كابوس متعدد الأوزان والمقامات
بقلم الفنان سالم الزيدي
بحركة سريعة جدا أنهى ما يقوم به من أعمال دون أن ينطق بحرف واحد ، وكذلك فعلت زوجته ( لم تقل له ) .
– صباح الخير …
الاثنان يحاولان الكلام دون جدوى ، أصبحت الإيماءة بالوجه والإشارة باليدين والابتسامة المصطنعة بارزة عليها .
يقول في نفسه : هل أصبحت خرساء
هي أيضا تتساءل : لماذا يرفض التكلم ، ما هي الأسباب .
هو حاول قبل ان يبدأ فطوره التحدث لكن صوت ( عو .. عو ) جعله يتوقف عن النطق . كان يخرج من حنجرته بوضوح وبأنغام وإيقاعات مختلفة الأوزان والمقامات مما جعله يضغط على أنفاسه حتى لا يخرج الصوت .
خرج مسرعا (الناس) لا يدري ماذا أصابهم ؟ واحدهم ينظر للآخرين بوجوم . الابتسامة حزينة . والصمت يجتاح كل شيء .. حتى إن ركاب السيارة لا يتحدثون مثل الأيام السابقة . [هو] أصبح في حيرة كيف يقول للسائق : توقف يا رجل اني وصلت الى المكان الذي اردته .. التفت يمينا ويسارا . لا يدري ماذا يقول . الجميع في دواخلهم التساؤل نفسه .. الصوت مات .. هل يبقون بالحافلة حتى نهاية الخط ؟
**
هل [هو] أم أصبح باسم جديد ، التركيب الجسماني والنفسي والسياسي والاجتماعي ما زالت أجزاء منه . القيمة بدأت بلا جدوى لها في إبراز الذات . ماذا يقول عندما يريد أن يذهب إلى .. أو عندما يمارس طقوس الحب والحقد .. حالة مضحكة في عالم يسوده مبدأ (النجاح والفشل) و (أن تكون أو لا تكون) وانعدام حالة التوازن النوعي .. و .. و ..
**
ماذا يفعل داخل حدود الدائرة ، كيف سيتعامل مع الموظفين والمراجعين .. جلس يفكر ، يقلب الأوراق والأضابير والسجلات . يفتح درج الكتب ، يرفع سماعة الهاتف ، يضرب على الأرقام . يتوقف ، كيف سأتحدث معهم . يعاود اللعبة بطفولية ، يقرب السماعة من اذنه (عو .. عو) ينقطع الصوت .. يأتي الصوت انثويا هادئا وبحنان ورقة وميوعة (عو..عو) أعاد السماعة بعصبية وتأفف يقول في نفسه (استغفر الله .. استغفر الله) .
أزاح ستارة الشباك المطلة على الشارع ، الوجوه أقنعة ، كابوس يحتل كيانه دون سابق انذار ، لم يعد الزمن يمثل عنده حيزا في مسارات الخطوط الهندسية للبناء ، الأفق عدواني حاول جاهدا السيطرة على نفسه إلا أن قوة الضغط الداخلي الرافضة لواقعه الجديد تدفعه نحو المواجهة .
دخل مكتب المدير دون سابق إنذار ولم يستأذن أو يحصل على موافقة . الاثنان في بساط للمصارعة كل ينظر للأخر وفي داخله تساؤلات كثيرة مثقلة الهموم وتناقضات تجعل من الصعوبة حصول الاتفاق بينهما : من سيبدأ أولا بتوجيه الضربة أو إمساك الآخر ؟
قال بعصبية : عو .. عو
رد المدير برباطة جأش : عو .. عو
أردف متحديا : عوعو .
كان الجواب بصوت خافت محاولا تهدئة الموقف : عوعو .
إلا أن الرجل أسرع في تماديه وأطلق صرخات شديدة جعلت العاملين في الدائرة يسمعون المشاجرة والمواجهة فبدأت الأصوات المختلفة تنطق (عو..عو) حاولوا جاهدين المساعدة لإيقاف جولة الصراع متوسلين وبرجاء (عو..عو) لكن كل محاولاتهم باءت بالفشل وبدأ الزحام داخل المكتب وأروقة الطوابق مما دفعهم للخروج الى الشارع واستمرت الأصوات في الصياح من كل جانب ولا أحد يعرف كيف ومتى تتوقف ؟ وارتفعت الأصوات من المذياع والتلفاز ومكبرات الصوت (عو .. عو..) وجاء صوت أجش لرجل وسيم ضخم يعربد مع حرسه يأمرهم بالتوقف .
قال بكبرياء : عو .. عو ..
انخفض صوتهم : عو .. عو ..
أردف وكأنه يأمرهم بالصمت ومترجما إحساسه بالحركة : عو .. عو ..
رد الجميع بهمس خفيف وعيونهم مفتوحة واسعة : عو .. عو ..
عندها ضحك الرجل وأطلق صوتا شديدا حادا مخيفا وانطلق مسرعا بسخرية مؤكدا إنه سيبقى ، والذي يرفضه سيكون مقيدا حتى نهاية العالم .
عندها قدمت فيالق رجاله تطلق الأصوات النشاز .. عو .. عو ..
عندها تساءل الرجل في نفسه متى يموت هذا العوعو ؟
Discussion about this post