالبحث في العتمة تماما .
قد توجد علاقة مؤكدة بين الغلاف و عنوان الديوان و محتواه : بعض القصائد و مسحة الحزن فيها و بعضها يشتعل لوعة كنار الشجرة و بعضها اشارات مشفرة كالسنابل السوداء و ربما رقص بعضها كالشكل اللولبي ، كأني بالرسامة في حالة ثورة نفسية ، شكل دون حدود و لا أرض (بناء علاقة بين الأرض و السماء لم تكتمل بعد ) ،لوحة دون ظلال و الإضاءة الفنية فيها مشرقة من خلال المحمل الذي جعل من عناصرها بارزة و واضحة جدّا.
*التعقيب على القراءة:
ان قراءة الفنانة التشكيلية سعيدة بركاتي للوحة تشي باللعبة السردية في المجموعة الشعرية بما أوْحتْ به من مقومات السرد( اطار زماني ومكاني/ الأحداث/ الشخصية /المشهد) ومن أركان السرد(وصف وحوار).
فالشخصية في حالة بحث عن الذات بين هذه الالوان المختلفة وكأني بها وهي بين العتمة(اللون الأسود) والضياء (اللون الأبيض وبقية الألوان الحارة التي توحي بالتفاؤل )وبين الضياع والباب المفتوح وبين الأزمة والانفراج ..
انها تحدث نفسها حديثا باطنيا وتعيش أزمة البحث عن حل ما يفتح أمام المتلقي العديد من التأويلات.
لعلّ هذه اللوحة التشكيلية تروي للقارئ تجربة الشاعر الوجدانية مع هذه المرأة بمختلف ملامحها اعتمادا على رمزية الألوان المتعددة باللوحة.
ولعلنا نقف على ذلك بمتن المجموعة الشعرية:
5- التحليل: تجربة تسريد الشعر بديوان “وشم على خاصرة الليل”
أ- مفهوم تسريد الشعر:
يرى بعض النقاد أن تسريد الشعر هو استخدام العناصر والتقنيات السردية في النص الشعري أو تحويل القصيدة الى قصة أو حكاية بما فيها من مقومات السرد(الزمان والمكان/ الاحداث/ الشخصيات…) وأركان السرد من وصف وحوار.
وتسريد الشعر هي ظاهرة أدبية تقطع مع الأجناس الأدبية وتنتهك حرمة أفضلية
جنس أدبي على جنس أدبي أو فني آخر.
ب- تجليات تسريد الشعر بديوان “وشم على خاصرة الليل”:
أ- الزمان والمكان:
انطلاقا من عتبة العنوان يحدد الشاعر الزمان والمكان لما سيرسمه من وشم في قصائده التي ستجود بها قريحته في ساعة متأخرة من الليل وفي مكان محدّد .
وهذا الاطار الزمكاني يقتضي شخصية مستيقظة تختطف كل لحظة الهام له.
لقد تواتر ذكر المكان الذي يضفي على ديوانه الواقعية:
+المكان المادي الواقعي:
– الدار : في قصيدة “ورحلت دون وداع”
هي رحلت دون وداع
وانا اذكرها متى مررتُ بجانب الدار
– التجذر في المكان من خلال القصائد التالية:
“فاس”/ يا الزين الفاسي/ حورية فاس/ عروستي الزيانية/ أزقة مراكش/عين أسردون/ قبيلة زيان بالأطلس المتوسط..
انها أماكن واقعية توحي بواقعية الأحداث بالمجموعة الشعرية.
+المكان الاجتماعي :عروستي الزيانية
+الزمان المادي: الليل/ النهار/ المساء/ شتاء/…
+الزمان الوجداني يقول في:
– قصيدة “ورحلت دون وداع”
ورحلت دون وداع
بعد ليلة عشق حمراء
– قصيدة “آه منك حبيبتي”
آه منك حبيبتي
استعجلت الرحيل
لم أشبع من سحر عينيك
وجهك أليف
وأنا أعرفك من زمان
ب – الشخصية (المرأة الحبيبة ) :
+الحبيبة العاشقة:
– قصيدة “شغب العشق”
همست في أذني
بعد وابل من القبل
ارجوك حبيبي انتظرني
سآتيك هذه الليلة
ولعل الفنانة التشكيلية دعمت هذه الطمأنينة والراحة النفسية من خلال اللون الازرق والابيض باللوحة.
+الحبيبة المتمردة “ورحلت دون وداع”
هي هاجرت بعيدا
وانا أحلامي تبعثرت
ولعل اللون الأسود الذي انتشر باللوحة هو حالة من التوتر بين الوجود والعدم بين حضور الحبيبة ورحيلها.
+الحبيبة الراغبة المتمنعة”
كلما اقتربت منك شبرا
الا وابتعدت علي شهرا
أحاول أن ألهبك نار شوق
لعلي أوقظ مشاعرك المثلجة
عبثا تقابليني ببرود شديد
فقط مرت أمامي
صامتة متعالية.
وكأني بهذه الحبيبة تعيش معاناة كما اشارت الفنانة التشكيلية سعيدة بركاتي ممزقة بين العتمة والضياء وبين اليأس والأمل.
+الحبيبة الغيورة: قصيدة ” حق لك أن تغاري”
لا.. لا تقل.. ستغيظني
وتؤجج نار غيرتي أكثر
آسفة سيدي
انا اعتمرت وبالركن اليماني ذكرتك
دعوت لك
لم استطع نسيانك
ابشري يا بهيتي
واغمسي جمر غيرتك
في نهر أو بحر
فقد أوتيت سؤلك.
وكاني بالفنانة التشكيلية حفيظة مسلك لم تضع اللون الاصفر باللوحة اعتباطا بل لترمز به الى غيرة هذه الحبيبة المفرطة.
+ الحبيبة المزاجية: قصيدة “وداعا للمزاجيات”:
المزاجيات يعشقن بسرعة
وسريعا ما تنطفئ شعلة الحب
المزاجيات صبرهن ضيّق
كان الله في عون
حبيب انثى مزاجية
لعل الفنانة التشكيلية قد جسدت هذه المزاجية حين جعلت تلك المرأة تدير ظهرها للباب المفتوح دون مبالاة.
+ الحبيبة الزوجة: يقول في قصيدة “عروستي الزيانية:
فأنت الآن صرت عروسي
بميثاق غليظ
وعلى دين الاسلام كان القِرَانُ
تعالي حبيبتي
+الحبيبة الوطن: قصيدة “خاتمة الأحزان”
تعالي سيدتي
فحبك وعشق وطني
هما قدري
+الحبيبة القصيدة : قصيدة “الحلم الكبير”:
وحين تصحين
ستولد اجمل قصيدة
من سحر عينيك
وذاك الدفء المحير في صوتك
حقا انت القصيدة
ودونك كلام بلا احساس
وفي هذا الاطار فالشاعر يجعل من المرأة الحبيبة والزوجة والقصيدة والوطن
وكل شخصية تجسدها هي مغامرة تساهم في تطوير الحبكة في ديوانه فلا يقدّم لنا شخصية المرأة مكتملة بل يجعلها تكتمل وتتطوّر من حبيبة فزوجة الى قصيدة والى وطن.
ولعل تلك المرأة التي هي بين ضياع وبين باب مفتوح هي المرأة التي تبحث عن الذات وهي مشتتة بين كل هذه الصفات…
وفي هذا الاطار فللشاعر مع كل حبيبة وشم في خاصرة الليل تجسّده تجربة واقعية أو حكاية متخيلة فحبيبته عاشقة/ متمردة/ متمنعة راغبة/ غيورة/ مزاجية بل قد تكون حبيبته الزوجة والقصيدة والوطن.
انها مغامرات وتجارب تجعل من الشخصية في المجموعة الشعرية غير مكتملة بل متطوّرة يجد فيها القارئ متعة التشويق تماما كما ينسجها الكاتب في القص السردي.
ج – الأحداث :
قصيدة “خاتمة الاحزان”:
لقد استخدم الشاعر الجمل الفعلية الدالة على تواتر الأحداث وأفعالها مسندة الى ضمير المتكلم الجمع فالحبيبة شريكة فاعلة معه في سير الأحداث. فيقول:
تعالي سيدتي
نستعيد ابتسامة زمان
نطرد أشباحا
تربصت بالديار
نمسح وجه القمر الحزين
ننفض الغبار
عن شمس النهار
نطمس ندوب النعرات
تعالي سيدتي
نردم أحقاد الاعراب
تعالي سيدتي
نحرر مخازن المُضاربين
نطرد سماسرة الحروب
والنكبات
نستغيث برب العباد
فيعود البهاء للبلاد
تعالي سيدتي
فحبك وعشق وطني
هما قدري
انها الحبيبة المتماهية مع الوطن ..انها الحبيبة المناضلة المسؤولة التي تشاركه تحرير الوطن. والشاعر هنا يجمع بين الحب والنضال وكأني به بهذه القصيدة يروي لنا قصة تناولها العديد من الروائيين حول الحب والحرب.
د – المشهدية : قصيدة “شغف العشق” :يرسم الشاعر للقارئ مشهدا للحبيبة العاشقة فيقول:
كسحتْ الليل مُتسللة
حافية القدمين
بلا خلخال يجلجل
سأدخل من نافذتك
حبيبي انتظرني
انه مشهد المرأة العاشقة والمغامرة التي نحتتها ريشة الفنانة التشكيلية حفيظة مسلك بين الالوان الحارة والالوان الباردة بين اللون الاسود واللون الابيض وجعلتها الفنانة سعيدة بركاتي عند قراءتها في بحث عن الذات بين العتمة والضياء وبين اليأس والأمل.
ه- العقدة والتأزم بالديوان والانفراج:
لقد بنى الشاعر العقدة والتأزم باستخدام تقنية صناعة السؤال وكأني به ينتظر من القارئ ايجاد الحل والبحث عن الانفراج:
– قصيدة “ما بال عينيك؟”
ما بال عينيك؟
كأنهما مخمورتان
شاردتان
أهما تتأملان؟
أم تراهما تتألمان؟
ما لنظراتك تتيه
بعيدا… بعيدا؟
وبمن حولك
لا تبالين؟
ما يؤرقك؟
ما يقلق صفوك؟
أهو الوجد؟
أم سوء الحال؟
أم سقم طارئ؟
سألتك الله
يا شقيقة الروح
ارحمي نفسك
وارحمي قلبا يهواك.
ان تواتر طرح السؤال يثير عدة قضايا ويحرك فضول القارئ متسائلا:
– هل هي الحبيبة العاشقة في صمت؟
– هل هي الحبيبة الراغبة المتمنعة؟
– هل هي الحبيبة المتمردة؟
– هل هي الحبيبة التي تريد ان تكون قصيدته الاخيرة؟
– هل هي الحبيبة بكل هذه الصفات لتتماهى مع الوطن؟
ويأتي الانفرا ج من لدن الشاعر :
*حين يقرّ بحقها في غيرتها في قصيدة “حق لك أن تغاري”:
أبشري يا بهيتي
واغمسي جمر غيرتك
في نهر او بحر
فقد أوتِيتِ سُؤ لك.
*حين خيّرَها عن بقية النساء(قصيدة نظرة خاطفة)
ولو خُيّرتُ بين حور العين
وبينك.. يوم الحشر
لاخترتك أنت
*حين يقرّ بأنهما حبيبان (قصيدة حبيبان نحن):
أنا وأنت حبيبان
الى ان يفرّق بيننا الموت.
يا بهية زماني
*حين جعلها زوجة : قصيدة “عروسي الزيانية”.
* حين يزاوج بين الشعر والموسيقى ليفرّج عن نفسه عند رحيلها او عند الانتظار:
– قصيدة :”ورحلت دون وداع” اغنية أم كلثوم “يا سلام يا سلام.. سنين ومرت..”
– قصيدة :”أنا في الانتظار” اغنية نجاة الصغيرة”عيون القلب”
و- الحوار :الذي يكشف عن النوايا ويفضح المواقف:
+ “قصيدة الحب كذبة”
سألتني رفيقة الدرب
ما أخبار القلب؟
ألا زلت تحبّ؟
افتكرت مقطع أغنية
ابتسمت كزهر آذار
وكأنها تقول:
طيبتي ووفائي انتصار
الهَث خلف أجمل الفراشات
حكّ قصائدك على فساتين الحسناوات
كما شئت
ولا تنس أني قصيدتك الاخيرة
كشهرزاد..هي تنتظر المساء
فتقص حكاية الخلاص
وأنا لعودتك
ارتقب بلا هواجس
+ أميرتي دمشقية:
سألتها ..سيدتي
من أي البلاد انت؟
وهذا الدلال اللافت
بالأنوثة صارخ
من تكونين سيدتي؟
قالت وعيناها
ترشقني جذبا
ومن تكون انت
سيدي؟
انا أميرة دمشقية وأنت سيدي؟
أنا عاشق لكل ما فيك
سيدتي..
انه بوح جميل بالعشق من الحبيبيْن كشفه الحوار.
ز- الوصف :لقد استخدم الشاعر الأسلوب الإنزياحي بأنواعه:
– الأسلوب الانزياحي الدلالي القائم على التشبيه والكناية والاستعارة الذي غطى معظم القصائد.
– الأسلوب الانزياحي التركيبي القائم على التقديم والتاخير بدْءا بالعنوان والاستفهام وصناعة السؤال .
– الأسلوب الانزياحي الايقاعي القائم على التكرار بتلك اللازمة التي يرددها الشاعر في العديد من قصائد الديوان: تعالي سيدتي(خاتمة الأحزان)/عيناك جميلتان عسليتان( عيون الكوثر)…
وفي هذا الاطارفان الشاعر محمد الحفضي قد جعل كل قصيدة تروي للقارئ تجربة قد عاشها في الواقع أو في المتخيل باستخدام مقومات السرد وأركانه.
ولعل قصيدة ” عروستي الزيانية” تلخّص هذه القصصية في الديوان وحضور مقومات السرد وأركانه:
6- قصيدة “عروستي الزيانية ” نموذج مختزل لتسريد الشعر بالديوان:

+المكان الاجتماعي الوجداني: العرس
+الزمان الوجداني: العرس
فالعرس زمان ومكان.
+الشخصيات : العروسان/ تاويا(وزيرة العروس)/ اسناي(وزير العريس ومرافقه)
+الأحداث : العرس وزينة العروس الزيانية/ ذكر تقاليد وعادات العرس الامازيغي/ الانفراد بالعروسة في خيمة العشق …
+ العقدة : تسليط الضوء على الشرف المتمثل في عذرية العروس وفحولة العريس…
+ الحوار :
– حديث النفس على لسان العريس
– حوار بين العروس والعريس وهي تقول له:
حبيبي خذني الى مخدعي
وافضض بكارتي
قبل اطلالة ضوء الصباح
خذي دليل الصبوح
اعققيه على صهوة تاكمارت
اهمزيها تعود الى مضارب الدوار
وقولي لأم العروس
بشراك ..زغردي أربعا
فكريمتك للعفة عنوان
+الوصف: استخدم الشاعر:
* اسلوبا انزياحيا دلاليا قائما على:
– التشبيه :”وانت عارية كتمثال من رخام”
– الكناية:” نامي هادئة يا اجمل تامغارت”/تاويا ..يا تاويا “/”أسناي ..يا أسناي”
– الاستعارة ” فكريمتك للعفة عنوان”.
*أسلوبا انزياحيا تركيبيا قائما على الامر والنهي لقضاء حاجاته:
اطلقي/ دقي/ دعيني/ اسدلي/ ولا تحجبي/ تعالي/ اخلعي / نامي/ خذي/ اعققيه/ اهمزيها وقولي/ عد/ عجل/..
كما ان الشاعر استخدم معجما لغويا يعود الى مصطلحات أمازيغية وهي تشي بواقعية الأحداث بإحدى قبائل زيان بالأطلس المتوسط.
الخاتمة:
ان الشاعرمحمد الحفضي عبْر تجربته في تسريد الشعر بديوانه “وشم على خاصرة الليل” قد ارتقى بديوانه نحو العالمية فهو يتقاطع :
– قديما مع عنترة الذي نسج قصته العاطفية في معلقته مع ابنة عمه عبلة وجميل بثينة الذي سرد قصة حبه في أشعاره …
– حديثا : مع الشاعر أحمد شوقي الذي يُعتبر من رواد الشعر القصصي في العصر الحديث..
سلم قلم الشاعر محمد الحفضي هذا القلم الذي أمتع القارئ بسمة القصصية والحكائية بديوانه الشعري.
بتاريخ 12/ 11/ 2025
المراجع:

https://www.arab48.com>(1)
الالوان ودلالتها في علم النفس- عرب 48
https://www.edarabia.com>…(2)
اللون الاصفر دلالاته ومعانيه وابعاده
(3) الاسود في فلسفة الالوان “آلان باديو”(27/ اغسطس 2024
https://www.facebook.com>videos(4)
اللون الرمادي. واللون الرمادي يعتبر من منظور علم النفس لونا محايدا
(5) الوشم كلغة بصرية: كيف يحوّل الجسد الى قصة مسموعة؟ جزيل.
الفهرس:
1- التقديم المادي
2- في قراءة لرمزية الألوان ودلالاتها بغلاف الديوان.
3- في قراءة للعنوان “وشم على خاصرة الليل”
4- في قراءة للوحة التشكيلية بالغلاف(قراءة للفنانة التشكيلية سعيدة بركاتي).
5- التحليل(القراءة النقدية): تربة تسريد الشعر بديوان”وشم على خاصرة الليل”:
أ- الزمان والمكان:
ب- الشخصية:
ج- الاحداث:
د- المشهدية:
ه- العقدة والتأزم والانفراج بالديوان:
و- الحوار:
ز- الوصف:
6- قصيدة “عروستي الزيانية ” نموذج مختزل لتسريد الشعر بالديوان:
الخاتمة.