التهريب والتَّمَرُّد تجَاهَ الأفُق ..
ا==== قراءة عاشقة ======
مجموعة (تقارير تونسية مهربة) لرضا بن صالح
ا============ Ridha Ben Salah
في ما يشبه التقديم
ا============
لئن كان النقد الكلاسيكي وهو يعتمد على نظرية الأنواع الأدبية العتيدة قد أقام بين القصة والرواية والشعر والسيرة والمسرح فواصل جامدة — تجعل لكل منها حدودًا لا تُتخطى ومواصفات لا يصح تجاوزها—
فإن مجموعة الاستاذ رضا بن صالح.. كانت مفتاحا عابرا لكل تلك المغاليق والأغلاق..انها بمثابة بوابة نلج من خلالها الى تجديد مخصوص نتـبـيُّـن فيها مساحات الاشتباك بين القصّة القصيرة والقصيدة، وكذلك نتـبـيُّـن من خلالها مساحة التعالق بين القصة القصيرة والسيرة الذاتية في النصوص.. انها قصص تصرخ في قارئها: أفيقوا لقد حان ان نحطم تلك الحدود والفواصل فلا سلطان على الإبداع..
بل وأكثر ان تجاوز تلك الحدود هو الأصل بدلًا من احترامها.. اذ ان ما يُعرف بـ “الكتابة العابرة للانواع” أو “النص، ص المفتوحة” في واحد من استعمالات هذا المصطلح القلق – تفضي الى اعتبار تكسير الحدود بين القصة القصيرة والرواية وغيرها من الانواع يعطينا أقوى مشروعية نظرًا لما بين تلك الأجناس من صلة حميمة لا تخفى..
ا===============
اولا مستويات بالتجديد
ا==============
ان المتتبع لما كتب القاص رضا بن صالح من آثار قصصية بادئا بمجموعة:
العابرون..
مرورا بمجموعته الثانية:
مسالك التيه في الصحراء..
والثالثة
بيان العودة الى اورشليم..
وصولا الى الرابعة (تقارير تونسية مهربة) يتبين مدى اختلاف رابع المجموعات.. من حيث:
ا===========
1- تحطيم النموذج
ا===========
من خلال المنجز القصصي السالف نرى ان القاص كان منشغلا بالتحقق من الخصائص الفنية لجنس القصة القصيرة لكنه بالان ذاته ظل مهوسا بالبحث والتجريب اذ نراه يخترق بمجموعته الرابعة التفرد الاجناسي.. فلقد
ضمت مجموعة (تقارير تونسية مهربة) لرضا بن صالح.. تسع قصص صادرة عن دار ورقة وقع فيها فك الارتباط عن التجنيس.. انه في محاولات جادة
للتخلص من وحدة الشخصية والزمان والمكان..
ليتماهى مع ادب الرحلة انظره بقصة رحلة الى نيويورك
وليتساوق مع ركحية وسينوغرافية مخصوصة تشتبك مع المسرح في اقصوصة انتظار مؤلف
او تتناسل من رؤى السينما في تقارير تونسية مهربة
وقد تتشظى لتؤسطر وجودها مع قصة المتنبي روتورن almutanabi returns.. فإلى اي حد؟!
ا===========
2 – زلزلة التيمة والفكرة
ا==========
على اثر زخم الإنتاج القصصي عند رضا بن صالح الذي اصبح يتجه بفن القصة القصيرة اتجاه النضج الفني متجاوزا تلك المحاورة الافقية للهموم الذاتية والانفعالات المجتمعية راصدا قضايا تتعلق بالمهمش المجتمعي بطرق فنية ناضجة بعيدا عن الطرق الخطابية التقليدية والوعظية
انظر عنايته بالبناء السردي والروح الحكائية ومعالجة المواضيع المختلفة.
بتقصّي لاهم التيمات القصصية بمجموعته نجدها كلاًّ مترابطا ضمن المجموعة فمثلما يتناول الذاكرة، والهوية يتناول الحدث والشخصية.. ومثلما يحتفي بالمهمش يهتم بتفاصيل المكان والزمان..
ومثلما يختار الاستعارة لعدد من الأنماط الكتابية ويظل يضمنها لتلك النصوص فإنه ينزاح بها عن المألوف الى العجيب ومن الغرائبي الى المألوف ومن أدلة ذلك انه يستعمل مختلف الطرق والآليات التي يتم بموجبها طرق تلك المواضيع الحارقة..
هكذا تداخلت تلكم التيمات مع عدة مواضيع لتسجل ارتباطها بما درجت الرواية على التخصص فيها..
ا================
2- مستوى التعدد والتشكل
ا==============
أ- التقاط المشهد
ا==============
يبني رضا بن صالح القصة على تعدد زوايا النظر وبؤرية الرؤية..انه لا يتوانى في جمع الشتات المتناثر والمتنافر ليصوغه بشكل أعمال سردية تحقن المتلقي جرعات التفاؤل الذي يعيد تشكيل الحياة للانساني فينا كما خطط لها الكاتب لا كما هي في الواقع..
ا==========
پ – تعدد زوايا النظر
ا=========
ان كل زاوية يقف بها الراوي تمثل بنصه القصصي وجهة النظر بل موقف طليعي..تتساوق مع ركحية وسينوغرافية مخصوصة تشتبك مع المسرح ما وجدناه باقصوصة (انتظار مؤلف)..
انت تراه من خلال التقاط المشهد ينزع الى وحدة الموضوع، لكنه بنفس الوقت يفتح المنظر القرائي على التعدد.. ومنه إن القصة القصيرة عند رضا بن صالح تكسر الحبكة واللغة حين تراوح بين التكثيف والسرد المفتوح وتحتفل بالاختطاف الومضي للحدث البارق بذات الأسلوب والدلالة وما يحيل إلى اعتبار القصة بحثا متواصلا على وجهات نظر متعددة.. فكلما سلكت طريقا ظهرت لك اتجاهات.. وكلما اتخذت دربك باتجاه معين.. تجدك دخلت متاهة فيها لانهائيات من الفكر ومتعددا في تنسيب المواقف والرؤى..
ا==========
2- بؤرية الرؤية..
ا==========
أ- الأسلوب الذبذبي الحلزوني
ا=================
ان ما يجعل النصوص القصصية القصيرة عند رضا بن صالح ذات موقف وذات وجهة نظر هو بؤرية الرؤية وانزياحية المتعدد عن حقل المتصنم والمتحجر..
ان استعمال الأسلوب الذبذبي الحلزوني العمودي الحفري، وهو الذي يعتمد على الفكرة أساساً..
لنفترض جدلا ان القاص رمى الفكرة على الورقة.. انظر ماذا ينتج عنها من تآويل لانهائية..
انظر الامر على هذا الشكل: فيما شبه ما نلاحظه حين نقذف حجرا وسط بركة دائرية فيها ماء آسن فيُحدث ذاك ـ أي المقذوف ـ انفجاراً/ ارتطاما ينتج عنه دوائر صغيرة حول البؤرة ثم تتسع كلما ابتعدت عن مركز الانفجار/ الارتطام حتى تحيط بالبركة كاملة ، هذه الدوائر عند القاص رضا بن صالح تمثل امتداد النص منطلقا من البؤرة النصية..
ا=============
پ — اسلوب التخطيط الجذري
ا===============
ان استخدام اسلوب التخطيط الجذري الذي يتشعب باتجاهات مختلفة بشكل الجذور ويتخذ مسارات متشعبة..
يعمد القاص الى ترتيب تلك المشاهد التي تنبع من جذر واحد أو أصل واحد.. ويعمل فيها هندسة وابتكارا مستعملا تقنية معمارية فنية صحيح ان أساسها المركز البؤري اي مركز توالد النص حين تكوين الشخصيات والأمكنة ، والأزمنة ، والأحداث ، لكن نواة النص ومركز البؤرة ترجع اليه العلامة والدلالة كي تصوغها القصة وتسقطها على الحدث المعاصر وهذا وذاك لا يُفقد المتلقي استجماع تلك التشعبات على صعوبتها، وانما يفتح له افق انتظار جديد. وهذا مقصد الكاتب ومطلب القاص ان يشاركه القصة ذاتها ذاك القارئ العجول والمتلقي المتفحص محققا بذلك أن يستنهض همم جهة متلقية ومنه يفعّلُ حصادا معرفيا كي يستنطق القارئ النص ويسبر أغواره..
ا=======
ما يشبه الخاتمة
ا=========
ان ما يجعلنا نقول ان هذه القصص قد تمردت فعليا على نمطها وشكلت علاقة جيدة مع النوع الادبي مسرحا او سينما او رواية هو ما وجدناه حين صارت بعض النصوص خارج منظومة القصة القصيرة متحولة إلى النص المفتوح..
Discussion about this post