سر ابتسامة الموناليزا
أحمد التهامى قاسم
حدقت في الصورة أتفحصها جيدا.. والفرحة تكسو وجهي.. غير مصدق.. كم كانت محاولاتي متكررة ومستمرة دون كلل أو ملل، يضحك ويسخر منها جميع أصدقائي ومعارفي.. تكتمت الخبر حتى انتهيت من رسمها، وضعتها في برواز زجاجي جميل، حملتها على صدري ورحت أجري مهرولا بها إلى أسرتي.. وقفوا محدقين فيها غير مصدقين.. علت البهجة والبشاشة وجوه الجميع.. ماعدا وجه أبي الذي تساءل متعجبا عن اسم صاحبه هذه الصورة.. قلت والحروف تخرج من فمي ممطوطة.. إنها ( الموناليزا ) نظر إليها أبي بازدراء واحتقار.. ابتسم ساخرا.. أشاح بوجهه عنها قائلا تطلع ايه بقى الست لوزة دي؟ أقريبه لنا؟ أم أنها صورة لواحده من أهل بيت الله الصالحين؟.. إنتفخت عروق أبي العامل البسيط المسكين.. تصاعد الدم في عروق وجهه.. ثار.. هدد.. توعد.. أقسم أن الصورة لن تظل في البيت ليلة واحدة، وإلا مزقها وأشعل فيها النيران.. لم يستطع أحد تهدئته.. تقلصت قسمات وجهي وتجمدت.. عم الوجوم كل الوجوه.. تشنج صوت أبي مرددا من أجل ذلك تظل ساهرا.. تاركا شعرك وذقنك.. لكي ترسم صورة فاضحة لامرأة عارية الصدر.. حقا لقد ضاع عقلك.. وها هي أعراض الجنون.. إنسحبت خارجا.. حملت لوحتي.. ضممتها إلى صدري.. تتساقط عليها دموعي.. وهي لازالت تبتسم ابتسامة غامضة، لا أدري مامعناها؟ راحت قدماى تقوداني إلى صديقي (حلمي) الذي تذكرت أنه دعاني اليوم لعيد ميلاده.. طرقت الباب.. دخلت عليه.. وجدت برفقته العديد من الأصدقاء والزملاء القدامى.. فردت لوحتي على ذراعي.. قدمتها إليه.. حاولت أن أخفي عن وجهي إبتسامه محزونه.. قائلا ألف مبارك (ياحلمي) وعقبال مائة سنة.. اندفع الجمع مقتربين من اللوحة يتأملونها بشغف وإعجاب وانبهار شديد يتخاطفونها.. متسائلين من أين اشتريتها؟ وبكم؟ إنها حقا رائعة وجذابة جدا ومدهشة للغاية.. أشرت بإصبعي السبابة إلى أسفل الصورة، فنظروا مندهشين إلى إمضائي المعروف والمميز (مجدي) تعالت الأصوات فرحة متعجبة.. متزاحمة متخاطفة ومتلاطمة، ومتعانقة غير مصدقين.. تقل الدهشة رويدا رويدا.. ثم تسابقت الكلمات والحروف على الشفاه، شدوا على يدي بحرارة.. ألف مبارك (يامجدي) إنك حقا موهوب وفنان، ثقلت شفتاى للإبتسام.. تعجب الجميع وتساءلوا، متمنين رسم صورة أخرى (للموناليزا والجيوكاندا) في أعياد ميلادهم القريبة القادمة.. تعجبت.. همست مشيرا.. إلى الشمع الذي ذاب وانطفأ في التورتة.. إنفرحت شفتاى.. تعالت وتشابكت الأصوات مع الضحكات في الظلام متهللة، مع دقات قلبي لأعياد الميلاد المقبلة.. ومحاولة سر اكتشافي الدائم لابتسامة الموناليرا الشهيرة الساحرة، والغامضة جدا علينا جميعا حتى الآن وللأبد.
Discussion about this post