الذاكرة والكتابة في قصة “امرأةالكتابة” للقاصة والشاعرة جميلة بن حميدة.
بقلم: د/ نبيلة عبودي.
هي الذكرى.. عندما تستفيق الروح على حقيقة الفراق.. تفتح الباب الموارب لتهب رياح الماضي، فتحرك أشجار الشعور.. هي الذكرى.. وفية للألم ولا تعرف للخيانة طريقا.. وإذا كان النسيان آفة العلم فإن آفة الذكرى الوجع.. وأسألني:
هل يروم هذا النص كتابة الذاكرة أم أنه ينفتح على ذاكرة الكتابة؟ تتداخل الصور الغائبة التي تنضح بها الذاكرة مع الكلمات والمعاني.. ويفضح اللاشعور رغبات مكبوتة وذكريات منسية لا تختفي إلا لتعود..
هي “سارة” امرأة الحقيقة والوهم.. تتعطر بالحبر.. تتوسد الحلم.. وتلتحف الورق.. وهي “سارة” التي استوت على عرش الكتابة لتستنطق الحرف.. وتروض المعنى.. وبين الذاكرة والكتابة تقف امرأة معجونة بماء الذكرى تباركها الكلمات.
هو “أحمد” رجل الحزن.. يجتاحه الحنين في ليلة باردة “يتكور في جوف العتمة.. تحاصره أفكاره اللعينة.. وتجلده سياط الشؤم”..
هي “سارة” امرأة الحلم الجميل.. “يمسك بيدها ويأخذها بعيدا.. إلى ما وراء الضجر.. وما بعد الوحدة.. يغازلها بعيدا ليغتال غربة الروح”.
عندما يصفعنا الواقع بالحقيقة نهرب منه ومنها، ونختار لنا عالما غير هذا العالم.. وعندما نعجز عن تحقيق رغباتنا في الواقع نجنح إلى الخيال، فنعيش الواقع الذي أردناه، وإن كان كاذبا.. أحلام اليقظة همزات وصل يبن النوم واليقظة.. و”سارة” الغائبة الحاضرة رغبة مكبوتة ترواد الذهن عن نفسه.. وتقحمه في دائرة لا خروج منها.
يتأملها جيدا.. ويشكر الرب على لقائه بها.. يسجد سجدة الشكر ،ويبكي بكاء الروح العليلة.. يرفع رأسه من الأرض.. وإذا بها تختفي “ينظر يمينا وشمالا، فيدرك أنها مجرد حبات رمال الخيال.. تناثرت فوق أكفان الوحدة.. وقبرت بمقبرة الأحلام المنسية”.
وعندما استفاق من حلمه أدرك الواقع.. أو ربما هو أدركه، فاختار الكتابة ليوقظ الحروف النائمة داخله.. يقول “أحمد”: “صنعت لنفسي قبرا يكسوه السواد على الورق.. وأردت من حروفي أن تشيع جثمان وحدتي..” “سارة” امرأة الكتابة.. امرأة من حبر نائمة على الورق.. هي ذكرى.. والذكرى لا تموت.
“امرأة الكتابة” قصة تتأرجح بين ذاكرة الكتابة وكتابة الذاكرة لتلغي الخط الفاصل بينهما، فذاكرة الكتابة مرهونة ببدايات الوعي الإنساني الذي نقش على الصخر أفكاره.. وخط على الورق مواقفه وأحلامه، فلا سبيل للتواصل بين الناس إلا من خلال اللغة لأنها ضرورة اجتماعية.
وعند الحديث عنها كنسق من الاشارات، فإن الهدف منها هو الإظهار.. أي اخراج الفكر إلى حيز الوجود.. أما إذا كان ما نفكر فيه ينبض حزنا وألما، فستكون الكتابة ملجأ نفسيا يساعد الكاتب على نقل مشاعرة وذكرياته من اللاشعور إلى ساحة الشعور.. وفي هذا تخفيف من الألم الذي يتركه الفقد والحرمان.
Discussion about this post