نقد الشعر عند ابن سلام الْجُمَحِيّ
( 139 هجريه – 231 هجرية)
د. محمد ضباشه
عضو اتحاد كتاب مصر
بدأ النقد الأدبي يتجه نحو تأسيس قواعد علمية في النقد الأدبي على يد أبو عبد الله محمد بن سلام الجمحي في نهاية القرن الثاني وبداية القرن الثالث الهجري وكان ذلك في بداية العصر العباسى، عاصر عددا كبيرا من العلماء والأدباء من بينهم خلف الأحمر، أبي عمر الشيباني، أبو عبيدة معمر، يونس بن حبيب ليعد من الرواد ومن جملة أهل الأدب، ألف كتاب طبقات فحول الشعراء الذي يعد أول كتاب في تراجم الشعراء يخرج بصورة علمية لم تكن معهودة من قبل بين نقاد الأدب بصفة عامة ونقاد الشعر بصفة خاصة.
ويرى أن أي عمل حرفي أو فني لا يمكن أن يقوم به إلا الخبير به دون غيره ويلح على هذا الشرط بقوله : ” وللشعر صناعة وثقافة يعرفها أهل العلم كسائر أصناف العلم و الصناعات منها ما تثقفه العين ومنها ما تثقفه الأذن ومنها ما تثقفه اليد ومنها ما يثقفه اللسان … يعرف ذلك العلماء عند المعاينة و الاستماع له … كذلك الشعر يعلمه أهل العلم به ” .
هذا الكتاب جمع فيه العديد من آراء العلماء باللغة و الشعر فضلا عن أنه قدم فيه منهجا جديدا سليما إلى حد ما في تحقيق النصوص الشعرية وتمييز صحيحها من منحولها محاولا بما أورد من آراء في هذا الشأن وضع حد للنقد الذوقي الفطري الذي كان يغلب على الأحكام النقدية سابقا ، وذلك بمحاولة إرساء المقومات الموضوعية العلمية للنقد الأدبي .
وقد ذكر في مقدمة كتابه ضرورة تخليص النقد العربي من الآراء الذاتية الانطباعية التي لا تستند إلى خبرة بالأدب ومعرفة بقواعد الشعر، وجعل النقد فنا قائما خاصا له رجاله وخبراؤه الذين لهم من الخبرة و الثقافة ما يمكنهم من الحكم على النصوص الشعرية حكما صحيحا وتمييز جيّدها من رديئها وصحيحها من منحولها، وهو يريد بذلك أن يقطع الطريق على كل متطفل يخوض في النقد بغير علم ويحكم بدون فهم.
أما عن طبقات فحول الشعراء فقد قام ابن سلام باختيار 114 من شعراء الجاهلية والشعراء الإسلاميين وتصنيفهم إلى طبقات ضمن مقاييس معينة منها الجودة والقيمة والكثرة والعصر الذي يعيش فيه الشاعر اعتبرها من أهم معايير التصنيف عنده وهي كما يلي :
الزمان و المكان :1
اعتمد ابن سلام على الزمن الذي عاش فيه الشاعر وقسم الشعراء إلى طبقتين إحداهما طبقة الشعراء الجاهليين وجعل فى المرتبة الأولى امرؤ القيس،زهير بن ربيعة، النابغة والأعشى وهؤلاء الأربعة من أصحاب المعلقات وهم من أشهر الشعراء في العصر الجاهلي حتى انتهى من هذه الطبقة ثم انتقل إلى طبقة الشعراء الإسلامين وكان على رأسهم الأخطل، جرير، الفرزدق،الراعي ثم قسم شعراء هذه الطبقة إلى شعراء صدر الاسلام و شعراء الدولة الأموية وشعراء الدولة العباسية ولم يلتفت ألى الشعراء المولدين وركز على الشعراء القدماء وذكر ان الخنساء جاءت في الطبقة الأولى ضمن شعراء المرائي وبهذا لم يهمل ابن سلام الشعر النسائي في عصره ، أما المخضرمين فقد وضعهم في مكانهم موزعين إلى الطبقتين . أما المكان فقسم فيه الشعراء إلى شعراء بادية وهم الأغلبية وشعراء القرى وهم الأقلية، وكان يفضل فيما يبدو من آراء الشعر الجاهلي على الإسلامي،و البدوي على القروي عملا بأحكام النقاد اللغويين الذين يرون أن الشعر الجيد هو ذلك الشعر القديم .
الكثرة :2
وقد أعطاها ابن سلام أهمية كبيرة في تقديم شاعر على آخر، لأنها في نظره دليل على قوة الشاعرية، لذلك جعل طَرَفة بن العَبْد و عَبِيد بن الأبْرَص في الطبقة الرابعة نظرا لقلة أشعارهما .
تعدّد الأغراض الشعرية :3
جعل تعدد الأغراض الشعرية من المقاييس الأساسية في عملية التصنيف واعتمادا على هذا فضل ” كُثَيِّرًا” على “جَمِيل بُثَيْنَة” بالرغم من اعترافه الواضح بأن “جميلا” يجيد الغزل أفضل من “كُثَيِّر”
4- معيار الجودة والقيمة: وهذا أول معيار اهتم به ابن سلام فى تصنيف فحول الشعراء وهو أن يكون الشعر ذات جودة عالية في بنائه بالإضافة إلى سهولة الألفاظ وجمال الله وجديد الصور الجمالية .31هجر
Discussion about this post