إن قصة ” السندباد البحرى ” في أصلها احدى المغامرات العديدة التى امتلاً بها المؤلف ” الخالد “ألف ليلة وليلة : وتدور أساساً حول مغامرات أحد التجار ويطلق عليها ” السندباد البحرى ” في شتى أنحاء الأرض مواجهاً للصعوبات والأهوال في سبيل تحقيق الغنى والرفاهية واشباعاً لحب المغامرة وتحدى الصعاب من ناحية أخرى .
وتتضمن في قصة سندباد البحرى سبع رحلات ، كما ورد في كتاب ألف ليلة وليلة وقد احتــلت هذه القصة وهى بعنوان ” حكايات السندباد ” مجموعة من الليالى بدأت باليلة 561 ([1]).
أما قصة كامل الكيلانى المأخوذة عن هذا الكتاب فهى بعنوان ” السندباد البحرى ” وهى ضمن سلسلة له بعنوان ” قصص من ألف ليلة ” ([2]).
ويتوفر في كل رحلة سواء في الكتاب الأصلى أو القصة المأخوذة عنه بناء قصص متكامل ، فهناك المقدمة التى تحمل أولاً رغبة السندباد في الاستقرار ثم عدوله عن ذلك واظهار ما يعتريه من رغبة جارفة للرحيل والمغامرة ، ثم تبدأ المغامرة ليواجه مجموعة من الصعوبات والأهوال ، ثم تأتى بنهاية سعيدة بأن يتغلب على هذه الصعاب معتمداً أساساً على تفكيره ومحاولة تدبير والحيلة ثم العودة غانماً محملاً بالثروة والهدايا ، وتأتى هذه النهاية كإجابة لتساؤل السندباد الحمال في بداية القصة وشكواه من أن هناك أغنياء يسكنون القصور ، وهناك فقراء يشقون ويكدحون لمجرد الحصول على لقمة العيش ، وقد جاء التوضيح بأن ما حقق من جاه وثروة إنما جاء نتيجة الجهد والتعب والتعرض للمخاطر والأهوال .
وبمقارنة القصة الأصلية بالقصة المبسطة يمكن تبين أوجه التبسيط التى قام بها الكيلانى في قصته الموجهة للأطفال .
ونعرض هذه المقارنة تحت عدة عناصر: الفكرة أو المضمون ، الأسلوب واللغة وطريقة العرض والشكل والإخراج ([3]).
- المضمون :-
بمقارنة قصة ” السندباد البحرى ” في كل من كتاب الكبار ” ألف ليلة وليلة ” وعند الكيلانى نجد أن الأفكار الأساسية واحدة ، فقصة الكيلانى ضمت السبع رحلات التى ورد ذكرها في كتاب الكبار، مع اتفاق في الأفكار الأساسية وسياق الأحداث هذا ، وإن كان هناك بعض التغيرات في المواقف الشخصيات الأساسية ، ففى كتاب ألف ليلة وليلة للكبار يقف ” السندباد الحمال ” في بداية القصة وهو في غاية التعب والإرهاق ليستريح أمام بيت رجل تاجر ، توفر أمام البيت الهواد المعتدل ، والرائحة الذكية ، وأصوات الطيور المغردة، ويكون موقفه في هذه الحال ، هو أن يرفع طرفه إلى السماء ويناجى ربه بقوله” يا رب يا خالق يا رزاق من تشاء بغير حساب اللهم إنى استغفرك من جميع الذنوب ، وأتوب اليك من العيوب يا رب لا أعترض عليك في حكمتك وقدرتك …” ([4]).
وفي هذا النص ما يوضح استسلام السندباد الحمال ، ورضاه بمشيئة الله ، في أن يكون فقيراً متعباً، بينما غيره في غاية النعمة . ثم ينشد بعض الأشعار التى تؤكد هذه المعانى ويستبعد لحمل حمولته ومواصلة السير.
أما في قصة الكيلانى فهو يقدم هذا الجزء من الحكاية تحت عنوان ” شكوى السندباد الحمال ” وجاء النص ليعبر عن تذمر وغضب ” السندباد الحمال ” أو السندباد على النحو التالى :
” ونظر الهندباد الحمال إلى جمال الحديقة وفخامة القصر ووفرة ما يحويه من ([5]) غنى ونعمة ، ورأى ما هو فيه من بؤس وشقاء فصاح غاضباً ” تغنى من تشاء ، وتفقر من تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء فأنا أتحمل الهموم والآلام ، بينما ينعم ” السندباد ” بهذا القصر الفخم وما يحويه من ثروة ونعيم ، دون أن يتكبد أى عناء ..”
وفي هذا النص الصريح توضيح لما تضمره بعض النفوس من الحقد والضغينة على الأغنياء بدون التعرف على كيفية وصولهم إلى هذا الحال ومدى الصعوبات التى لاقوها حتى وصلوا إلى ما هم عليه من نعمة . وقد ركز الكيلانى على هذا الجانب ، فنص صراحة على سبب قيام السندباد البحرى برواية قصصه للسندباد الحمال بقوله :
” وسأقص عليك ما حدث لى في أشعارى السبعة وما تعرضت له في مهالك ومخاطر التى تشيب من هولها الوالدان ، لتدرك بنفسك مقدار ما عانيت من المتاعب حتى وصلت إلى هذه السعادة التى تراها وتعجب منها ” ([6]).
- كما تضمنت قصة ” السندباد البحرى ” عند الكيلانى العديد من الاشارات إلى الجوانب اخلاقية عديدة اتصف بها السندباد البحرى وكانت عوناً كبيراً له في تحقيق السعادة والرفاهية في نهاية القصة مثل
- الشجاعة في مواجهة الصعاب وعدم اليأس
- الصبر على الألم وقوة التحمل
- ضرورة الكفاح والتعب في الحياة لكى ينال المرء مراده .
كذلك حرص الكيلانى على إضافة بعض القيم التربوية الهامة وإن لم ترد في الكتاب الخاص للكبار ، كذلك حرص الكيلانى في بعض المواقف باستبعاد التفاصيل والتركيز على الأحداث الأساسية ومن أمثلة ذلك معالجته للحدث الذى تعرضت فيه السفينة في الرحلة الأولى للخطر ، نتيجة الرسو على جزيرة تبين فيما بعد أنها سمكة كبيرة رست في وسط البحر، فقد ورد في قصة الكبار أحداث فرعية تفصيلية تم فيها وصف الجزيرة التى رست عليها السفينة ، بينما تخلى الكيلانى عن كثير من التفاصيل وأكتفى بعرض سريع لكيفية رسو السفينة ، مع التركيز على كيفية تعلق السندباد بلوح من الخشب وشجاعته في التمسك به طوال الليل
(2)الأسلوب واللغة وطريقة العرض:
كما تبين لنا في النقطة الأولى وهى المضمون إنه لا يوجد تغيير جذرى في الأحداث والأهداف عن القصة الأصلية .
ولكـن في جانب الأسلوب واللغة وطريقة العرض نجد الكيلانى بذل جهداً كبيراً مثل :-
- الحرص على استخدام الأساليب اللغوية البسيطة والقوية وذلك تأكيداً وتحقيقاً للهدف الذى نص عليه في مقدمة الطبعة الأصلية وهو تحبيب النشىء في اللغة العربية الفحصى مثال
” ….. رأى في صدر المجلس رجلاً حسن الصورة ([7]) ، جليل القدر مهيب الطلعة …
- الحرص على استخدام التشكيل في كل كلمة من كلمات القصة وذلك بهدف أساسى وهو تعويد النشء على النطق السليم .
(3)الشكل والاخراج :-
هناك مجموعة من العناصر تميزت بها القصة المبسطة في مجال الشكل والإخراج نذكر منها :-
- التقسيم إلى فقرات وإضافة عناوين فرعية تسهل متابعة الأحداث
فقد حرص كامل الكيلانى في كتابة إلى تقسيم الرحلات واعطاء كل رحلة عنواناً خاصاً بها، ثم اعطاء عناوين فرعية لكل قسم داخل الرحلة الواحدة.
- الحرص على إخراج مجموعة من الرسوم ترافق النص
أما الإخراج بوجه عام ، فإن البنط الملائم والمسافات بين السطور كافية والهوامش في جانبى النص كافية وتساعد على الاحساس بالراحة اثناء القراءة.
وهناك مجموعة من الأسئلة في نهاية التمهيد ، كما يوجد في نهاية القصة فهرست يحدد الموضوعات الداخلية لكل رحلة والصفحات التى توجد بها ولا شك أن جميع العوامل التنظيمية السابقة ذات أهمية كبرى في إفادة القارىء الناشىء.
ويرى الباحث أن ميدان تبسيط أدب الكبار مجالاً خصباً في ميدان تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها حيث يوجد في أدبنا العربى العديد من الروايات والقصص القصيرة التى من الممكن أن تبسط بشكل يظهر جوانب اللغة أو النظام اللغوى وسوف يعرض الباحث نموذجاً لقصة قصيرة مبسطة عولجت لكى تكون درساً لمتعلم اللغة العربية الناطق بغيرها.
ويرى أحد الباحثين انه عند تبسيط النص الأدبى ينبغى مراعاة امرين ([8]).
- الأمر الأول :- الحرص الشديد ، كى لا يفسد التبسيط طبيعة النص الأدبى وحتى لا يغير خصائصه الجوهرية .
- الأمر الثانى :- تقديم النص الأصلى للمتعلم ، إما في مرشد المعلم الملازم للكتاب أو تحديد المرجع الذى أخذ منه النص.
([1]) ألف ليلة وليلة ، جـ2 ، بيروت ، دار التوفيق للطباعة والنشر والتوزيع 1980 ص 875
([2]) كامل كيلانى ، السندباد البحرى ، ط، 25 ، القاهرة ، دار المعارف ، 1987 ص ، 88
([3]) سهير ، أحمد محفوظ ، تبسيط أدب الكبار للأطفال ، دراسة نظرية مع نماذج تحليلية ، مطبوعات ، مركز توثيق وبحوث أدب الطفل ، 1996 م ، ص 29-36
([4]) ألف ليلة وليلة ، جـ2، بيروت … مصدر سابق ، ص 876
([5]) كامل الكيلانى ، السندباد البحرى ، ط95 ، القاهرة ، دار المعارف ، 1987 ص 76
([6]) كامل كيلانى ، السندباد البحرى ، ط 25 ، القاهرة ، دار المعارف 1987 ص 9
([7]) كامل الكيلانى : السندباد البحرى ، ط25 ، القاهرة ، دار المعارف ، ص 8
([8]) الناقة وطعيمة ، محمود كامل ورشدى ، الكتاب الأساسى لتعليم اللغة العربية للناطقين بلغات أخرى ، معهد اللغة العربية ، جامعة أم القرى ، مكة المكرمة ، 1983 ص 278
Discussion about this post