مختارات ..
=-=-=-=-=-=
نيكولاس كوبرنيكوس
Nicolaus Copernicus
– 1437 – 1543
د.علي أحمد جديد
(نيكولاس كوبرنيكوس) هو من أهمّ علماء الفلك في عصره ، وقد أسس مفهوم (مركزية النظام الشمسي) الذي يعني أن الشمس هي مركز النظام الشمسي وليست الأرض .
وُلِدَ (نيكولاس كوبرنيكوس – ميكولاج كوبرنيك Micolaj Kopernik كما هو اسمه بالبولندية) في التاسع عشر من شهر شباط عام 1437 في مدينة (تورون) البولندية على حدود مقاطعة بروسيا الألمانية التي هي النمسا اليوم . وطوّر نموذجه الخاص حول مركزية النظام الشمسي . وفي عام 1514 شرح آراءه ضمن كتابه “Commentariolus” . وكتب كتاباً آخر حول نفس الموضوع بعنوان “De Revolutionibus “Orbium Coelestium ، وقد تمّ حظر الكتاب من التداول من قبل الكنيسة الكاثوليكية الرومانية بعد عدّة عقود من وفاته التي كانت في عام 1543.
كان (نيكولاس) الولد الرابع والأصغر في العائلة . وعمل والده كتاجرٍ للنحاس في (تورون) القريبة من بروسيا ، وتأثر (نيكولاس) بالألمان وكانت اللغة الألمانية هي لغته الأولى ويظن بعض المؤرّخين أنه كان يتكلم البولندية أيضاً .
توفي والده في منتصف أربعينيات القرن وتولّى خاله شؤون تربيته وحرص على أن يتلقّى (نيكولاس) أفضل تعليمٍ . وفي عام1491 بدأ (نيكولاس) ارتياد جامعة Cracow حيث درس الرسم والرياضيات ، كما بدأ اهتمامه بالكون يظهر بوضوح وراح يجمع الكتب حول هذا الموضوع .
وقد شغل منصب الكاهن في كنيسة Frombork لبقية حياته ، وساعده هذا المنصب في إكمال دراساته لكنه كان يستنزف الكثير من وقته أيضاً .
في العام 1496 سافر (نيكولاس) إلى إيطاليا وسجّل في أحد البرامج الدينية في جامعة Bologna . والتقى هناك عالم الفلك (دومينيكو ماريا نوفارا Domenico (Maria Vovara وقام الاثنان بتبادل أفكارهما ونظرياتهما حول علم الفلك ، ثمّ أصبحا بعد ذلك زملاء في السكن .
عام 1501 بدأ (نيكولاس) دراسة الطب في جامعة Padua ، لكنه لم يكمل دراسته ولم ينل الشهادة بسبب اضطراره للعودة لشغل منصبه في الكنيسة .
وفي العام 1503 ارتاد (نيكولاس) جامعة Ferrara وخضع للامتحانات اللازمة لنيل درجة الدكتوراه في القوانين الكنسية ، ثم عاد إلى بولندا ليتولّى من جديد منصبه ككاهنٍ في الكنيسة وانضمّ إلى خاله للعيش في القصر الأسقفيّ . عاش السنوات اللاحقة في Lidzbark Waraminski يعتني بخاله المريض ويخوض دراساته في علم الفلك .
عام 1510 انتقل إلى مسكنٍ في كنيسة Frombork واستقر فيها لبقية حياته . ولم يتزوج (نيكولاس) بسبب التزامه بالكنيسة .
كان (نيكولاس) يخشى أن تسخر الناس من أعماله . وفشل كتابه الثاني في بيع أكثر من أربعمئة نسخةٍ عند نشره مع أنه يُعدُّ الآن من أهمّ كتب علم الفلك . وبالإضافة إلى كونه فلكياً كان (نيكولاس) فيزيائيّاً و مترجماً و دبلوماسياً وعالم اقتصاد ، مع أنه لم يحمل شهادةً في هذه المجالات وكان يتحدث خمس لغاتٍ هي اللاتينية ، الإيطالية ، الألمانية ، البولندية ، واليونانية .
ومن أشهر أقوال (نيكولاس كوبرنيكوس) :
“على أية حال الشمس هي مركز كل شيء” .
“قبل كلّ شيءٍ علينا أن نلاحظ أنّ الكون كرويّ” .
“الأرض أيضاً كروية الشكل بما أنها تتعرض للضغط نحو مركزها من جميع الاتجاهات” .
توفي نيكولاس إثر سكتةٍ دماغيةٍ في الرابع والعشرين من شهر أيار عام 1543 ، وقد وُجِدَ في فراشه ممسكاً بنسخةً من كتابه الثاني الممنوع من التداول .
أثناء الوقت الذي قضاه في Lidzbark Waraminski تابع (نيكولاس) دراساته في علم الفلك ، واستعان خلال بحثه بكتاب Epitome of the Almagest الذي ألّفه عالم الفلك (ريخيومونتانو) في القرن الخامس عشر وكان بديلاً عن نموذج العالِم (بطليموس) حول الكون ، وقد تأثرت أبحاث (نيكولاس) بهذا الكتاب بشكلٍ كبيرٍ جداً . ويعتقد العلماء أن (نيكولاس) كان قد بدأ بتطوير نموذجه عن النظام الشمسي عام 1508 وهو نموذج يعتبر أنّ الشمس هي مركز النظام وليست الأرض . وخلال القرن الثاني الميلادي كان السبق لعالِم الفلك الشهير (بطليموس) حين قدّم نموذجه عن النظام الشمسي ، حيث تدور الكواكب وفق مساراتٍ شاذة وغير منتظمة وهو ما شكل اختلافاً عن نظرية العالم (أرسطو) الذي اعتبر وفق نموذجه أن الكواكب تدور وفق مداراتٍ ثابتة ومحددة حول الأرض .
ولكن وفقاً لنموذج (نيكولاس) كانت الشمس هي مركز الكون وليست الأرض ، كما كان يعتقد أن أبعاد مدار وسرعة الكوكب تعتمد على المسافة بينه وبين الشمس . لكنه بالرغم من آرائه هذه والجدل الذي تكوّن حولها ، لم يكن (نيكولاس) هو الفلكي الأول الذي افترض أن الشمس هي مركز الكون ، فقد سبقه إلى ذلك الفلكي (أرسترخص الساموسي Aristarchus of (Samos في القرن الثالث قبل الميلاد ، لكن آراء (بطليموس) حول مركزية الأرض حلت محلها لأنها كانت مقبولة لديه .
يعتبر (نيكولاس كوبرنيكوس) اليوم أنه أول من صاغ نظرية “مركزية الشمس” وكون الأرض جرماً يدور في فلكها في كتابه “حول دوران الأجرام السماوية”، وهو مطوِّر نظرية دوران الأرض ، كما يُعدُّ مؤسس علم الفلك الحديث ، الذي ينتمي لعصر النهضة الأوروبية .
أثناء دراسته في جامعة بولونيا ، عاش (نيكولاس) لفترة في منزل (دومينيكو ماريا دي نوفارا) ، عالم الفلك الرئيسي في الجامعة، وكان علم الفلك وعلم التنجيم في ذلك الوقت مرتبطين ارتباطاً وثيقاً بينما كان (نوفارا) مسؤولاً عن إصدار تنبؤات فلكية لبولونيا ، وساعده (نيكولاس كوبرنيكوس) في ملاحظاته وفقاً لما يذكره “موقع هيستورى” .
أتم (نيكولاس كوبيرنيكوس) 20 عاماً من العمل على نظرية (مركزية الشمس) وكان عمله الأساسي تحت عنوان “حول دوران الأجرام السماوية” . وقد انتهى من هذا العمل في عام 1539، وظهر عمله هذا لأول مرة في العام 1543 في مدينة (فيرمبورك) قبل وفاته بعدة أيام .
ألقى (نيكولاس كوبرنيكوس) سلسلة من المحاضرات في روما عرض فيها مبادئ نظريته دون أن يثير غضب الكنيسة عليه ، وعندما أكمل كتابه عن “دورة الأجرام السماوية” ، لم ينشره خوفاً من الكنيسة أيضاً ولم يرَ هذا الكتاب النور إلا يوم وفاة (نيكولاس) ، وفي هذا الكتاب أثبت أن الأرض تدور حول نفسها ، وأن القمر يدور حول الأرض ، وأن الأرض والكواكب الأخرى كلها تدور حول الشمس .
وبنظرية “مركزية الشمس” أبطل (نيكولاس كوبرنيكوس) نظرية (بطليموس) عن مركزية الأرض التي ظلت وقتاً طويلاً غير قابلة للطعن ، إذْ استند (نيكولاس كوبرنيكوس) في نظريته التي قدمها في هذا الكتاب إلى أن حركة الأجسام السماوية يمكن تفسيرها بطريقة أفضل وأبسط إذا تركنا فكرة وجود الأرض في مركز الكون .
جاءت نظرية (مركزية الشمس) لتُزلزل المجتمع العلمي وتُناقض عقيدة الكنيسة الكاثوليكية . وقد تبدو اليوم فكرة أن الشمس هي مركز مجموعتنا الشمسية التي تدور حولها الأرض وبقية الكواكب ، فكرة بسيطة ومنطقية ومُسلّماً بها ، لكن الأمر لم يكن كذلك في بداية القرن السادس عشر خلال حياة (نيكولاس كوبرنيكوس) إذ كانت الفكرة السائدة آنذاك أن الأرض هي مركز الكون التي تدور حولها بقية الأجرام السماوية .
وفي زمن (كوبرنيكوس) ، كان يؤمن معظم علماء الفلك بالنظرية التي وضعها عالم الفلك اليوناني (بطليموس) قبل أكثر من 1000 عام ، والتي قال فيها :
“إن الأرض هي مركز الكون، وأنها لا تتحرك، في حين يدور حولها بقية الأجرام السماوية الأخرى في أنماط حركية معقدة” .
وعندما درس (كوبرنيكوس) حركات الكواكب شعر أن نظرية (بطليموس) غير صحيحة واستنتج أن منظومة (بطليموس) المكونة من الدوائر وفلك التدوير لا تستطيع أن تفسر حركات الأرض المرصودة باعتبارها مركز الكون ، وخلص في النهاية إلى أن الشمس هي التي يجب أن تكون مركز الكون ، وأن كل الكواكب بما فيها الأرض يجب أن تدور حولها .
يبدو هذا المفهوم واضحاً اليوم ، لكنه كان مزلزلاً وقتها ، خاصة وأنه يتناقض مع عقيدة الكنيسة الكاثوليكية الرومانية التي تقضي بأن الأرض هي أهم الأجرام السماوية ، لذلك لم ينشر (كوبرنيكوس) نظريته خوفاً من العواقب الوخيمة التي ستلحق به من غضب الكنيسة ، ولم تُنشر نظريته سوى بعد وفاته .
لم يتفق بعض العلماء الذين جاؤوا بعد (كوبرنيكوس) مع نظريته حول “مركزية الشمس” ، وكان من أشهر من اختلف معه الفلكي الدنماركي (تيخو براهي) ، الذي بنى وجهز مرصداً كبيراً واستخدمه في تقديم أرصاد للنجوم والكواكب بطريقةٍ فاقت كل الأعمال السابقة دقة وتفصيلاً . ولكن أرصاده الفلكية تلك ، مكّنت تِلميذه (كِبلر) من إثبات نظرية (كوبرنيكوس) في حقيقة دوران الأرض فعلاً حول الشمس .
وبالرغم من الزلزلة التي أحدثتها نظرية (كوبرنيكوس) حول مركزية الشمس ، والجدل الذي أُثير حولها ، لم يكن (كوبرنيكوس) الفلكي الأول الذي افترض أن الشمس هي المركز ، فقد سبقه إلى ذلك الفلكي (أرسطرخس الساموسي) في القرن الثالث قبل الميلاد ، غير أن آراء (بطليموس) حول مركزية الأرض حلت محلها لأنها كانت تتوافق مع معتقدات الكنيسة الكاثوليكية الرومانية . لكن على الجانب الآخر كان نموذج (كوبرنيكوس) حول النظام الشمسي أكثر دقّةً وتفصيلاً من نموذج (أرسطرخس) ، وتفوّق عليه من حيث فعاليته في تحديد مواقع الكواكب .
Discussion about this post