“السفينة”..؛؛
قصة قصيرة عن بعض طبائع ما جُبِلَ عليه الإنسان
“.. منذ صِغَرِه وهم يحذرونه من هذه السفينة. قالوا له: تقطنها العفاريت والشياطين، وقالوا له: إنَّ فيها جنيَّات. بنظره لا تختلف الجنيات كثيرًا عن الشياطين..
نشأ على الخوف من هذه السفين الماكِثَة في الميناء منذ الخلق الأول ربما. لا أحد يعرف عنها أي شيء. هي موجودة هناك مِن قبل هذا الجيل، والجيل السابق عليه، والجيل السابق على الجيل السابق عليه. وهكذا.. حتى إنَّها لا طراز لها لِكَي يخمِّنوا متى جاءت بالتقريب..
قرونٌ طويلة يقبَعُ فيها بيت الشياطين هذا في مينائهم الصغير. لا أحد يذكر عنه أيَّ شيء، إلا أنَّه لا ينبغي عليهم دخولها أو حتى التفكير في تحريكها أو إغراقها..
حتى أنَّه عندما فكر أحدهم ذاتَ يوم في تحريكها وإغراقها في البحر لِكَي يتخلص من هذا الكابوس الماثل أمامهم في الميناء؛ لم يعُد لِكَي يحكي أيَّ شيء عن مغامرته هذه..
إلا أنَّ صاحبنا كان مولعًا بكل ما هو غريب.. أعلن على الملأ أنَّه سوف يخلِّص القرية الصغيرة والميناء من “هذه القمامة”.. حذَّرته أُمُّهُ، وكذلك حذَّره البقَّال الصغير المجاور للميناء، والصيَّاد العجوز المسكين الذي يسكن إلى جواره.. حذَّره حاكم القرية. إلا أنَّه لم يأبَه بكل ذلك..
لكنَّ الحاكم الذي كان من سُلالةٍ حَكمَتْ هذه القرية مِن قديمٍ، كان يعلَّم مَغبَّة هذا العمل الذي كان ينتويه هذا الأحمق على القرية بأكملها.. حذَّره أبوه، وجدُّه حذَّر أبوه.. حتى سابع جدٍّ.. منذ أنْ جاءت هذه السفينة إلى القرية.. وجود القرية رهينٌ ببقاء هذه السفينة..
إلَّا أنَّ الأحمق فَرَّ مِن سجنه.. كانت رغبة مجنونة تمتلكه لِكَي.. لِكَي يعرف!..
وذاتَ يومٍ، وبينما الحُرَّاس المزوَّدين بكلابٍ ضخمةٍ عملاقةٍ يبحثون عنه بجنون قبل أنْ يرتكب حماقته، وعند الليل الحالك؛ ارتقى سُلَّمها المتهالك، وفرد الشِّراع، وراح يبحرَ بها..
…..
…..
أما كيف انتهت القصة، وما هو مصيره ومصير السفينة؛ فهذا ما لم يكتبه أحدٌ في أيَّة مخطوطةٍ عُثر عليها بعد أنْ أغرقَ البحر، القرية البائسة”..
Discussion about this post