مختارات ..
=-=-=-=-=
الأنثروبولوجيا Anthropology ..
د.علي أحمد جديد
إن أصل كلمة أنثروبولوجيا (Anthropology) هو من كلمتين يونانيتين (Anthropos) الإنسان ، و(Locos) العلم ، وتمَّ جمعهما في كلمة واحدة (الأنثروبولوجيا) والتي تعني (علم الإنسان) ، وهو العلم الذي يهتم بدراسة الإنسان . وقد عرفها الباحثون بأنها العلم الذي يدرس الإنسان ككائن عضوي يعيش في مجتمع تسوده منظومات ثقافية واجتماعية وسياسية ويمارس سلوكيات معينة .
ومن ناحية أخرى تَدرُسُ الأنثروبولوجيا تطوّرالإنسان منذ العصور الحجرية وحتى العصر الحالي ، وبناءً على الدراسة الدقيقة لتاريخ تطوّر الإنسان يمكن التنبؤ بمستقبله ، ولهذا يتميز علم الأنثروبولوجيا بالتطور والنمو ، وبالجانب العضوي الخاص لحياة الإنسان بوصفه كائن عاقل ينفرد بالتفكير في وجوده .ولأن الإنسان هو الكائن الحي الوحيد القادر على إنتاج الثقافة والحضارة في حياته . ولا تكون الأنثروبولوجيا بدراسة الإنسان ككائن وحيد أو منفرد فقط ، بل تهتم بدراسة كونه كائناً اجتماعياً يعيش في مجتمع يؤثر فيه ، ويتأثر به .
وبناء على اعتبار أن الأنثروبولوجيا وليدة العلوم الإنسانية ، فهي وليدة الفلسفة الإنسانية أيضاً ، لأن الفلسفة علم المبادئ والأسباب الأولى للوجود وغايتها البحث في حقيقة الوجود من خلال الأساليب الأكثر تماسكاً وبِناءً ، أي من خلال العقل الذي يرى فيه (أرسطو) أنه
“علم الوجود بما هو موجود ، أو أنه الفكر في جوهر وجوده” .
وقد أكد الباحثون على الصلة الوثيقة فيما بين الفلسفة وبين الأنثروبولوجيا ، لأن الفلسفة أم العلوم التي تسعى إلى الحقيقة وتدرس الوجود الذي يعد الإنسان جزءاً أساسياً في تكوينه ووجوده ، وهي تدرس الإنسان قبل أي شيء من الوجود . ولأن كلّاً من الفلسفة والأنثروبولوجيا تدرسان الإنسان رغم اختلاف أدوات الدراسة وأساليبها بين الاثنتين .
كما ترتبط دراسة الأنثروبولوجيا بعلم النفس الذي يدرس سلوك الإنسان بوصفه سلوكاً فردياً ، كما يدرس وجود شخصية الفرد بحدِّ ذاته ، وهذه جوانب يهتم بها علم الأنثروبولوجيا ، أما علم الاجتماع فهو واحد من العلوم الإنسانية حديثة العهد ، ويدرس الإنسان ككائن اجتماعي وفي نفس الوقت يدرس العلاقات القائمة بين أفراد المجتمع ككل . وفي ذلك تلتقي أهداف علم الأنثروبولوجيا بأهداف علم الاجتماع المقارَن .
ويرتبط علم الأنثروبولوجيا بالعلوم الطبيعية وليدة العلوم الإنسانية ، رغم أن علم الأنثروبولوجيا يهتم بمعرفة الصفات البيولوجية للإنسان ، وتأثيرها على الإنسان ، كما ترتبط الأنثروبولوجيا بعلم الأحياء ، الذي يتناول دراسة الكائن الحي سواء كان وحيد الخلية ، أو متعدد الخلايا ، والصفات الوراثية فيه . وتهتم الأنثروبولوجيا بمدى تأثير الصفات الوراثية على البيئة المحيطة بالإنسان وتدرس الكيفية التي تطور بهاالإنسان عبر العصور . ويمكن اعتبار أهم النظريات البيولوجية التي ركزت على تطور الإنسان نظرية التطور الداروينية التي حاول صاحبها من خلال نظريته إثبات أصل الإنسان الحالي كقرد تطور في الشكل وفي التفكير ، وكان دافعه في ذلك دحض ماجاء في القرآن الكريم عن مسخ بعض اليهود إلى قردة وخنازير بأمر من الله تعالى عَزَ و جَلّ .
وتتقاطع البيولوجيا مع الأنثروبولوجيا بأن كليهما تسعيان إلى معرفة عملية إعادة إنتاج الحياة وفقاً لنماذج نظرية في التنوع ، ولكن في حقول مختلفة تِبعاً لاختصاص كل واحدة منهما .
ولأن الأنثروبولوجيا هي علم الإنسان والحضارات والمجتمعات البشريّة وتهتم بسلوكيّات الإنسان وبأعماله كان مصطلح الأنثربولوجيا الاجتماعيّة التي تُعنى بعلوم الإنسان ككائنٍ جماعي حيث قسّم العلماء الأنثربيولوجيون البريطانيّون الأنثروبولجيا إلى أربعةِ أقسام ، هي :
1) الأنثروبولوجيا الطبيعيّة :
وترتبط بالعلوم الطبيعيّة كعلم وظائف الأعضاء وعلم الأحياء وعلم التشريح ، الذي يتخصّص بدراسة تكوين كلٍّ من
” العظام ” و ” مقاييس جسم الإنسان ” و ” البناء الإنساني ” و ” علم الجراحة الإنساني ” ويُدرَّس في كليّات العلوم والطب على حدٍّ سواء ، وأيضاً في قسم الأنثربولوجيا من كليّات العلوم الاجتماعيّة التي تبحث في ظهور الإنسان كسلالاتٍ متميّزة على الأرض ، وميزاته المدهشة باستخدام اليدين ، والسير منتصباً على ساقين اثنتين ، وقدرته على التعبير بالكلام ، والتفكير . كما يتناول تطوّر حياته ، وطرق تكاثره وانتشاره ، وتطوره عبر العصور ، والاختلاف في شكله وفي حجمه ومقاييسه عبر القارّات والأزمنةِ .
2) الأنثروبولوجيا الاجتماعيّة :
وهي التي تركّز على المجتمعات البدائيّة ، وقد بدأت دراساتها إبان الحرب العالميّةِ الثانية حيث بدأت تبخث – علمياً – أساس بناء المجتمعات والنظم الاجتماعيّة فيها ،
و الطبقات الاجتماعية والطوائف الدينية والمذهبية ، وكذلك النظم السياسيّة والاقتصاديّة والعقائديّة ، والنسق الإيكيولوجي لنشأتها ، وذلك من خلال التركيز على المجتمعات البدائيّة وحدها وعلى تكامل البناء الاجتماعي فيها بدراساتٍ تفصيليّةٍ وعميقة ، من خلال “النظريّةِ التوظيفيّة” للعالم (راد براون) والتي تدرس توضيح التأثير والترابط المتبادل بين النظم الاجتماعيّة ، كنسيجٍ متشابك العناصر ، إذ أنه لكل عنصرٍ تأثيره في باقي العناصر للعمل على إيجاد وخلق وحدةٍ اجتماعيّة تسمح ببقاء المجتمع واستمرارية ديمومته ، ولا يهتمّ هذا النوع من الأنثروبولوجيا بتاريخ النظم الاجتماعيّة لأنه وكما يراه متخصصوها لا فسّر طبيعتها .
3) – الأنثروبولوجيا الثقافيّة( الحضاريّة ) :
وتهتمّ باختراعات الشعوب البدائيّة ، من أدوات وأسلحة وألبسة وأجهزة ومساكن ، وآداب وأساطير وخرافات وعادات في التغيرات الاجتماعيّة وفي التطور الحضاري لها .
4) – الأنثروبولوجيا التطبيقيّة:
وقد نشأت الحاجة لفهم الشعوب البدائيّة بسبب حاجة الأوروبيين إلى لتواصل معهم لأغراض التبشير والتجارة والاستعمار ، ورأوا أن ذلك يسهّل لهم استغلال الشعوب غير الأوروبية وفرض السيطرةِ عليها ، بذريعة حاجة الشعوب البدائيّة للحاق بالمدنيّةِ الحديثة وبالتحضّر . ويمكن اختصار تعريف هذا الجانب من علم الأنثروبولوجيا بأنه يبحث ويدرس مشاكل الاتصال والتواصل مع الشعوب التي يراها الأوربيون بدائيّة ومتخلفة .
وهنا لابد من الخوض فيما يمكن تسميته بعلم الأثنيلوجيا الذي يهتم بتاريخ الحضارات وبالعلاقات الحضاريّة بين الأمم الشعوب ، إذْ تتّضح العلاقة الوثيقة بينه وبين الأنثربولوجيا الاجتماعيّة .
وكذلك هو الحال مع مصطلح الأثنوغرافيا الذي يعني الدراسات الدقيقة في وصف ودراسة المجتمعات بثقافاتها المتنوعة .
أما علم الآركيولوجي(علم الآثار) فهو يعني دراسة الحضارات والشعوب البائدة ، عن طريق الآثار والتي يعثر عليها في الحفريّات وقد نشأ في الولايات المتحدة الأمريكية بسبب الحاجة حديثاً إلى دراسة مجتمعات (الهنود الحمر) وعلومهم وحضاراتهم التي كانت قبل إبادتهم .
أما العلم الذي يُعنى بدراسة الإنسان وعلاقاته بالآخرين والمجتمع والبيئة فإنه (علم الاجتماع) ، لانه يركّز في دراساته على المجتمعات المتقدمة بكل ما تحمله من إيجابيّات ومن سلبيّات ويبحث في نشأة علم الأنثربولوجيا وفي مراحل تطوره ، ويعتبر هذا العلم من أقدم العلوم على وجه الأرض لأن بداياته كانت عن طريق النظر والتأمل ، وإنّ المؤرخ الإغريقي (هيرودوتس) قد بحث فيه بدقة عالية ووصف أجساد ( السينيين ) وتكوينها ، وكذلك كان وصفه لقدماء المصريين وغيرهم . أمّا الروماني ” تاكيتس ” فقد كتب دراسته المشهورة عن ( القبائل الجرمانيّة ) وعن مجتمعاتها وتطورها .
إن علم الأنثربولوجيا كعلم يتم تدريسه ودراسته هو علم حديثٌ نسبيّاً ، بدأ التدريس به منذ القرنين الماضيين فقط أو قبل ذلك بقليل ، وتعدّ نهاية القرن الثامن عشر نقطة البداية لهذا العلم ، وفي القرن التاسع عشر بدأت كتب الأنثربولوجيا القديمة تنتشر وظهر في أمريكا وفي أوروبا ، كما ظهرت في الوقت ذاته المدارس التي تعنى بهذا العلم من خلال المدارس الفلسفية المختلفة ” المدرسةِ التطوريّة ومدرسة ” القانون المقارن ” .
ومن الأسماء التي ساهمت بإثراء هذا العلم و تدريسه (جيمس فريزر) و (راد كلف براون) و( مالينوفسكي ) و( البوت سميث ) وغيرهم من الذين يمكن اعتبارهم عباقرة الأنثربولوجيا ، وذلك بالإضافة إلى مؤلفات ضخمة ومدارس مهمة أثرَتْ هذا العلم وجعلته من أهم العلوم التي تُدرَّس اليوم .
Discussion about this post