لماذا غنَّتْ الأشجار”..؛؛
(قصة قصيرة تحكي عن شجرة ظلت تردد لحن طيفٍ ما مرَّ بها ذات ليلة)
“.. ليس كل الطيور قادرة على التغريد، ولا كل الطيور قادرة على الطيران.. هناك الكثير من الطيور التي تقضي الليل وحيدة؛ تترقب.. وتنتظر!.. فلا هي بقادرة على التغريد ولا هي بقادرة على الطيران.. لا تتساءل عمَّ تفعل ولا ماذا تنتظر؛ فقط هي تستمع إلى موسيقى الليل مجهولة المصدر.. هي تحب هذه الموسيقى..
ذات يوم مرَّت تحت الشجرة طفلة جميلة تعزف على الناي.. حَفَظَتْ الشجرة اللحنَ، وظلَّت تردده للأبد، بينما طائر ليلي غامض ينصِت إليها وينتظر القمر.. وإذا بزغ القمر؛ فإنَّه يظلُّ معلِّقًا ناظرَيْه به، وينصِتْ.. أمَّا مَن كانت هي، وماذا كانتْ تعزف هذه الطفلة؛ فلا أحد يعرف!!..
فقط الشجرة كانت تعرف، والمرج الذي مرت به الطفلة بقدمَيْها الصغيرتَيْن، يعرف، لكنها شجرة عجوز؛ كثيرة النسيان، والمرج لا يعرف الكلام..
أحيانًا كانت تأتي أمطار الليل، فتُضفي على المكان المزيد من الشجن مع غيماتٍ عابرة من فوق أشجار النرجس القريبة، التي تتحرَّك قِمَمُها متمايلةَ، فلا تعرفُ إنْ كانت تنصِتُ للموسيقى المُنبَعِثَة من الشجرة، أم بفعل الرِّيح التي تعصفُ بالمكان.. شهبٌ بعيدة، تمرُّ مسرعةً.. ربما كانت تكتبُ بظلالها وأضوائها، رسائلٌ لا نفهمها.. ثم تمضي في رحلتها السرمدية، حتى تختفي خَلْفَ خَطِّ الأفق. نحن لن نراها مرَّة أخرى..
لا أحد يعرف الإجابات عن هذه الأسئلة كُلِّها.. لا أحد يفهم أيَّ شيءٍ مِن مفردات هذا المشهد الأسطوري الكَوْني.. في البداية انشغل العابرون بالبحث عن إجابات.. بمحاولة الفهم.. قبل أنْ يقرروا ألَّا يرهقوا أنفسهم بالبحث.. فقط باتوا يصغون مع الطائر إلى تغريدات الشجرة والليل!”..
Discussion about this post