قراءة كللت نصي المتواضع وأضفت عليه مسحة راقية من المعرفة والعمق
…………………..
تحليل نقدي ذرائعي للقصة الموجزة المكثفة ق.م.م / صحوة/ للقاصّة السورية خديجة السيد بقلم الناقدة الذرائعية د. عبير خالد يحيي
عبير خالد يحيي
2023 / 1 / 4
الادب والفن
النص:
صحوة
كنّا نجرّ الأقدامَ, مطأطئي الرؤوس, تجرّأتُ ورفعتُ نظري للأعلى, نورٌ ساطعٌ في السماء, حزمتُ أمري واستدرتُ, قفلتُ عائدةً, حملتُ صليبي ومضيت…
ديباجة النص:
نص مشهدي بسيميائيته, لجماعة من الناس المنهكين من شقاء الحياة الذليلين بذنوبهم وآثامهم والقانطين من الفرج والرحمة, بطلة القصة من ضمن هذا الجمع تتجرّأ على مخالفة الوضع وتنظر إلى الأعلى فترى نورًا ساطعًا في السماء, يمدّها بالإصرار والتصميم على مخالفة القطيع, والعودة عكسًا, ومضت محمّلة بثقل صليبها.
التحليل الإيحائي:
الدلالة الأولى : ( كنّا نجر الأقدام, مطأطئي الرؤوس), دلالة إيحائية تشير إلى حالة جماعة الناس الذين أنهكتهم الحياة والأقدار, فاستسلموا لليأس الشديد بخنوع كبير, جعلهم لا ينظرون إلا أسفل أقدامهم المتهالكة, قنوط ربّما أوصل بعضهم إلى حدّ التفكير بالانتحار.
الدلالة الثانية: (تجرّأتُ ورفعتُ نظري للأعلى, نورٌ ساطعٌ في السماء), هي دلالة إيحائية مزدوجة, تشير إلى حجم القنوط والاستسلام والخنوع الذي يصيب الإنسان حتى لَيعتبر مجرّد رفع النظر إلى السماء جرأة, والإشارة الثانية هي أن نظر القلوب والجوارح يجب أن يكون إلى العلي, في السموات وأنوارها الساطعة باليقين, وليس إلى الأسفل, وظلمة الحياة والخطوات المرتبكة الخائفة.
الدلالة الثالثة: ( حزمتُ أمري واستدرتُ, قفلتُ عائدةً ), تشير إلى لحظة التنوير التي غمرت القلب القانط الخائف بنور اليقين بفرج الله ورحمته, واتخاذ القرار بالتوبة, متبوعًا بالفعل الإجرائي, العودة عن الدرب المضلل والأوبة إلى الله, وهنا تناص مع النص القرآني ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللهإن الله يغفر الذنوب جميعًا إنه هو الغفور الرحيم) الآية 53 من سورة الزمر
الدلالة الرابعة : ( , حملتُ صليبي ومضيت…), وهذه الدلالة تشير إلى المصالحة بين الإنسان وربه, كما إلى تجلّي قوة الله وحكمته في أوبة عبده التائب وانتصاره على شيطانه, وتغلّبه على غوايته, وهي دلالة تحمل تناصًّا مع الإنجيل, حيث يعتبر الصليب في المسيحية موضع الحب الإلهي للبشرية, كما يعني المصالحة بين السماء والأرض, وعلامة الانتصار, وتجلّي قوة الله وحكمته في حلّ مشكلة الإنسان بطريقة فائقة, حيث أعاده إلى رتبته الأولى, ولم يكن لأحد غيره أن يفكر بهذه الطريقة..( أن يحمل الابن لعنتنا وخطيتنا بقوة عظيمة وحكمة رائعة حينما وهبنا الخلاص الذي لا يقدر غيره أن يعد بها ويهبه, لأنه ليس بأحد غيره الخلاص) 1 كو1: 24
الدلالة الخامسة: (…) ثلاث نقاط ترمز إلى استمرار الفعل, فالإنسان مداوم على فعل الخطيئة والأوبة طوال عمره الحياتي.
التحليل النقدي الذرائعي:
• المستوى السيكولوجي:
من أعماق النفس البشرية المحمّلة بكل آفات الشقاء الحياتي, تبئّر القاصة خديجة السيد لنصّها الموجز والمكثف بالإيحاء والرمز, فتكشف لنا دواخل وتحوّلات النفس المكبّلة بخطاياها, من القنوط إلى لحظة التجلي والتنوير, إلى فعل اتخاذ القرار بالحل الوحيد للخلاص, إلى الفعل الإجرائي, مواصلة السير في طريق الإنابة.
• المستوى الأخلاقي:
يحمل النص دعوة أخلاقية سامية, وهي البعد عن اليأس والقنوط, والنظر إلى نور الله الذي يقر في القلوب فيملؤها بالأمل والرجاء واليقين برحمته, فالله عند ظن عبده فيه, فلنحسن الظن بالله, ولنوقن برحمته, ولنقر بضعفنا بعيدًا عن أبوابه, كما أنها دعوة لليقين بأن المخلصين قلّة, وأن الحق أجدر بالاتباع ولو كان أتباع الباطل جمهرة.
• المستوى المتحرك:
– العنوان : ( صحوة) عنوان جيّد انتقته القاصة بدراية, فهو مفردة نكرى, دالّة على فعل التنوير, وغير كاشف للقصة.
– الإسناد والإحالة: الإسناد كان إلى امرأة واحدة من مجموعة, أحالت إليها القاصة قضية القنوط والأمل, الخطيئة والإنابة, وجعلتها في وضع الفعل الإجرائي طوال فترة عمرها القادم.
– التكثيف: استطاعت القاصة من خلال بص لا يتعدى السطرين, وبدلالات خمس فصّلتها, أن تحكي لنا صراع الإنسان بين السقوط والنجاة, وجعلت هذا الصراع مستمرًا بالتكثيف عبر نقاط ثلاث.
– الرمزية: استخدمت القاصة رموزًا مغلقة, وجعلت منها أعمدة كثّفت فيها بناء النص, واستخدمت رمزًا تقنيًّا ( الصليب) للنهاية.
– التناص: تناصّت مع مصدرين من مصادر التشريع الإلهي, القرآن الكريم, والإنجيل, فدلّلت بذلك على وحدة النفس البشرية, بتعدّد واختلاف المعتقد الديني
Discussion about this post