حديث الدهشة ). نص حداثوي للشاعرة نرجس عمران
__. من سوريا
أخبرتْني دهشتُهُ
أنَّ هناك قمرًا
مزروعًا في وجهي
وعلى وجنتيَّ تنبتُ النّجومْ
واستطردتْ في حديثِها
لتخبرَني
أنّني امرأةٌ غُزلتْ من شمسٍ
وكلُّهنَّ في فلَكي جواري
يلتمسْنَ النّورَ
وقالت دهشتُهُ أيضًا
مقاطعةً حديثَها :
إنّني الأنثى الّتي خمّرتْها
كلُّ الكرومْ
حقًّا أدهشتْني
دهشتُه تلكَ
كم بلغتْ من الفصاحةِ!
حتّى اختزلتْ
خطابةَ كلِّ الّلغاتِ
في لحظاتٍ
وجعلتْني معلّقةَ زهوٍ
على جدرانِ
الاكتمالِ
إنّها المرّةُ الأولى
الّتي أجهدُ فيها عبثًا
كي ألملمَ نفسي
نعم فمحالٌ أن نجمعَ فقّعاتِ سعادةٍ
حلّقتْ في آنٍ
لنعيدَ ها كما كانت كتلًا من لحمٍ ودمٍ
سيّما وقد هبّتْ عليها
رياحُ الغرورِ
من عينيه المشبَعةِ
بحديثِ الجَمالِ
المفطومةِ على منظومةٍ
من صمتِ الكبرياءِ
فغدتْ منتشيةً
حدَّ التّخمةِ
هي أصلًا
لاتريدُ إعادةَ التّدويرِ
فقد راقتْها رقصاتُ التّيهِ
مع أكفِّ الهوى
تركتني لنفسي
لحديثِ دهشتِكَ
ليفعلَ بي ما يشاءُ
اخترتُ أنْ يمزّقَني
ويبعثرَني فيالقَ من حياءْ
أحببتُ أنْ يجمعَني
في مصطلحٍ هو
كلُّ النّساءْ
وعلى هذا أنهيتُ العمرَ
واكتفيتُ بما وردَ
في دهشتِكَ
من عطرٍ وخيلاءْ
وأغمضتُ العينَ على مصراعيها
وأسدلتُ ستارَ الرّموشِ
هذا المشهدُ النّاطقُ
بلسانِ الصّمتِ
والمعبِّرُ بحركاتٍ مشلولةٍ
عن كلِّ ما يعجزُ التّعبيرُ عنه
وفي هيبةِ السّكونِ
اخترتُه
فصلًا أخيرًا
من قدري
وكان هاهنا خطئي
فكلُّ حديثِ بعدَهُ
مرَّ من أمام ناظريَّ
كان مجرّدَ انتهاك لسيادة الماضي
وتخبّطٍ بين المقارناتِ
وسطوةٍ للرّفضِ
قادتني وبعلمي
إلى حيث ألمي
في بوتقةِ دهشتِكَ
___
نرجس عمران
سورية
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
( الصدمة إبتداءً ومن ثمَّ
ارادات نشور البُنى النَّصّيّة )
نص نقدي مقابل
قراءة نضج عفوية تلقائية من قبل الفنان للما حول ، تلبّست فرائص هذا الوجود الجامع ،الذي شغلتْه ثلاثةُ عناصر للحِسْن
اولها صورةٰ مصدِّرةٌباثّةًٰ لمرئى فوق العادة من الجمال ، اتّسم بهاءٍ تعود لغائب يخامرها، في ( دهشتُهُ )، وهذي الدهشة ، بالاجمالي النوعي نحسبها نتيجةً لتبادلية جرت على مكان معين بين اثنين ، والعشق رابط ومحرض خارجي مثير ومؤثر ،
وهذا يدلُّ على أنَّ هناك عالماً من رهج الانوثة خارق جداً ، اذ حال لدفع التراكمي قبله ،
التراكمي السائد من جمال مفعول صائر سلفاً ،ليفسح مجالاً لمحدث آتٍّ جديداً تبتكره اللحظة ، وكصاحب العلم المتأمّل لايثبّت علمَه الجديد الا ويمسح او يكسح ما قبله من علم قديم ، كي يكتب وهو بحريته التامّة ،
هكذا صناعة الجمال المبتكر يكتسح ماقبله مهما كان نوعه ، فيلقي بجديد ما ابتكر على منصة الخلْق الفني ، وبهذا التناسب الحرّ نحدد ومن خلال الجملة افراد المعادلة التصيّريّة،،
( دهشتُهُ ) والتي هي اعتبار ونتيجة مكاشفاتية ،لفعل عميق نستطيع حصره في شكل ظاهري وهو اللقاء ، إمّا اطرافها ونعني ( دهشته ) المتكونة من ، ( هو ) المتصف في الضمير المتّصل الهاء ، و ( اخبرتْني ) المتحدّثة او الراوية اولاً عن نفسها وذاتها العاشقة والمعشوقة في نفس الوقت ، وهنا اكتمل نصاب المعادلة البديعية المرنة،
ولنقف نتامل اجراء الفعل في جملة
( اخبرتْني دهشتُهُ ) هنا كيانان معبّران قائمان اسّسا لموقف صيرورة جمالية حاصل حيثما وجوده ،
والواعز هنا آتٍ بوَقْعٍ مسترسلٍ على هيئة انفجار شديدٍ متأثّر ومؤثّرٍ بالمشهد ، وهو الصدمة التي حدثت وجذبت الواقع البسيط المترابط والمتمثّل بالمحبِّ والمحبوب ورابطهما الوجودي ، و كان قد حوّلتْه الى واقع أستثنائي يُصْغى اليه عموماً ،
ولعل الجمال بذاته ، يتطلب فعلاً خاصاً واداءً خاصاً ليكون، والا ماكان بالمستوى المطلوب ولا بالهيئة المرجوة، رغم عوامل الحضور وراهنية العناصر ،
( أخبرتْني دهشتُهُ
أنَّ هناك قمرًا
مزروعًا في وجهي
وعلى وجنتيَّ تنبتُ النّجومْ
واستطردتْ في حديثِها
لتخبرَني
أنّني امرأةٌ غُزلتْ من شمسٍ
وكلُّهنَّ في فلَكلي جواري
يلتمسْنَ النّورَ
وقالت دهشتُهُ أيضًا
مقاطعةً حديثَها :
إنّني الأنثى الّتي خمّرتْها
كلُّ الكروم )
اذاً نركّز هنا ، على العقدة التي اعطت الموقف الصوري هذا ، مستوىً جديدا من الافاضة والسعة
والعلاقات الجدلية الدافعة للمفاهيم الفكرية والتفجيرية والسحرية وما لمَّ وعمَّ ، ولعل العقدة الحافلة بالصدمة ، باتت وجودا وطاقةً يتحركان ، ولولا هذي الصدمة في البدء وبشكل مفاجيء ماحدث حادث ولاتحرك جنس انٍو ساكنٌ من مكانه ،
فلعلها التي هدمت الكتل هدماً بنّاءً اولاً ، وساقت مايجب ان يُساق للموقف ، استنفاره كطردٍ متحررٍ يؤدّي وظيفة البَلْوَرة والتكوير في مرام مايرغب المبدع لبنائه ،
( أنَّ هناك قمراً مزروعاً في وجهي
وعلى وجنتيَّ تنبتُ النجوم )
مَنْ ساق بهذا التصوّر الباهر في آنيّة مشهدٍ تحوّلي مثير ،،،؟
( قمراً مزروعاً في وجهي )
اغيرُ الصدمةِ حالها والتي باتت سببا وعلّةً للتكوين ، الصدمة التي تلازم كل فعل ابداعي ايمّا كان ،
نوعه روايةً ، قصّةً ، قصيدةً ، ملحمةً ، لوحةً ، تمثالاً ، وحتى لو كان شيئاً مصنوعاً كالبرج والاواني
والقصر والشباك ، والدمية والبستان والموجة وغيرها من بنات الطبيعة والوجود ،
هذا دورٌ لابدّيٌّ في الصنعة وصورة المخلوق ، يماثل في حاله حال اول خليّة بالشيء المادي والتي منها تبدأ وتنطلق ارادات الصورة مهما كان نوعها وفصيلتها وجنسها وكامل صفاتها ، انها نقطة البداية والشروع التي تُحْدِث هزّةً عنيفةً لتزحزح في رابط العلاقات الوجودية ، فتصنع حيّزاً لنفسها تلقائيّاً بكل توازن واعتدال ، هي ذاتها الحركة في حاصل الشعر والفن عموماً ، انها نقطة المحدد في كل عمل ، انها التفجير الاول وافتضاض روح الحمّى واندفاقها كالعصف في تلك اللحظة ،
انها كسر القشرة الصلبة ، والمعقّدة في التركيب المستأنف المستدعي للتحوّلات المحدثة ،
/الشاعرة نرجس عمران /بعملها الفني هذا والمسمّى / حديث الدهشة /
استثارت الواقع المحيط وباشارة ذاتية على اغلب حال ، وكان قد اضمرت كل عوامل الغامض العَدَمي وصفات الوجودي في العرض ، حتى نشأت بالحال بوادر فعل عنيف حصر الاشياء مستدركًا على الكيفيات التي تصنع عبور القوى الفاعلة باتجاه المكانية المخصصة لروح المحدث روح المتصيّر ودفعه باتجاه الكمال والصورة ،
( إنّني امرأةٌ غُزِلَتْ من شمس ٍ )
هذا التاكيد الراجح يمت بصلةٍ للنرجسية التي بها و بذاتها نعم ، للأ نا المتفوقة كذلك ايجاباً ، والتي ترى بعين الحسن لا بعين الركاكة والرث ،
اذاً الموقف يتجلّى عن رؤى باطنية صنعتها الصدمة في الحال والمآل التكوينيّن ،
وهذي نفسها تمت بصلة نحو مبدأ الهدم البنّاء للكتل والذي يجري بذات الوقت واللحظة الفنية ،
حيث تخرج ارادات تساهم بالصناعة التصويرية والتعبيرية ، صناعة الجمع للحسن والمنع للقبح ،
وكما ذكرنا في بحثنا اعلاه وركّزنا في هذا النص على نقطة البداية ، على الجدل وحاصل حركة معادلة الجمال الفني فيها ،
لنكشف للمتلقي كيفية حدوث الفعل عند المبدع ، نفسّر الكامن والمدفون وراء العنصر الجمالي ، الذي استدعاه المبدع ، وبطبعه ياتي للحال والحال ياتيه يلتحمان يحلّان ببعضهما ، ويدخلان في موقف عظيم ازاء الكون والطبيعة لايريان ولا يقدر شخص تحديد مكان وزمان خلق القصيدة والرواية. وايّ نصٍّ كان ويقول انخلقت هنا او هناك، وراء نهر اوتحت نخلة وجبل او،،، الخ من الوجودات ، هذا غامض الجمال ومن اسراره التي يتصف بها ،
والذي نؤكد عليه ومن خلال قصيدة الشاعرة ، ان جامع قوة النص يبزغ اولا ومن ثمَّ يصنع نشور توالداته الصورية في الدفع والعبارة ،
ومنه نبيّن تاشيرة مطالع القصائد عند الشعراء ومعاناتهم ، وترددات المبدعين في اللوحات وصنعها الاول في اللحظة النظيفة ، وفن التشكيل والعزف والقصة وكل عمل فني خالد، فلعلهم الذين يستصعبون انجاز صورة المطلع ، نعم صعوبتها وكَلْفها بسبب ما بيّنّا من تفسير ، اذ يقولون اصعب شيء هو صورة المطلع وهذا معلوم شائع وليس بجديد
نعم نستدل بها من خلال ترجمتنا النقدية اعلاه ،
( إنّها المرّةُ الأولى
الّتي أجهدُ فيها عبثًا
كي ألملمَ نفسي
نعم فمحالٌ أن نجمعَ فقّعاتِ سعادةٍ
حلّقتْ في آنٍ
لنعيدَ ها كما كانت كتلًا من لحمٍ ودمٍ
سيّما وقد هبّتْ عليها
رياحُ الغرورِ )
وقد تكون الشاعرة بهذا المنحى اخذت سياقاً وسطياً في بناء قصيدتها السردية ،وهو الخيار البنّاء والعام عند شعراء الامة
لولا العباقرة وذوو المواهب الاعتبارية العالية الذروة ، نعم يتميّزون وهذا حق ،
جهد نرجس عمران جهد ذكي وجهد محسوب بمستواه ، انما النقد اشّر وشخّص وفسْر فلسفة الدفين وراء الفعل النصي وهذا واجب ،
حميد العنبر الخويلدي
حرفية نقد اعتباري
العراق
Discussion about this post