نقطة دم أم مرآة لعكس ارتدادات نفسية أخلاقية لمشاكل الجندرية وإرهاصات الفكر الجنساني المريض..
قراءة نفسية فلسفية لنص : /نقطة دم/
للأديبةالأستاذة : حبيبة محرزي
Habiba Meherzi
———————————————
في تفسير الأحلام / ١٩٠٠/ لمؤسس التحليل النفسي فرويد ، أفرد قسما كبيرا لللاوعي كمبدأ طبّقه لاحقا على الدين والتاريخ والأدب …
فرويد كان له فتح في فهم العقل ، فرآه بأجزاءه الثلاثة المتنازعة :
الهو / الآمر باللذة( شاهدناه في النص عند السائقوقد تفوق)
الأنا العليا / الآمرة بضبطها والحافظة للأخلاق والقوانين( كانت غائبة عنده)
الأنا / كمحطة للتوازن
ولئن مر نمو الفرد الجنسي بأطوار ثلاثة ، فكل من هذه الأطوار لازمه سلوك بعينه….
في العلاقات الإنسانية يقف ( العصاب) بالمرصاد لكننا لسنا وحدنا من يصاب بالعصاب ، إذ إن المجتمعات نفسها قد تصاب به…
مجتمع مازال بمنطوقه يعتبر المرأة جسداً وبذلك ( الضحية)
الزلة الفرويدية هي توتر ونزاع مع أفكار ومشاعر بعينها ، حيث تتصارع رغبات اللاوعي مع ماقبل الوعي ، تأتينا تلك الرغبات بطرق ملتوية كزلات لسان أو كأحلام تبقى ( الطريق الملكيّ إلى لاوعينا)
وفي النص : كلام معسول من السائق الشاب الذي استغل حاجة المرأة وقاد لاوعيها بسهولة وسلاسة ، هو استخدم الكلام وهي انقادت بالحلم …
وقد تم تأويل ذلك وإسقاطه لفهم كثير من الثنائيات ( الحرب / السلم)
(الحب / الكراهية)
( الدين / الأخلاقيات)
إلا أن المحللة النفسية الألمانية ( كارن هورني) المصنفة ك / فرويدية جديدة/ رأت أن فوارق الجنسين هي نتاج المجتمع والثقافة لا البيولوجيا …
جوديت ميتشل اعتبرت جنسانية المرأة موضوعا مطروحا وهو مايساهم في تحريرها من الثقافة الذكورية …
نص جميل ماهو إلا عين راصدة لآلام امرأة وسقوط أخلاقي لجيل مازال يرى فيها ضحية سهلة ،…
طريقة الطرح جميلة بليغة ولكن وجدت القسم الأخير ( التفكير بمهاتفة الشرطة) في موقعه ذاك أضعف قليلا من التسلسل ( وهو رأي شخصي)
الإيقاع بطيئ / يتناسب مع مشاعر التحطم التي تعاني منها الساردة ( الضحية ) والخوف الذي لازمها …
العنوان / نقطة دم كمقارنة بين تلك النقطة التي بسببها خسرت عفتها وبين الدم الذي كان بحاجة له ولم يحصل عليه في وقته فقضى ، إسقاط موفق جميل…
دام الإبداع
———————-
النص:
نقطة دم
اقترب نعيب سيّارة الإسعاف، واشتدّ وتعاظم، وهي تتوغّل في ردهة المستشفى.
جرى الطّبيب والممرّضون، أعدّوا غرفة العمليات، أنزل المصاب على نقّالة خضّبتها الدّماء، وتقاطرت على الممرّ الطويل.
الطّبيب يقيس الضغط ويصرخ، يطلب تحليلاً مستعجلاً لمعرفة فصيلة الدّم.
الرّجل ينزف، مدّدوه في غرفة العمليّات، وجهه مضرّج بالدّماء، أنّاته تختلط بوقع الأحذية المسرعة المضطربة فتغرق المكان في خضمّ جنائزيّ موحش يتردّد صداه، فيستحثّهم على الإسراع قبل فوات الأوان.
جرت خديجة ومعها الأنابيب والإبر، أخذت العينة، وانقلبت لتسرع إلى المخبر في الطابق الرابع، لكنّ بصرها اصطدم بالحذاء والجوارب السّوداء المزكشة بورود حمراء.
البارحة ركبت في سيّارة “تاكسي” ليوصلها إلى عملها بالمستشفى الوحيد في المنطقة، المسافة ليست بعيدة، لكنّ خديجة متعبة، مرهقة، سألها وهو يمدّ رقبته ليرى وجهها على المرآة العاكسة:
— لماذا لا تسكنين قرب المستشفى وتستريحين من التّنقّل ومشاقّه؟
أجابته باحتشام:
— تلك أمنيتي، لكنّ المساكن في هذه المنطقة عالية الإيجار، وأنا أرملة أربّي أيتاماً.
لعق شفتيه، ثم قال وعيناه معلقتان على المرآة:
— أخي مسافر، ويريد كراء شقّته، هي ليست بعيدة من هنا، وإيجارها مناسب، هل ترغبين في زيارتها؟
تهلّلت أساريرها فرحاً، قفز الدّرجات أمامها، تبعته، استلّ هاتفه وقال: (لا تخرج).
دسّه في جيب سترته الجلديّة السوداء، وأدار المفتاح في القفل، وهي وراءه تتفقّد المكان بعين راضية مستبشرة.
دفع باباً جانبيّاً، وهمس:
— لنبدأ بالمطبخ، فهو الأقرب إلى قلوب النّساء.
صفق الباب خلفها، واستلّ سكّيناً كبيرة من الدّرج وهو يفتح حزامه الجلديّ، وفحيحه يحرق وجهها المرعوب.
تكوّمت على الأرض، قبّلت بنطلونه الوسخ، لثمت حذاءه العفن، ومسحت على جوربيه النتنتين بيديها المرتعشتين، غمغمت بفم يابس ولسان متحجّر وهي ترفع إليه نظرات متوسّلة:
— لا تشوّهني، اللّه يسترك، اعتبرني أمّك.
لوى عضلات وجهه المتوحّش وصرخ فيها:
— ليست لي أمّ، أنا…
قاطعته بصوت مرتجف:
— سأكون أمّك، ستكون خامس أبنائي.
صمّ أذنيه، انهارت توسّلاتها تحت وخزة السّكّين وخيط الدّم الذي سال من رقبتها ليستقرّ نقطة بدأت تتسع دائرتها على فستانها الباهت.
عيّنة الدّم تحت المجهر وهي تتلمّس مكان الوخزة، هاتفها يتخبّط في جيبها، والطّبيب يطلب أربعة أكياس من الدّم.
نهضت متثاقلة، سحبتها من الثّلاّجة، وهمّت بالضغط على زرّ المصعد، لكنّها تراجعت. الهاتف يعوي، أخرسته بضغطة عصبيّة، ثمّ سارت نحو السّلّم اللّولبي، نزلت درجة درجة، والنّزيف حتماً متواصل.
سمعت صراخ الطّبيب والممرّضين يستعجلونها، أصواتهم تخز كيانها المضرّج.
وقفت في أسفل السّلّم لا تستطيع التّقدّم، نظرت إلى أكياس الدّم بين يديها. قدماها تبرّأتا منها.
بعثرت أكياس الدّم أمام الطبيب، ثمّ جذبت هاتفها لتطلب الشرطة، لكنّ الطّبيب أرجع لها الأكياس لتعيدها إلى مكانها في الثّلاّجة ريثما تسرع بها إلى مريض آخر بعد أن تزيل بقعة الدّم من ثوبها الباهت.
حبيبة محرزي.
تونس.
Discussion about this post