الشاعرة والكاتبة والناقدة السورية الأستاذة باسمة العوام . قراءة في أقصوصة ” حبة لوز ” للكاتب والقاص منير الجابري / تونس …..
مااصعب الكتابة عن علاقات إنسانية غير متكاملة، مجتمعات تقطن أبراجاً هشّة معرضة للانهيار مع كلّ هبّةِ ريح . أناس يلبسون أقنعة ويخلعون أخرى ، يغتربون لحظات فتتغير مبادئهم ؛ يكتبون لها تاريخ الوهم محاولةً منهم إعادة تشكيل بناهم من جديد . هؤلاء الذين تسأم منهم الحياة ، فتغمض عينيك عنهم علّك تحافظ على ماتبقّى منك .
__ قصص اجتماعية يكتبها القاص “منير الجابري ” بكل معاني الإنسانية والقيم البشرية ، فتنام على أذرع السطور بين الفواصل والنقاط ، وتبقى الكلمات فيها عاجزةً عن حمل مقاصد الجمل .
__ ” حبة لوز ” …عنوان مبنيّ لغويأ ، يحمل من الإيحاء والدلالات الكثير مما سنكتشفه بعد القراءة .
ثم الأقصوصة التي يروي من خلالها كاتبها , قصة
” أحمد” الشاب الجامعي الذي يترك دراسته ليلتحق بعمل والده في الاستيراد والتصدير . يحزم كتبه وأشياءه ، يلقي بها على ناصية الطريق لاهثاً خلف الثروة والتملق والمظاهر الخدّاعة، باحثاً عن ضبابِ كثيف يخوض من خلاله وهم الحياة ، وشمّاعةٍ يعلّق عليها خسائره وهزائمه إذا ما وقع .
في المقهى يلتقي بأصدقائه ليحتفل بعيد ميلاد رفيقته فيتفاخر مزهواً أمام الجميع بتفاهة مايرتديه من أقنعة . و”سهى” الفتاة اليتيمة التي فقدت والديها بحادث سير وعاشت الوحدة والغربة بين كل من حولها . الفتاة الهاربة إلى أسفل الليل ، توقظها دُمى عابثة وأصوات متعاقبة تجفف خلايا الروح ، تمسكها بقبضة من حديد ، تقول فيما تشهد :” همهم الوحيد البحث عن اللذة ، يحققون فيها مآربهم حتى يتحرروا من واقعهم المرير ، هم كالطيور الجارحة يقطفون الثمار وينتهكون كل الحانات …..”
__ أقصوصة قصيرة تحمل من العِبر والدروس وعمق المعنى الكثير الكثير ، كتبها الأستاذ ” منير الجابري ” بأسلوب سردي حكائي نثري جميل ، ليقدم جانباً من جوانب الحياة ؛ فكانت الأحداث متحدة ومنسجمة في زمكانية محدودة ، والشخصيات مغمورة من قلب الواقع ، وموضوعها الحياة اليومية التي نحياها . وقد اعتمدت خصائص الاقصوصة من( وحدة الانطباع ) … التي تتحقق من خلال مجموعة من المفارقات والنقائض والتأملات التي تبدو للوهلة الأولى مشتتة لا رابط بينها ثم تظهر من تداخل أشكال الكتابة وتفاعلها .
( لحظة الأزمة ) … التي تمثلت بدخول أحمد السجن ثم دخول ذاك الغريب إلى السجن ليعطيه حبة اللوز التي تكشف عن تحولات حاسمة في اتجاهات شخصيته ومصيره .
( اتساق التصميم ) …حيث استطاع الكاتب تنسيق الأحداث ومعالجتها بطريقة مدهشة ، رتبها ترتيبا زمنيا وفق حدوثها في الواقع مستخدما أشكال لغوية مختلفة كالسرد المباشر ، الحوار ، الوصف ، التخييل ، الألفاظ السلسة والتراكيب الواقعية البسيطة ، وترك نافذة الخاتمة مفتوحة على تأويلات متعددة ليفسح الطريق لخيال القارئ وإدراكه وسعة أفق تفكيره ونظرته للواقع لمعرفة خيوط النهاية .
Discussion about this post