لعبة في الوطن
– قصة قصيرة –
الجو شديد الحرارة والشمس عمودية كعادتها في مثل هذا الفصل حتى إنه شعر بقطرات العرق تنساب من كل مكان في جسده، كل ذلك لم يمنعه من البحث عن مجلة الوطن في عددها الأخير الصادر يوم أمس وكان الجواب واحدًا لدى أصحاب المكتبات في شارع المتنبي: لقد نفدت أعداد المجلة حال وصولها.
ما العمل الآن؟ تساءل حائرًا.
استمر بالسير داخل الشارع رغم الزحمة مواصلًا البحث عند باعة الكتب والصحف ممن يفترشون الرصيف. أخيرًا عثر على مجلته المفضلة.
توجه بالسير نحو يمين نهاية الشارع حيث المقهى الذي يعج برواده من المثقفين والأدباء الذين ردوا عليه التحية من بعيد قبل أن يتمكن من إيجاد مكان خالي في أقصى المقهى قريبًا من الموقد الممتلئ بقوارير الشاي ولوازمه.
ارتشف قليلًا من شاي الحامض بدون سكر بعد أن وضعه أمامه نادل المقهى الذي راح ينادي بأعلى صوته ملبيًا طلبات الزبائن .
خشخشة أوراق المجلة وهو يقلبها بين يديه ضاعت وسط موسيقى قادمة من مكتبة تحتل أحد أركان المقهى تبث أغنية على طرف جناحك يا حمام لنجاة الصغيرة بصوت مغنية أخرى لا يعرف اسمها.
تصفح مواضيع المجلة التي لم تعد تثير شهيته للقراءة ما عدا الصفحات الأخيرة التي كانت تتضمن نكت من قراء المجلة واحجيات رياضية وعمود لأحدهم يسرد فيه موقفًا طريفًا تعرض له.
سال لعابه وهو يرى المربعات الفارغة في فقرة الكلمات المتقاطعة. أخرج من جيبه قلم الحبر الجاف ليمارس هوايته التي تعلمها منذ نعومة أظفاره.
أصبح مدمنًا في ممارسة اللعبة حد هذه اللحظة. يشعر وهو ينظر للمربعات الفارغة كأنها تستنجد بذكائه ليملأها فتظهر بعدها الكلمة المطلوبة. في هذا العدد كان اسم دولة توجد فيها مناجم الفحم هو اللغز.
وضع اسم فريق كرة قدم رياضي إنجليزي عاموديًا، هذه الحروف ستسهل عليه المهمة التالية في معرفة اسم الدولة التي تشتهر بزراعة المانجو في المربعات الأفقية.
ارتشف قليلًا من الشاي بعدها كتب اسم ملاكم عالمي مسلم معتزل، أخذ ينقل نظره بين السماء والمجلة محاولا تذكر اسم مطربة سورية يبدأ اسمها بحرف الميم وهو الاسم الذي ظهر له في العمود التالي فكتب بسرعة اسم رئيس أميركي من أصول أفريقية عاموديًا بعد أن ظهر له الحرف المشترك. لم يكن صعبًا عليه إيجاد مرادف كلمة الحب أما المربعات التالية تطلبت منه البحث عن عكس كلمة ظلام والمربعات الأخيرة لم تسرق من وقته سوى ثوان عديدة ليعرف اسم الوباء العالمي المنتشر حاليًا.
نسي كل ما يحيط به منشغلا بتلك المربعات التي تقاطعت بذات الحروف مع مربعات أخرى،ليست بالمهمة المستحيلة. كانت فقط بحاجة لبارع مثله قضى حياته كلها في تعلم أسرار اللعبة ليتوصل إلى الحل.
شعر بالزهو والفخر وهو يرى كلمة الصين التي ظهرت له من تلقاء نفسها بفضل ذكائه وثقافته.
كان قد غادر المقهى وضاع بين رواد الشارع حين ناداه النادل قائلًا:
لقد نسيت الوطن!
Discussion about this post