قصة قصيرة: جزيرة القيامة:
بقلمي: خالد بوزيان موساوي
الفصل صيف.. و الشمس من رصاص.. النهار سرمدي.. و الليل أنيس… تختلط رائحة العرق، بفوحان عطر فواكه لم تعد تنتمي لموسمها إلا بأشكالها و ألوانها.. والهروب بعيدا للاستجمام أصبح في هكذا وغرة ركن من أركان الحياة؛ حلم لمن استطاع إليه سبيلا…
كنت أكتب هذه الخواطر لما سمعت حفيف ولقلقة طائر قاطع عجت به برية حديقة بيتي من على شجرة الحور العملاقة… لقد عادت إلى بيتها بعد ستة أشهر من الغياب… اسمها سيسيليا وكانت تفضل الهجرة على أن تتغذى على فرائسها من مقالب القمامة خوفا من مغامرة الرحلة الطويلة.. ويحق فيها ما قال النابغة الذبياني:
“إذا ما التقى الجمعان حلق فوقهم … عصائب طير تهتدي بعصائب”
هي من فصيلة اللقلق الماجواري، و لها أهل غيري في منطقة غرب الشيلي القارية تسمى “جزيرة القيامة” (Isla de Pascua ).
وضع العين عندها يوسع نطاق الرؤية أو يمده كما عند الصقر.. لما رمقتني، حطت على ظهري مداعبة؛ تعبير عن سعادة لقاء… و لقلقت بصوت ملح وهي تومئ بمنقارها الطويل إلى أحد ساقيها… كان ملفوفا عليه كيس صغير من جلد بني.. فتحته، وجدت بداخله ورقة مطوية.. قرأت ما يشبه الاسم بالأحرف اللاتينية، مذيل بكلمة أحد مواقع التواصل الاجتماعية المشهورة.. أرسلت طلب الصداقة… و ما تأخر القبول… كانت امرأة.
سالتني على الخاص إن كنت أستطيع التواصل باللغة القشتالية (الاسبانية قديما).. و لما علمت أني اتقنها، دار هذا الحوار بعد التحية:
قالت:
ـ لا تخف، و لا تعر اهتماما لاسم جزيرتي (جزيرة القيامة)، أنا حية أرزق، كما أنت تماما. ههههه… و لست أدعو روحك لرحلة معراج ..
أجبتها: لا أخاف من الموت، فساعته مكتوبة في لوح محفوظ ، و الآخرة من أركان إيماني… من تكونين؟
كتبت تجيبني:
ـ فضولي دفعني أن أتعرف للأب الروحي للقلقي الماجواري… هي مثل ابنتي.. و أمي… و أختي… و صديقتي… هي كل أسرتني… و لما تهجرني كل موسم..أقلق عليها من غدر سرب الطيور الكاسرة، و الطائرات الحربية، و من أمطار المياه والرصاص، و مضدات الطائرات و الصواريخ العادية والباليستيكية، و من الغازات السامة… قل لي رجاء: أتمطر قنابلا في بلدكم؟
كتبت:
ـ لا… موطني آمن، و الحمد لله… دعواتك معي.. رددي معي: ” اللهم ابعد عنا شر الفتن،ما ظهر منها وما بطن،انك انت سميع الدعاء.اللهم امين”… لا تخافي.. طائر اللقلق الماجواري في أمان.. هي وصغارها أسرتي.. , (وطمأنتها).. أهل أهلي، أهلي…
و سارت مراسلتنا على خطى مي زيادة و جبران خليل جبران… دامت عمر اللقلق، و استمرت مع صغارها.. ولم نلتق أبدا…
فليس كل من اتواصل معها في قصصي هي الحبيبة المختارة… للخيال علينا حق… وللواقع سلطانه.
Discussion about this post