نقد النقد
“وللأديب أن يقول كلمته”
………………………………مشكلة بعض – إن لم يكن معظم – من يتصدون للنقد, أنهم حين يسلخون النص عن صاحبه؛ فانهم في ذات الوقت يعتبرونه مجرد تلميذ في قاعة درس لا مبدع لديه كلمه اراد قولها وصاحب رساله يود ايصالها .. أو هو شخص دائما في قفص الاتهام بنقص في معرفه اصول الكتابه واساليبها..
….
الامر الآخر الهام الملاحظ؛ هو التركيز على الجانب التعبيري في النص، وهو الأداة من لغة وتراكيب لغوية وشكل ومجاز .. والخلو التام من البحث عن الجانب الشعوري الممثل لقيمة النص ورسالته وما يضيفه من إضاءة أو تنوير .. وهنا يمكن لنا القول أن لا نقد حقيقي لمن لم يتمكن من تحديد رؤية واضحة لما وراء النص, اكتفاء بزاوية ما؛ هي دائما غير كافية للإحاطة بكل مقاصد النص وجوانبه.
فعلى سبيل المثال لن يتمكن من لم يمسك بوضوح بتلابيب المعاناة النفسية في نص ما من الحكم عليه ..
…
إن قضية الانحياز المتكرر والدائم من جانب البعض, للشكل خصما من القيمة؛ تجعل الكثيرين من الأدباء يعزفون عن الانصات للنقاد أو الانسياق وراء مفاهيمهم..
وهذا يمثل سقطة للمنتج الأدبي الذي ينسلخ عن أهمية ناقده في دفع العملية الأدبية إلى الأمام.
…
من ناحية أخري .. يلجأ البعض ممن يتصدون للنقد إلى أشكال نمطية صلبة موضوعة, عند التعامل مع النص .. مثل قصر الحديث عن التكرار والاسهاب .. والابتعاد عن جوهر الموضوع أو محاولة سبر أغواره وصولا لمبررات تعبيرية قد تكون مختفية خلف ظاهر النص ..
ويتناسون أمرين هامين ..
الأول أن النص مخلوق متفاعل حي قائم بذاته, قد يملك من آليات البوح ما لن يدركه القارئ أو الناقد إلا بعد سبر جوهر النص وفهم رسالته .. وهو ما لن يتأتى من مجرد قراءة عابرة أو غير متأنية .. أو نظرة عين واحدة لا ترى من النص إلا ما ارتأت من مثالبه.
الأمر الثاني هو أن المنهج النقدي ليس كتلة مصمتة .. بل هو قابل لإعادة التشكل والتغيير .. الإضافة والتغاضي .. واستيعاب كل نمط جاد جديد ..
الأمر الثالث .. وهو اغفال أن علم النقد لم ينشأ إلا على جسد النص قديمه وحديثه .. أي أنه نشأ في الأساس على أكتاف الأدباء أنفسهم وأساليب منتجهم .. وبالتالي لم يكن ليغطي كل أساليب النص أو آليات التعبير الا بقدر ما كان وليس ما سيكون.. ومن هنا ظلت هناك داءما تلك المساحة البراح التي لا تلزم كاتب النص بما ارتاه غيره من حدود جامدة مصمته .. والا لما ظهرت تيارات عدة جديدة, أباحت للنص استيعاب مفاهيم وأساليب جديدة .. وأثبتت أن مدارس النقد المختلفة لا تمثل سوي رؤي هي أقرب إلى النظرة الشخصية منها إلى النموذج الأشمل والأصم الأعم .. فلن يستوي التفكيكي مع البنيوي مثلا في نظرة واحدة .. أو قبول ورفض .. فلا يطالب الحوار الداخلي مثلا لنفس معذبة بنفس ما يباح لشخص ما فاته موعد القطار .. ومازالت السيريالية في الفن في نظر البعض مجرد خلل في رؤية العالم ومدبرة عن التعبير الحقيقي عنه .. لكن هذا لا ينفي وجودها واعتناق البعض لمدرستها .
وهكذا يمكن فهم وتبرير الاختلاف المميز لتيار الوعي مثلا من حيث بعض التطويل المشتمل أحيانا على تداخل الأفكار والتحاور مع النفس “المونولوج” الذي قد يتطلب بعض انتقالات وقفزات في الأفكار قد ينظر إليها كمثلبة من كثير من النقاد, أو قد يحمل شحنة واقعية من التحليق والدوران حول مشكلة واحدة وإن تعددت الزوايا والمواقف.
…
القصد أنه لو تم تطبيق ما يراه البعض من شروط جامدة ملزمة من دونها لا يمكن لنص ما أن يمثل قيمة, أو يستوفي ما دوّنه البعض وارتأوه من شروط لم تكن دائما محل اتفاق .. نقول لو حدث ذلك .. لخرجت معظم أعمال كافكا وسارتر وغيرهما من السرد الروائي جريحة مجروحة .. مثلما سوف تدهس بعض أعمال عديدة لموباسان وتشيكوف وغيرهما من مبدعي القصه القصيره تحت عجلات عربة نقد جامحة .. لا يدل جموحها إلا على شيء واحد: أنها غير مكتملة التكوين.
..
أذكر هنا قول أحد الأدباء في ندوة أدبية ردا على اشارة أحدهم إلى روايته الأخيرة التي اشتمل سردها عل كم ملحوظ من التقرير .. قال: “أعرف ذلك جيدا .. لكن في مرحلة ما في التعبير الروائي ؛ عليك اتخاذ قرار الانحياز إما لشكل العمل أو قيمته .. ولقد قررت الانحياز لقيمة العمل ”
بمثل هذه البساطة والوعي عبر الأديب الكبير عن فكرته.
…
على كل حال .. سيبقي النقد الحقيقي دائما: علما منتجا مترفعا, غايته الوصول بقراءة النص الأدبي وكتابته إلى ما يبتغي لهما من كمال واكتمال .. ولن يتحقق له ذلك إلا بعقول نيرة قادرة على أن تحمل شعلته ، وتجعل من المرونة دافعا للتشكل لاستيعاب كل جديد !.
…
سعيد عثمان Said Osman
12 يونيو 2020
Discussion about this post